أكدت وزارة الدفاع البريطانية مؤخرا أن بريطانيا ستقيم قاعدة عسكرية في البحرين بكلفة عشرات الملايين من الدولارات، وهي أول قاعدة عسكرية بريطانية في الشرق الاوسط منذ انسحابها من المنطقة قبل 45عاما. وفي العصر الحديث، تسعى بريطانيا الى اقامة القواعد العسكرية في الخارج بهدف المحافظة على مصالحها في الخارج، وأن توسيع القواعد العسكرية والسيطرة على الطرق الاستراتيجية احد رموز دينامية القوة العالمية البريطانية. و مهما كانت الاسباب التي تدفع بريطانيا لترك " بصمة دائمة" في الشرق الاوسط ، يبقى السؤال ، ما تاثير اقامة قاعدة عسكرية بريطانية في الوضع الراهن بالمنطقة؟
البحرين تقدم "هدية كبيرة"
قال المتحدث باسم وزراة الدفاع البريطانية في مقابلة صحفية مع مراسل وكالة انباء شينخوا، أن انشاء قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في البحرين قريبا هي "هدية " تقدمها الاخيرة لبريطانيا. وسيتم تشغيل مبنى مكتب القاعدة في هذا الشهر، والانتهاء من تجهيز مرافق أخرى في العام المقبل، ويتحمل الجانب البحريني تكاليف البناء بشكل رئيسي، وتتحمل بريطانيا جزءا رمزيا صغيرا من التكلفة.
وتقع القاعدة البريطانية الدائمة في ميناء سلمان بالبحرين، ويمكن أن تضم ما يصل الى 600 جندي، وفي ظل الظروف العادية تضم تقريبا 250 جنديا، بدأ بناء القاعدة في عام 2015.
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية أن كيفية استخدام القاعدة لا يزال قيد المناقشة، ولكن بالتأكيد أن بريطانيا ستساعد البحرين في العمليات العسكرية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية"، كما أن حماية السفن التجارية البريطانية الحاملة للموارد النفطية والغازية التي تمر بمضيق هرمز ستكون أحد الجوانب الهامة. ولخص المسؤول البريطاني دور القاعدة العسكرية في "ضمان مرونة الاستراتيجية البريطانية في المنطقة".
وشهدت العلاقات البحرينية، الايرانية تدهورا في السنوات الاخيرة بلغت قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في يناير، بسبب الاحتجاجات المتكررة للشيعة غالبية السكان ضد العائلة المالكة السنية في البحرين منذ 2011، واتهام الاخيرة لايران بأنها خلف الاضطرابات ويعتقد المحللون أن القاعدة العسكرية البريطانية في البحرين ستلعب دورا هاما في توازن القوى في المنطقة، وهي احد اسباب قرار البحرين تقديم " هدية" الى بريطانيا.
ملء الفراغ الاستراتيجي
يعتقد جيمس سيتلان، باحث في مركز العلاقات الدولية التابع لمعهد الاقتصاد والعلوم السياسية بلندن، أنه في ظل استراتيجية "اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ" الامريكية وتحول التركيز الاستراتيجي الأمريكي من الشرق الاوسط الى آسيا والمحيط الهادئ، يمكن لبناء قاعدة عسكرية بريطانية دائمة ملء بعض الفراغ الاستراتيجي تتركه أمريكا في المنطقة، وتحمل بعض الاعباء الامريكية ، وهو تفاهم ضمني الى حد ما بين بريطانيا وامريكا. ومع ذلك، لا يعتقد جيمس سيتلان أن بناء القاعدة العسكرية الجديدة هو تحول في الإستراتيجية الدبلوماسية البريطانية،وأنما هي نتيجة حاجة بريطانيا والبحرين الى بعضهما البعض.
ويعتقد تشاو شياو تشو باحث في أكاديمية العلوم العسكرية لجيش التحرير الشعبي الصيني، أن منطقة الشرق الاوسط تشهد حاليا لعبة السلطة بين أمريكا وبريطانيا وروسيا وأطراف أخرى، وبناء قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في البحرين يمكن تحقيق التوازن بين الأطراف الى حد ما، ويساعد على الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط.
معنى رمزي
قال اندرس كريغ أستاذ محاضر في قسم الدراسات الدفاعية بجامعة كينجز كوليدج لندن ، ان بريطانيا بحاجة الى الحفاظ على نفوذها الدولية في ظل البيئة السياسية وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وأن بناء قاعدة جديدة يتوافق مع مبدأ التنوع الدبلوماسي البريطاني خارج الاتحاد الاوروبي.
ويعتقد كريغ أن القاعدة العسكرية البريطانية لا تزال جد صغيرة في الوقت الحاضر بالمقارنة مع القاعدة العسكرية الامريكية في البحرين، حيث لا يمكن رسو حاملة الطائرات ولا تستطيع بريطانيا السيطرة على الشرق الاوسط، ومن قبيل المبالغة القول أن بريطانيا " تعود الى شرق السويس"، ولا يمكن للقاعدة العسكرية في البحرين توسيع النفوذ البريطاني عابر الأقاليم، ولن يتجاوز نطاق التاثير منطقة المحيط الهندي، كما لا يمكن الوصول الى الشرق الاقصى أيضا.
تمتلك بريطانية أكثر من عشرة قواعد عسكرية في الخارج، ويعتبر عددا قليلا بالمقارنة مع آلاف من القواعد العسكرية في الخارج عند نهاية الحرب العالمية الاولى، و 70 قاعدة عسكرية في الخارج بعد الحرب العالمية الثانية ، ما يبين انخفاض واضح في البصمة العسكرية البريطانية في الخارج. ويشير الى أن النفوذ العسكرة ل" الإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس" تقلصت.
ويعتقد البروفيسور بول روجرز خبير شهير في الامن العالمي بجامعة برادفورد البريطانية، أنه بالرغم من المهمة الرئيسية في ازالة الالغام ودوريات لمكافحة القرصنة في منطقة الخليج ، إن بناء بريطانيا لقاعدة عسكرية في البحرين سيرفع تاثير بريطانيا خاصة البحرية البريطانيا في الخارج، لكن المعنى يبقى أكثر رمزية.