شيامن 4 سبتمبر 2017 /افتتحت هنا أمس (الأحد) القمة التاسعة لمجموعة بريكس بهدف تعزيز التعاون الجنوبي-الجنوبي وإعطاء كلمة أكبر للاقتصادات الصاعدة في العالم.
حتى الأمطار المتقطعة لم تستطع إطفاء المزاج الإيجابي للقمة، التي تعقد في الفترة من أمس (الاحد) حتى غدا (الثلاثاء). وعلى نحو خاص، تعمل القمة بشكل غير مباشر كوسيلة للمساعدة في إصلاح العلاقات بين الصين وجارتها الهند، عقب أزمة عبور الحدود التي نشبت مؤخرا بين البلدين.
مزاج متفائل
قال أتول دلاكوتي، المدير التنفيذي لاتحاد الغرف التجارية والصناعية الهندي، الذى أجرى حوارا مع وكالة أنباء ((شينخوا)) مباشرة عقب حضور مراسم افتتاح منتدى أعمال بريكس بعد ظهر أمس "أعتقد أن الاتجاه العام طيب، كلنا متفائلون".
وعلق رجل الأعمال الهندي على تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه بمراسم الافتتاح، حيث قال "لا تزال محركات نمو جديدة لم تظهر بعد"، بقوله "نحتاج إلى التفكير خارج الصندوق والبحث عن محركات نمو جديدة بهدف دفع التنمية الاقتصادية."
وقال روبرت لورانس كون، المراقب لشؤون الصين، عبر البريد الالكتروني أمس ليلا "أشعر أن هناك المزيد من التفاؤل الداخلي والثقة الخارجية."
وأعرب رئيس مؤسسة كون عن اعتقاده بأن سبب "التفاؤل" و"الثقة" عاملان: تحسن الوضع الاقتصادي لعدة أعضاء فى بريكس واستضافة الصين للقمة، الأمر الذي "يعزز وضوح الرؤية والدعاية والاهتمام الدولي".
وبرغم اعترافه بوجود خلافات أساسية بين دول بريكس، إلا أن الخبير الأمريكي قال "ما يوحدها أقوى مما يفرقها"، مضيفا أنه يعتقد أن المجموعة تلعب دورا في حل هذه الخلافات.
وتحدث سواران سينغ، من كلية الدراسات الدولية بجامعة جواهر لال نهرو، على الخلاف الأخير بين الصين والهند، وكيف أن هذا الخلاف لم يقف عقبة أمام جو التعاون والود خلال القمة.
وقال سينغ في مقابلة عبر البريد الالكتروني مع ((شينخوا)) "حتى الخلافات الصينية-الهندية تمت تنحيتها جانبا بحرص، ولم يسمح لها بالتدخل في التعاون متعدد الأطراف بين البلدين"، واصفا حل الأزمة في منطقة دونغ لانغ بأنه علامة على "النضج الدبلوماسي للصين والهند كقوتين عظميين".
الصين والهند كرفيقين في بريكس
وقال سينغ إن الهند، بوصفها ثاني أكبر اقتصاد فى بريكس بعد الصين، ناشطة بشدة في تعزيز بناء القدرات والمهارات بين البلدان النامية، في أفريقيا على سبيل المثال، مشيرا إلى أن الهند كانت مستثمرة كبيرة في الأعوام الأخيرة، ومضيفا أن بريكس تمثل فرصة مثالية للهند للاسهام في بناء هياكل الحوكمة العالمية والمساعدة في تمكين البلدان النامية الأخرى.
ويرى سينغ أن لمجموعة بريكس أثرا إيجابيا واضحا على التعاون الاقتصادي بين الصين والهند. فخلال العام الماضي تجاوز حجم التجارة الثنائية 70 مليار دولار أمريكي، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للهند.
وأضاف أنه رغم أن التجارة الثنائية تظهر عجزا تجاريا في صالح الصين، فإنه يثق في استطاعة بريكس معالجة هذه التحديات.
وأشار إلى أن الآونة الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في الوعود الصينية بإقامة استثمارات في الهند.
وأشار دلاكوتي إلى النمو السريع للتجارة بين الصين والهند عبر الأعوام الـ 15 الماضية، مضيفا أنه يرى أن المجموعة تضم مزيجا "إيجابيا للغاية" من شعوب خمس قارات تحاول العمل مع بعضها البعض، وأنه يرى الصين والهند عضوين متساويين في الأهمية في الكتلة.
تبادل المعرفة
الكثير من المشاركين في القمة اعتبروا الصين مثالا يحتذى به بالنسبة للبلدان النامية الأخرى، على سبيل المثال فيما يخص مجالات تخفيف حدة الفقر والطاقة المتجددة والبيئة.
وقال دلاكوتي "انتشلت الصين خلال الـ 30 عاما الماضية ما لا يقل عن 500 مليون شخص من دائرة الفقر. وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نفعل ذلك أيضا في الهند وأيضا في أفريقيا. لذلك هناك إمكانات كبيرة للنمو."
وتحدث دلاكوتي، وهو أيضا عضو في مجموعة عمل الطاقة والاقتصاد الأخضر، عن جهود الهند في تعزيز الطاقة النظيفة ومكافحة التلوث.
وقال "حددت الهند أهدافا جيدة للغاية، واستطاعت تحقيق هذه الأهداف قبل موعدها المحدد، ونحن الآن نتطلع إلى إقامة 100 مدينة ذكية. وفي هذا الخصوص، تجمتع الصين والهند على أهداف مشتركة، "لهذا أعتقد أن هناك الكثير نستطيع أن نفعله، ونستطيع أن نستفيد من خبرة الصينيين."
وفي مقابلة مع ((شينخوا)) على هامش القمة، قال كيه. في. كاماث، رئيس بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، إنه يتعين على بلدان بريكس التعلم من قصص النجاح السابقة التي حققتها الصين.
وقال "في حالة الصين، فان ما تعلّمه بنك التنمية الجديد هو نجاح تجربة الصين في استغلال المصادر القابلة للتجديد، وهي التجارب التي نحاول أن نبحث مدى إمكانية نقلها إلى البلدان الأخرى"، واصفا ذلك بأنه "مثال على تبادل المعرفة بين البلدان أعضاء المجموعة."
بريكس تمضي قدما
إن بلدان بريكس حظيت في الأساس بسمعة النمو الاقتصادي السريع، لكن بعض النقاد يرون أن المجموعة تفقد القوة الدافعة. غير أن هذه الفكرة تبدو غير مقنعة للبعض.
ويرى سينغ أن بريكس لا زالت إلى حد كبير بديلا جيدا عن المؤسسات القائمة، حيث أنها تقدم نمطا جديدا للحوكمة المالية، بل إنها تساعد فى التحول من النمط التقليدي للمؤسسات المالية القائمة على اتفاقية بريتون وودز. وقال سينغ إن بنك التنمية الجديد وترتيب احتياطي الطوارىء دليلان على ما تستطيع بريكس فعله وعلى ما تفعله من حيث صنع القرار السريع والدعم المالي بالعملة المحلية والسياسات المتحررة من القيود.
وقال سينغ إن نموذج بريكس أدى بالفعل إلى بعض الاصلاحات في حقوق التصويت بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وشجعت الشركات في بلدان المجموعة على تطوير نمط خاص بها للتمويل والاستثمارات ونقل التكنولوجيا وإدارة السوق، على نحو يختلف عن مفهوم الراعي-العميل الموجود في الشركات الغربية متعددة الجنسيات.
وتابع "من المؤكد أن بريكس هي المنظمة الوحيدة، مع مجموعة العشرين، التى يمكن ان تحرر الاقتصاد العالمي من التباطؤ المستمر."
ويرى دلاكوتي أنه بوسع بريكس رفع الوعي بأهمية العولمة، خاصة في الوقت الذي تتحول فيه بعض الدول إلى سياسات الانعزال والحمائية.
وأضاف سينغ "كلنا نحتاج إلى العولمة، كلنا نحتاج إلى العمل معا، كلنا نحتاج إلى كثير من الاستثمارات في بلادنا. لذلك، أعتقد أن موضوع العولمة هو أساس ما نتحدث عنه اليوم في بريكس."