بقلم تشانغ جيون شه، باحث معهد الأبحاث الأكاديمية العسكرية البحرية
ذكرت وسائل إعلام أمريكية نقلا عن مسؤول عسكري أمريكه قوله أن الطائرات الحربية الصينية والروسية باتت تبادر أكثر فأكثر لإعتراض الطائرات العسكرية الأمريكية، أو القيام بعمليات إستطلاع بالقرب من ضفة البحر الأمريكي الغربي، ووصف هذا السلوك بأنه "مستفز"، وأصبح يمثل أحد أهم مصادر قلقه.
من يسمع حديث هذا المسؤول الأمريكي يظن بأن أمريكا، هذه القوة العسكرية الأولى في العالم، تتعرض لـ"إستفزاز" الجيشين الصيني والروسي. لكن، من يمعن في التحليل أكثر، سيعرف بأن حديث المسؤول الأمريكي يعد قلبا للحقيقة، حيث لم يضع أمريكا في موقع الضحية فحسب، بل كشف عن إزدواجية المعايير التي تمارسها أمريكا على مستوى حرية الملاحة والطيران.
أولا، تقوم الطائرات اليوم تلو اليوم، والعام تلو العام، بعمليات إستطلاع مكثفة بالقرب من البحر الصيني، وتهدف من خلال ذلك إلى جمع معلومات إستخباراتية حول التكتيك الإستراتيجي العسكري الصيني، وهو سلوك يمثل تهديدا خطيرا على الأمن الوطني الصيني. ووفقا لوسائل الإعلام الأمريكية، تجري الطائرات الحربية الأمريكية المرابضة في قاعدة أوكيناوا لوحدها، رحلتين إستطلاعيتين بإتجاه أرخبيل سيشا الصيني والمجال الجوي القريب من هاينان. ومن المهم الإشارة إلى أن عدد عمليات الإستطلاع التي قامت بها طائرات التجسس الأمريكية ضد الصين خلال السنوات الأخيرة قد فاقت مجموع عمليات التجسس أجرتها الطائرات الأمريكية ضد الإتحياد السوفياتي خلال كامل فترة الحرب الباردة.
ثانيا، يصنف الجانب الأمريكي المناطق الإقتصادية الخاصة على أنها "مياه دولية" وبحار عامة، ومن ثم يمنح نفسه حق الملاحة والطيران في المياه للقريبة من المناطق الإقتصادية للدول الأخرى، ولايلجأ إلى القانون الدولي لطلب حماية المصالح الأمنية للدول الساحلية. ووفقا لـ"إتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار"، تتمتع الدول بحرية الملاحة والطيران بالقرب من المناطق الإقتصادية الخاصة، في ظل إحترام قوانين ولوائح الدول المالكة للسواحل، والمحافظة على سيادة ومصالح هذه الدول، ما يمثل توازنا بين حرية الملاحة ومصالح مختلف الدول وسيادة وحقوق الدول الساحلية. لكن أمريكا لم تعترف بهذا البند، وترى بأنها فوق سلطة القانون، لذلك إلى الآن لم تنضم أمريكا إلى هذه الإتفاقية. ولاشك أن هذا السلوك الأمريكي، يمثل دوسا على إتفاقية الإمم المتحدة.
ثالثا، تقوم طائرات التجسس الأمريكية حين آدائها لمهامها بالطيران على إرتفاع الطائرات المدنية، وعند إعتراضها لتتبع ومراقبة الطائرات الحربية، تلجأ بشكل فجئي إلى تخفيض السرعة والإنعطاف في زاوية كبيرة، وغيرها من الحركات الخطرة. كما تلجأ هذه الطائرات إلى غلق نظام التواصل. وهذه الحركات الخطرة التي تقوم بها الطائرات الأمريكية، هي من بين الأسباب الهامة المؤدية إلى حوادث الطيران.
رابعا، تمارس أمريكا معايير مزدوجة على مستوى قضية عمليات الإستطلاع، والصين من جانبها، لم ترسل على الإطلاق طائرات عسكرية للقيام بمهام إستطلاعية على السواحل الأمريكية، وإذا كانت أمريكا تعتبر أن تحليق الطائرات الحربية للدول الأخرى قرب سواحلها يعد سلوكا "إستفزازيا"، فعليها أن توقف عمليات الإستطلاع المكثفة التي تقوم بها ضد الصين.
وقد أشار الجانب الصيني مرّات عديدة إلى أن أنشطة الإستطلاع التي تقوم بها السفن والطائرات الحربية الأمريكية في المياه الصينية يؤثر بشكل بالغ على الأمن الوطني الصيني، ويتسبب في حدوث حوادث طيران. وفي إطار سعيها إلى حماية السيادة والأمن الصينيين، من الطبيعي أن تقوم الصين بإرسال سفن وطائرات للمراقبة والإطلاع، وطرد أو عرقلة هذه الأنشطة إن لزم الأمر. وهذا لا يخالف القوانين والأعراف الدولية. كما أن التدابير التي تتخذها الصين تلائم المعايير المهنية والأمنية. لكن، هذه الإحتكاكات العسكرية القريبة في الجو قد تؤدي إلى حوادث غير متوقعة، وهي على درجة بالغة من الخطورة.
في الحقيقة، إن حوادث الإحتكاكات الجوية سواء في بحر الصين الجنوبي، أو البحر الأسود أو في المناطق الإقتصادية الخاصة للدول الأخرى، كانت دائما ناجمة عن قيام أمريكا بأنشطة تجسس قبالة "أبواب" الدول الأخرى. لذا، فإن أفضل الحلول، هو توقف أمريكا عن القيام بأنشطة الإستطلاع. وضمان أمن العمليات العسكرية في البحر، وتجنب الإحتكاكات العسكرية، وهذا يتطلب الصدق في التعامل من الجانب الأمريكي.