دمشق 13 مارس 2017 /يرى المراقبون والمحللون السياسيون في سوريا أنه مع اقتراب دخول الأزمة السورية عامها السابع ، والتي اندلعت في مارس 2011 ، أن المشهد السياسي للازمة السورية ليس مجمدا بشكل كامل ، ولا يراوح في مكانه ، مؤكدين في الوقت ذاته أن الحل السياسي بات الأكثر إلحاحا ، وراح يتصدر المشهد الدولي والإقليمي ، بالرغم من وجود بعض الدول الإقليمية التي تعمل على عرقلة الحل السياسي وإطالة أمد الصراع في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
ويؤكد الخبراء والمحللون السياسيون أن القوى الدولية والاقليمية بدأت تدرك أن الصراع المسلح لن يفض إلى حل ، وراحت تحث الخطى باتجاه تخفيف وتيرة العنف في سوريا عبر اتفاق بين روسيا وتركيا وإيران لوقف دائم للاعمال القتالية والذي أعلن في 30 ديسمبر الماضي ، لافساح المجال للحل السياسي ، فعقدت تلك الدول بحضور الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة اجتماعين في استانا لتثبت وقف اطلق النار ، وايجاد آليات لتنفيذه ، وبعده حضر الوفدان السوري الرسمي والمعارضة السورية مفاوضات جنيف ليتم من خلالها إحراز تقدم بطيء ، باتجاه إذابة الجليد الذي يلف عملية التفاوض .
وكما استطاع الجيش السوري خلال السنة السادسة من عمر الازمة ، أن يسير بخط مواز مع العمل السياسي ، وأن يقلب المشهد ويتحول من موقع الدفاع الى الهجوم ويشن عمليات عسكرية بدعم وإسناد من سلاح الجو الروسي ، حيث تمكن من انتزاع السيطرة على مناطق استراتيجية من قبضة مقاتلي المعارضة المسلحة وخاصة من قبل تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) في حلب وريفها الشمالي والشمالي الشرقي ، وريف حمص الشرقي .
واعتبر بعض المحللين السياسيين أنه بالرغم من التقدم الحاصل في مواقف بعض الدول الغربية تجاه الأزمة السورية ، إلا أنه لا يزال هناك بعض الدول الإقليمية التي لا تريد الحل السياسي وتعمل على تعطيل المسار السياسي وتعرقله ، بهدف إطالة أمد الصراع لسنوات عدة .
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوري حميدي العبدالله في تصريحات لوكالة (شينخوا) بدمشق اليوم (الاثنين) إن " الأزمة السورية في هذه اللحظات هي أقرب من أي وقت مضى إلى الحل السياسي " ، مؤكدا أن الحل العسكري بات موجها ضد الجماعات التي صنفت في قرارات مجلس الأمن على أنها " إرهابية " مثل تنظيمي (داعش) و(النصرة) .
وأضاف العبد الله إن "الوضع العسكري الإقليمي والدولي في شمال حلب ومحافظة الحسكة (شمال شرق) ، والرقة (شمالا) ، هو الذي يجعل الحل السياسي للأزمة هو الأكثر ترجيحا والأكثر سرعة باعتبار أن البديل هي حرب أطرافها ثلاثة هي تركيا من جهة ، مع الأكراد وحلفاؤهم الأمريكيون من جهة أخرى ، والدولة السورية مع حلفائه الدولة الروسية وحلفاء سوريا الأخرين "، مؤكدا أن " مثل هكذا حرب ليس لأحد ، دوليا أو إقليميا بالإضافة للدولة السورية مصلحة في الخوض فيها " .
ويشار إلى أن قوات درع الفرات المدعومة من قبل تركيا ، باتت على أطراف مدينة منبج ، وكذلك الجيش السوري ، وقام مجلس منبج العسكري المنضوي تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا ، بتسليم الجيش السوري 6 قرى وبلدات في منبج ، كما تولت قوات أمريكية الفصل بين قوات سوريا الديمقراطية ، وبين قوات درع الفرات المدعومة من قبل تركيا ، تجنبا لوقوع صدام بينهما في المنطقة .
ورأى المحلل السياسي السوري أن الخروج من هذا المأزق أو الوضع الميداني خاصة في تلك المناطق يتم بتنفيذ ما تم التوصل اليه سابقا من أسس للحل السياسي في فيينا 1 و2 والتي صيغت في القرار 2254 هي الصيغة الحتمية للحل ، مضيفا أن " الوقت لم يعد يسمح بالمراوحة في المكان لفترة طويلة في ضوء تداخل هذه القوى الإقليمية والدولية في المناطق المشار اليها " .
وبدوره اتفق الصحفي السوري ماهر المونس بأن الحل السياسي هو الحل الأوفر حظا بعد مرور ست سنوات من عمر الأزمة ، مشيرا إلى أن الحل العسكري في سوريا استنفد بشكل كامل .
وقال المونس لوكالة (شينخوا) بدمشق إنه " بعد مرور ست سنوات من عمر الأزمة السورية استنفد الحل العسكري واستهلك بشكل كامل وبدأ الانتقال إلى الحلول الأخرى ومنها الورقة السياسية " ، مؤكدا أن هذا الأمر بدا واضحا من خلال ازدحام الاجتماعات في جنيف والاستانة " .
وأوضح المونس أنه لم يعد هناك معارك كبرى في المدن ، مبينا أن العمليات العسكرية الجارية هي عمليات لملاحقة جيوب المسلحين في أكثر من منطقة ، لافتا إلى أن التسويات أو المصالحات هي التي فرضت نفسها لا سيما في ريف العاصمة دمشق تجنبا للدمار والخراب .
ومن جانبه قال المحلل السياسي السوري أسامة دنورة في تصريحات مماثلة ل(شينخوا) بدمشق إن " المشهد السياسي للازمة السورية ، ليس متجمدا بشكل كامل ، وليس مرواحا في مكانه بشكل كامل " ، مؤكدا أن وضع الأزمة السورية يتغير بدرجة بطيئة جدا أو بمنسوب بطيء جدا قياسا لطول أمد الأزمة السورية .
وأضاف دنوره ، الذي شارك في إحدى جولات جنيف في الفترة الماضية أن هناك متغيرا هاما ظهر في العام الأخير من عمر الأزمة السورية فيما يتعلق بتقدم الجيش السوري على الأرض وما رافقه أيضا من تحولات سياسية قد تكون غير حاسمة ، لكن مقروءة وظاهرة مثل عقد مؤتمر استانة للمرة الأولى بين الحكومة والمعارضة ، وعقد مفاوضات جنيف 4 التي أحرزت نوعا من التقدم الذي لايزال في أطواره الأولى تمهيدا لعقد محادثات فعالة .
وأشار المحلل السياسي السوري إلى تغير الموقف الغربي تجاه الأزمة السورية ، لا سيما الموقف الأمريكي الذي وصفه بأنه " متغير كبير ويعتمد عليه " ، إضافة لدخول القوة العسكرية الروسية التي مكنت الجيش السوري من إنهاء محاولات العربدة الغربية لإزاحة الحكومات الشرعية للدول بالقوة عن طريق محاولة تغير الحكم في دمشق .
وأكد دنوره أن هذا الامر " انعكس بشكل إيجابي على تضيق الخناق على ظاهرة الإرهاب ، ومنع الغرب من استثمارها بشكل مستمر كما حاول أن يفعل في سوريا " .
واعتبر أن تغيير المشهد السياسي أو التقدم قدما فيما يتعلق بمفاوضات السلام في جنيف واستانة يجب أن يعتمد على أمرين مهمين ، الأول هو تغير مواقف الدول الداعمة للإرهاب ، وثانيا تغير المواقف السياسية للدول التي تسيطر على بعض المجموعات المعارضة .
وأشار إلى أن وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة ، يتمسك بالحل الصفري ، لافتا إلى أن أي طرف يتمسك بالحل الصفري ، ويعمل على إقصاء الآخر ، هو عمليا يمارس عملية التعطيل .
وحمل المحلل السياسي السوري الدول الإقليمية المعطلة للحل السياسي مسؤولية الدفع باتجاه الحل العسكري للقضاء على المجموعات الإرهابية والقضاء على محاولة استثمار هذه المجموعات الإرهابية من قبل طبقة سياسية عميلة لا تريد مصلحة الشعب السوري .
وتابع المحلل السياسي يقول إن " معوقات الحل السياسي للأزمة السورية تتمثل في معوقات استراتيجية ، وأخرى إجرائية " ، مؤكدا أن المعوقات الاستراتيجية تتمثل بعدم إيمان بعض الأطراف الدولية والإقليمية بمبدأ الحل السياسي ، لافتا إلى أن من يؤمن بالحل السياسي لا يمكن أن يتحدث عن حل صفري .
اما العوائق الإجرائية ، وهي أيضا لا تقل أهمية ظهرت بالطرف المتمثل بالمنظمة الدولية والوسيط الدولي لم ينفذ عمليا مضمون القرار 2254 بشكل شفاف ومتوازن بدعوة أكبر طيف ممكن من المعارضة السورية إلى اجتماعات جنيف ، لافتا إلى أن هذا من شأنه أن يجعل الوفد الذي يمثل المعارضة غير متوازن وغير معبر عن المعارضة .
وبين المحلل السياسي أن سيناريو صناعة دولة فاشلة في سوريا فشل من خلال مواقف روسيا والصين القويين في مجلس الامن الدولي عبر الفيتو المزدوج ، والذي يهدف إلى دعم الاستقرار الدولي .
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن اليوم" الاثنين" انه قتل أكثر من 321 ألف شخص خلال الحرب المستمرة منذ 6 سنوات في سوريا .