غزة 15 مايو 2017 / حلت الكثير من التغيرات على أشكال مخيمات اللاجئين في قطاع غزة بفعل التنامي الكبير في معدلات سكانها بعد 69 عاما على حلول ذكرى "النكبة" الفلسطينية التي تصادف اليوم (الإثنين).
وتغلب العشوائية الحادة على وضعية بناء المنازل داخل المخيمات الثمانية في قطاع غزة، وتظهر غالبيتها قديمة ومتهالكة وبمساحات محدودة للغاية وسط انتشار الأزقة الضيقة التي لا تتسع لمجرد مرور سيارات بينها.
وفرضت المساحات الجغرافية الصغيرة لتلك المخيمات التوسع الرأسي على سكانها الذين يعد الفقر وشظف العيش وظروف الحياة الصعبة السمة الغالبة لهم كحال غالبية سكان قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ نحو عشرة أعوام.
ويقول رئيس اللجان الشعبية لمخيمات اللاجئين في قطاع غزة عاطف ابو حمادة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "بعد مرور 69 عاما على حلول النكبة لم تبق خيمة اللجوء كما كانت رمزا للمخيمات بل أنها اندثرت تماما بفعل السنوات الطويلة التي تلت النكبة".
ويوضح ابو حمادة أن توالي السنوات الطويلة على مخيمات اللاجئين والنمو الكبير في أعدادهم فرض عليهم تدريجيا دخول الطابع المدني للمخيمات متمثلا بانتشار البنايات السكنية والتوسع الرأسي.
ويشير إلى "أن بضعة آلاف من اللاجئين كانوا قد شكلوا نواة المخيمات في بداية اللجوء، لكن أعدادهم الآن تضاعفت بشكل قياسي ما فرض تغيرا كليا على ظروف حياتهم من ناحية التوسع العمراني لكن كل ذلك تقريبا تم بشكل عشوائي ومن دون بنية تحتية ملائمة".
ويبرز ابو حمادة أن "هذا التغير الحتمي لم يكن في وضع وشكل المخيمات سوى محاولة للتعايش مع الوضع الإجباري للاجئين، خاصة أن أسبابا سياسية وأخرى اجتماعية حالت دون انتقال غالبيتهم للسكن خارج نطاق المخيمات أو العودة إلى ديارهم التي هجروا منها".
وتتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) رعاية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في خمس مناطق أساسية، هي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والأردن.
وتقدم أونروا خدماتها لجميع اللاجئين المسجلين لديها ويقيمون في مناطق عملياتها، كما أن ذرية اللاجئين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة.
ووفقا لتعريف الأمم المتحدة، فإن المخيم هو عبارة عن قطعة من الأرض تم وضعها تحت تصرف أونروا من الحكومة المضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم.
وقطع الأراضي التي أنشئت المخيمات فوقها هي أراض حكومية أو أنها في معظم الحالات أراض استأجرتها الحكومة المضيفة من أصحابها الأصليين، وهذا يعني أن اللاجئين في المخيمات لا "يملكون" الأرض التي بنيت عليها مساكنهم، إلا أن لديهم حق "الانتفاع" بها للغايات السكنية.
وأغلب منازل مخيمات قطاع غزة مساحتها أقل من 100 متر، وتعتمد جميعها على التوسع الرأسي عبر بنايات متعددة الطوابق بفعل الاكتظاظ السكاني الذي حول شوارعها إلى أزقة ضيقة جدا.
ويقول المختص في قضايا اللاجئين في قطاع غزة حسام أحمد، ل(شينخوا) إن أكبر محددات أزمة مخيمات اللاجئين في القطاع والتي تم البدء بإنشائها عام 1952، هو أن مساحتها الجغرافية ظلت على حالها من دون أي تمدد طبيعي.
ويوضح أحمد أن "أكبر مخيمات غزة الثمانية لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع ما جعلها من أكثر المناطق ازدحاما واكتظاظا والأكثر كثافة بالسكان على مستوى العالم، وكل ذلك في ظل بنية تحتية مهترئة ونقص حاد في الخدمات الأساسية".
وينبه إلى أن "التوسع الرأسي المستمر داخل المخيمات والبناء العمراني المتلاصق من دون أي مساحات خضراء زاد من مستويات انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة أن أغلب منازل المخيمات غير صحية ولا تلائم معايير العيش الآدمي".
وينتقد أحمد وجود "تقصير شامل من منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الرسمية الفلسطينية سواء بسبب نقص الموازنات المالية الكافية أو الظروف السياسية والانقسام الفلسطيني الداخلي ما راكم أزمات المخيمات وضاعف الأعباء الاجتماعية لسكانها".
وكانت مخيمات اللاجئين أقيمت في البدء بصفة مؤقتة على أن أمل حل قضية اللاجئين سريعا، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ويؤكد الفلسطينيون سنويا على تمسكهم بحق العودة عند إحيائهم في الخامس عشر من مايو من كل عام ذكرى ترحيل اللاجئين عن بلداتهم وقراهم في عام 1948، الأمر الذي يطلقون عليه ذكرى (النكبة).
ويعد ملف اللاجئين الفلسطينيين من أبرز قضايا الصراع التاريخي مع إسرائيل الذي قارب على سبعة عقود، ومع مرور كل هذه السنوات دون إيجاد حل للملف فإن تكاثر اللاجئين الفلسطينيين زاد قضيتهم تعقيدا.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد طرد ونزح من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل عشية حرب عام 1948 حوالي 957 ألف فلسطيني، أي ما نسبته 66 في المائة من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في (فلسطين التاريخية) آنذاك.
ويقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين تشكل ما نسبته 42 في المائة من مجمل عدد السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين الذي بلغ 6.41 مليون نسمة قبل نهاية عام 2016.
وأشار التقرير إلى أن 29 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في 58 مخيما تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق العودة للاجئين الفلسطينيين ضمن قرارها رقم (194) الذي ينص على أنه "ينبغي السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم أن تفعل ذلك في أقرب وقت ممكن، وينبغي أن تدفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة وعن كل مفقود أو مصاب بضرر".
وسبق أن سعت إسرائيل لدى الأمم المتحدة لتغيير الصبغة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين بحيث تنفى هذه الصفة عن أبناء من هجروا في العام 1948.
وتنطلق إسرائيل من موقف أن العقبة الرئيسة في وجه عملية السلام هي حق العودة للاجئين الفلسطينيين وليس المستوطنات التي تبنيها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
لكن الفلسطينيين يرفضون هذا السعي الإسرائيلي بشدة.
ويقول المختص بقضايا اللاجئين الأكاديمي أسعد ابو شرخ ل(شينخوا) "إن توسع بعض اللاجئين عمرانيا داخل نطاق مخيماتهم أو انصهار البعض الآخر منهم في حياة المدن وتطورها لا يعني بأي حال إسقاطهم حق العودة".
ويشدد ابو شرخ على أن قضية اللاجئين تعد أكثر القضايا محل الإجماع لدى الفلسطينيين، وأن أجيالهم المتتالية لا يمكن لها أن تتنازل عن الحق في العودة والإصرار على رفض أي محاولات للتوطين في أي من مخيمات اللجوء داخل أو خارج وطنهم.
وينبه ابو شرخ إلى أن الغالبية العظمى للاجئين أو أبنائهم "يحتفظون حتى اليوم بإثباتات رمزية لمنازلهم وقراهم التي هجروا عنها، وهم ينظرون إلى المخيمات مهما توسعوا بداخلها على أنها محطة مؤقتة لحياة الهجرة كون أن مصيرهم سيبقى مرتبطا بالعودة".