بقلم سلمان الدوسري، رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط"
وضعت الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العاصمة الصينية بكين في مارس (آذار) 2014، وكان حينها وليًا للعهد في بلاده، الأرضية الصلبة للسياسة السعودية الجديدة القائمة على تنويع الحلفاء، وعدم اقتصارها على حلفاء بعينهم. صحيح أن هذه السياسة غدت أكثر وضوحًا إثر تولي خادم الحرمين الشريفين الحكم، إلا أن أساسياتها بدأت مع تلك الزيارة، التي أعقبتها زيارة الرئيس الصيني للرياض مطلع العام الحالي، وتوقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وكانت هذه الزيارة خطوة أخرى مهمة لتعزيز «التعاون والصداقة بين البلدين والشعبين» كما عبر حينها العاهل السعودي.
واليوم يغادر ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى بكين، في زيارة رسمية تأتي متسقة مع الرغبة في تطوير العلاقات بين البلدين، كما أنها تحمل أدوات جديدة وفاعلة لتطوير التعاون الوثيق بين البلدين؛ فالسعودية ماضية في سياسة تنويع تحالفاتها السياسية والتجارية بين الشرق والغرب.. هذه الاستراتيجية السعودية الجديدة لا تعتمد على تلاقي المصالح السياسية فحسب، ولا على تحييد الخلافات الجانبية مهما تباعدت الرؤى، بل معتمدة على سلاح الاقتصاد والشراكة الاستراتيجية التي تراها الرياض عاملاً رئيسيًا مساعدًا في تطوير التعاون مع الدول، كما أن هذه الشراكة تكون قادرة على تجنب أي خلافات سياسية محتملة، فمثلاً هناك تباين كبير بين موقف السعوديين والصينيين في الملف السوري تحديدًا، إلا أن هذا يعد استثناءً، بينما في بقية الملفات يمكن القول إن التقارب أكبر بكثير من الاختلافات، وهو ما مكن البلدين من تعزيز استقرار علاقاتهما طوال العقود الماضية.
السعودية ومنذ إعلانها «رؤية 2030»، والتطلعات الطموحة لهذه الرؤية تمضي باتجاه ضمان الازدهار المستمر للمملكة، وبالتأكيد فإن نجاح هذه الرؤية لا يمكن أن يكون محليًا صرفًا 100 %، بل لا بد من الدخول في شراكات ضخمة مع دول كبرى تستطيع الاستفادة والإفادة من المبادرات التي تحملها الرؤية، وعندما يزور ولي ولي العهد السعودي الصين فهو يأتي حاملاً معه خطة بلاده الطموحة للانتقال من دولة تعتمد كليًا على النفط، إلى دولة تنوع مصادر دخلها بطريقة أكثر أمانًا وموثوقية، ولا جدال أن الرياض ترى في الصين شريكًا مثاليًا من الممكن الاستفادة من خبراته المتراكمة في تنفيذ وتطوير عدد من المبادرات التي تتضمنها «رؤية 2030».
زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى بكين تمثل خطوة مهمة في مرحلة حساسة ضمن الاستراتيجية السعودية في بناء علاقات سياسية واقتصادية متوازنة مع دول العالم كافة، فالسعودية - وكما أسلفنا - تميز سياستها الدولية في عهدها الجديد بتنوع الأصدقاء وبناء الشراكات، وهو ما ستتوجُه الزيارة باتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون في قطاع الثروة المعدنية، والتعاون في قطاع الطاقة وفي مجال تخزين الزيت، والتعاون في مجال موارد المياه، ومشروع برنامج تعاون فني، بالإضافة إلى مشروع البرنامج التنفيذي لإنشاء المركز السعودي الصيني لنقل التقنية.
يحسب للسياسة الخارجية الصينية أنها قادرة على تجنب التورط في تعقيدات السياسة دون أضرار جانبية، يسجل لها أنها لم تتورط في أزمات الشرق الأوسط على الرغم من كل مصالحها الاقتصادية هناك، بالإضافة إلى محافظتها الدؤوبة على تطوير صداقاتها الرئيسية مع دول المنطقة، وهو ما تفعله طوال تاريخ علاقاتها مع السعودية، مع الإشارة إلى أن هذه العلاقات تنمو ببطء لا يتناسب إطلاقًا مع حجم الإمكانيات المتوافرة لدى البلدين، مع التأكيد أن لديهما مصالح مشتركة مهولة يمكن البناء عليها واستفادة الطرفين منها.
بقي القول إن الرياض وبكين تعيان جيدًا أن أمن الطاقة العالمي لا ينفصل عن الأمن الإقليمي الخليجي، وأي انقطاع لإمدادات النفط الآتية من الخليج العربي، سيتسبب بعواقب كارثية، لا على الاقتصاد الصيني فحسب، بل على الاقتصاد العالمي ككل، وهو ما يدفع الرياض وبكين إلى النظر بأن ما يجمعهما ليس شراكة اقتصادية فقط، بل عليهما المضي بشراكة استراتيجية تسهم بشكل قوي في دعم أمن منطقة الخليج واستقرارها ومواجهة أي تهديدات محتملة.
ما بين السعودية والصين الكثير من المشتركات، والقليل من الاختلافات، والبلدان في حاجة لبعضهما بعضًا على قاعدة «المصالح المشتركة أبقى وأقوى».