الأخبار الأخيرة

تقرير:فيلم "سور الصين" وحوار الصين والغرب خلال القرون الوسطى (9)

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  15:46, December 19, 2016

    اطبع
تقرير:فيلم

دخل فيلم "سور الصين" للمخرج الصيني المشهور تشانغ إيمو، قاعات السينما الصينية في 16 ديسمبر الجاري. ولعب أدوار بطولة الفيلم كل من الممثل الأمريكي، مات ديمون، والممثل الشيلي، بيدرو باسكال إلى جانب الممثلة الصينية جينغ تيان، والممثل الصيني أندي لاو (ليوده هوا).

تدور أحداث قصة الفيلم في حقبة أسرة سونغ الشمالية(960-1127م)، في سيناريو عادة مانراه في الافلام الهوليودية، يواجه فيه الإنسان قوى خارقة، سواء طبيعية أو مخلوقات فضائية. حيث يرابط جيش الإمبراطورية فوق سور الصين إستعدادا لمواجهة غزو وحوش "تهاو تييه"(饕餮) الآكلة للبشر التي تغزو الإمبراطورية كل 60 سنة، وفي كل مرة يزداد عددها وعدّتها وذكائها.

في الوقت الذي تنتظر فيه جيوش الإمبراطورية حربها مع الوحوش، تقبض إحدى كتائب الجند على مقاتلان من شذاذ الآفاق الأوروبيين، الذين ظهروا في القرون الوسطى ويعرفون بإسم (les routiers)، يشاركون في الحروب من أجل الغنائم والمال ويتميزون بحرفيتهم وقوتهم في القتال. جاء هذان المقاتلان إلى الصين لسرقة البارود، لإستعماله في الحروب التي تعم أوروبا، ثم إنضما إلى جيش الإمبراطورية في حربها ضد وحوش التهاو تييه.

يقدم الفيلم مقاربة حضارية شاملة عن وضع الصين وأوروبا خلال القرون الوسطى، قائمة على عدة مقارنات تتضح أثناء إلتقاء الأوروبيين مع الصينيين في مواجهة وحوش التهاو تييه. عسكريا، يعكس الفيلم الفرق بين إعتماد الحرب في أوروبا القرون الوسطى على شجاعة وإقدام الفرسان، وبين الحرب في الصين التي تعتمد على العلوم والمعدات الحربية المتقدمة، مثل البارود والمنجانيق والمنطاد. ويصور الفيلم إنبهار الأوروبيين بالتقدم الصيني ولهفتهم لسرقة التقنية الصينية، في المقابل، يصور إعجاب الصينيين بشجاعة وقوة الفرسان الأوربيين.

وعلى صعيد قيم الحرب، يقدم الفيلم مقارنة بين الغاية من الحرب لدى شذاذ الآفاق في أوروبا القرون الوسطى والصينيين، ويُظهر ذلك من خلال الحوار الذي يدور بين بطليْ الفيلم وليام وقائدة الجيش الصيني لين، حيث يرى وليام أن هدف الحرب بالنسبة له هو جني الغنائم والأموال، في حين ترى لين، أن الحرب تكون من أجل الإنسان والوطن، كما تبدو لين أكثر تحررا من الإنتماءات القومية والعرقية وتدافع عن قيم الإنسانية، في حين يؤمن وليام بإختلاف الأجناس، ولا يثق في لين حينما تمسك له الحبل للقفز من السور إلى الأسفل لأنها تختلف عنه عرقه، في حين تدعوه هي ليثق بها. ولا شك أن المخرج قد قصد من ذلك التعبير عن وجود النزعة الإنسانية لدى الصينيين حينما كانت أوروبا غارقة في الصراعات القومية. تؤثر لين في وليام، فيتراجع عن فكرة الفرار وسرقة البارود، ويقرر خوض الحرب مع الصينيين.

أراد الفيلم أيضا أن يكسر بعض المسلّمات عن الثقافة والتاريخ الصيني، فقد أبرز دور المرأة أكثر من الرجل، حيث تقلدت المرأة قيادة الجيش، وشكلت كتيبة الرماحيات التي تصدرت دفة الجيش في مواجهة وحوش التهاو تييه، فكانت الأكثر عرضة للأخطار والأشد إقدام، وقد يكون ذلك محاولة لمحاكاة الوضع الحالي للمجتمع الصيني، الذي يشهد تراجع في قوة ونفوذ الرجل لصالح المرأة. من جهة ثانية، أعطى الفيلم أهمية أكبر للفرد والعلماء والبيروقراطية الصينية من الإمبراطور، الذي قدمه في صورة مقزمة: صبي صغير جبان وغبي، ما يمثل كسر للصورة النمطية لرواية التاريخ الصيني.

إجمالا، يمكن القول أن فيلم "سور الصين"، قد إعتمد مقولة متداولة لدى العديد من الأوساط الأكاديمية والثقافية الصينية في نشر الثقافة الصينية، وهي: "رواية القصص الصينية بلغة عالمية (غربية)". حيث قدم الثقافة الصينية باللغة التي يفهما الغرب، أو بالإحرى كما يقدم الغرب نفسه. لذلك فإن هذا الفيلم هو في الأساس موجه للجمهور الغربي، وربما هذا هو السبب الذي جعله لا يحظى بتقييم عالي من المشاهدين الصينيين.

بدى الفيلم أكثر تركيزا على المقارنة الحضارية بين الصين والغرب في العصور الوسطى، وإظهار التقدم الصيني، ما أثر على البعد الدرامي والإنساني للفيلم، حيث لم يتضمن الفيلم الكثير من المشاهد المؤثرة رغم أنه يحكي قصة صراع الإنسان من أجل البقاء. كما أن نهاية الفيلم لم تكن مطابقة للمقاربة التاريخية والحضارية التي حرص أن يقدمها حول حوار الصين والغرب في القرون الوسطى، حيث يغادر ويليام وصديقه في النهاية عائديْن إلى أوروبا دون أن يحملا معهما البارود. في حين، تاريخيا، نعلم بأن الأوروبيين قد نقلوا البارود من الصين وطوّروه إلى سلاح فتاك، إستعملوه في غزو الصين خلال القرن التاسع عشر. 


【1】【2】【3】【4】【5】【6】【7】【8】【9】【10】【11】【12】【13】【14】

صور ساخنة

أخبار ساخنة

روابط ذات العلاقة

arabic.people.cn@facebook arabic.people.cn@twitter
×