أدت عاصفة مكافحة الفساد التي هبت فجأة على المملكة العربية السعودية القوة الرئيسية في منطقة الشرق الاوسط يوم 4 نوفمبر الجاري إلى القبض على11 أميرا، و4 من الوزراء الحاليين و11 من الوزراء السابقين. ووفقا لتقارير وسائل الاعلام السعودية، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمر تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف القضاء على جميع أنواع الفساد وجميع الافراد الفاسدين الذي يتعدون على مصالح المملكة.
وفقا لما ذكرته صحيفة "سبق" السعودية، فإن بين الامراء المعتقلين، الحاكم السابق لمقاطعة الرياض، نائب وزير الدفاع السابق والأمير أغني رجال الأعمال في السعودية. كما شملت قائمة المعتقلين مسؤولين حاليين وسابقين من بينهم وزير الاقتصاد والتخطيط الحالي، ووزير المالية السابق، ورئيس الديوان الملكي السابق، والرئيس السابق للخطوط الجوية السعودية، والرئيس السابق لشركة الاتصالات السعودية.
قال لى شاو شيان خبير في شؤون الشرق الأوسط لإذاعة "صوت الصين"، أن عاصفة مكافحة الفساد هبت على المملكة العربية السعودية فجأة بشكل غير متوقع إلى حد ما. "الالاف من الامراء السعوديين داخل العائلة الحاكمة مصالحهم التجارية الخاصة والسلطة لا ينفصلان. وعليه يمكن أن نرى أن الاعلان عن مكافحة الفساد الآن، وتوقيف شخصيات على هذا المستوى الرفيع شمل عدد من الامراء مفاجئا جدا. وقد لقي الدور الذي يلعبه ولي عهد المملكة العربية السعودية على الساحة السياسية خلال السنتين الأخيرتين، ترحيبا من قبل العديد من شباب المملكة، ولكن هناك انتقادات كثيرة داخل العائلة المالكة. وأن مكافحة الفساد على هذا المستوى الرفيع وبهذه الوتيرة السريعة الآن قد يلقي على المملكة العربية السعودية ببعض العوامل المقلقة."
شهدت المملكة العربية السعودية تحركات متكررة بعد اصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمرا ملكيا يقضي بإعفاء الامير محمد بن نايف من منصب ولي العهد، وتعيين الامير محمد بين سلمان 32 عاما خلفا له، ليصبح الخليفة الاول للعرش السعودي في يونيو هذا العام. ومن رفع الحظر التدريجي على سياقة المرأة للسيارة والحق في دخولها الى الملاعب، إلى سعي شركة أرامكو للإدراج على سوق الأسهم، وبناء مدن جديدة ومناطق تجارية، بدأت الملكة العربية السعودية الآن مكافحة الفساد بحركة كبيرة.
ويعتقد المحللون أن الاصلاحات الداخلية في المملكة العربية السعودية كقوة رئيسية في الشرق الاوسط ليست مرتبطة بنقل صلاحيات الملك الداخلية فحسب، وإنما مرتبطة أيضا بـ "رؤية 2030" التي طرحها ولي العهد العام الماضي.
يعتقد سونغ شياو جون المحلل العسكري، أن ولي العهد يقود "إصلاحات التحديث" التي تبدو متشددة نسبيا، ولكن، مصدر الإصلاحات لقي ضغوطات من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، مضيفا:" تواجه السعودية الآن الكثير من التحديات، منها تراجع تأثيرها في الشرق الأوسط، مثل عاصفة قطر التي لم تتوقف بعد. بالإضافة الى ذلك، عدم الحصول على نتائج مرضية من الحرب اليمنية حتى الآن. وفي الوقت نفسه، عدم القدرة على التدخل في القضية السورية وقضية كردستان العراق. وفي ظل هذا الوضع، طرحت المملكة العربية السعودية وخاصة ولي العهد الشاب الكثير من الافكار. حيث يعتقد أن التحديث متأخر كثيرا في بلده بالمقارنة مع البلدان الاخرى في الشرق الاوسط، خاصة منافسه ـــ إيران، وفي نفس الوقت، لا يزال يطالب نحو مليونين مسلم شيعي في المملكة العربية السعودية بحقوقهم. وفي ظل هذه الظروف، يسعى ولي العهد للسير على طريق الإصلاح التحديثي المتشدد، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية للمملكة.
ومع ذلك، فإن النجاح في التغيير وتعزيز اصلاحات التحديث في المملكة العربية السعودية لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحا. واشار لي شاو شيان الى أن اصلاحات ولي العهد كانت تختمر لفترة طويلة، ولكن لا يزال هناك ضغوطات كبيرة على البلاد،" ليس من الضروري ان تكون مرتبطة مباشرة بالوضع الداخلي والخارجي، وأن تفكير ولي العهد في الحداثة واضح. ولكن، هذا الامر مفاجئا للبلاد. بالنظر الى تاريخ المملكة العربية السعودية، فإن أي خطوة في التحديث خاصة في السياسة او المجتمع تكون بحذر وحرص. وقد كانت آخر الاصلاحات التي شهدتها المملكة العربية السعودية هي تلك التي اجراها الملك فيصل في الستينيات. وفي ذلك الوقت، كان جدل كبير في المملكة حول استخدام السيارة، والهاتف، والكهرباء وغيرها من القضايا الاخرى، وقد تأتي الآن اللحظة أكثر أهمية. ويعتبر مجتمع المملكة العربية السعودية تقليديا جدا، وبطبيعة الحال، سيثير الإصلاح السريع اهتمامات الجميع. وأن إمكانية نجاح مكافحة الفساد دون حدوث صدمات اجتماعية وقضايا الاستقرار أمر مقلق للغاية."