بقلم :يحي مصطفى
بكين 13 يوليو 2018 (شينخوانت)يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار جولة آسيوية أفريقية يبدأها منتصف الشهر الجاري. وتأتي زيارة الزعيم الصيني لهذه الدولة الخليجية المهمة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية دولية وإقليمية وخليجية بالغة التعقيد. وتكتسب هذه الزيارة أهميةً كبيرةً نظراً للعلاقات التاريخية التي تجمع بين الصين ودولة الإمارات وعمق الروابط المشتركة وتنوعها في مختلف المجالات والتي تعززت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية وأيضاً لتعاظم تأثير الصين السياسي وثقلها الاقتصادي في الساحة الدولية ولا سيما خلال السنوات الخمس المنصرمة وكذلك لتنامي دور دولة الإمارات الاقتصادي والسياسي في المنطقة العربية عامة والساحة الخليجية خاصة.
وتأتي هذه الزيارة تتويجاً للتطورات المتسارعة التي شهدتها العلاقات الثنائية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، فمن الناحية السياسية، تعكس الزيارة المرتقبة حرص القيادة الصينية على مواصلة الزيارات والاتصالات الرفيعة المستوى مع الإمارات لتعزيز التنسيق والتعاون في مختلف المجالات، وتفعيل وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين والتي تقوم على أساس التعاون والمنفعة المتبادلة وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك ومد جسور جديدة للصداقة والتعاون بين البلدين الصديقين لبناء شراكة استراتيجية بعيدة المدى لاسيما في القطاعات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية.
وتعطي زيارة شي جين بينغ المرتقبة دفعةً كبيرةً للعلاقات الصينية الإماراتية التي تقوم على أساس متين من التعاون المتبادل وتتميز بإمكانات ضخمة وآفاق مستقبلية رحبة، حيث ظل البلدان حريصين على تطوير علاقات الصداقة والتعاون بينهما في كافة المجالات، ومن المنتظر أن تشكل الزيارة التي تأتي في إطار دبلوماسية القمة الصينية الفاعلة والمباحثات التي سيجريها الزعيم الصيني مع قادة دولة الإمارات فرصةً لتوسيع نطاق التبادلات التجارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين البلدين والنهوض بالتعاون الصناعي والاستثماري واكتشاف فرص جديدة لتعزيز الشراكة الثنائية في القطاعات ذات الاهتمام المتبادل وبما ينعكس إيجابياً على مصالحهما المشتركة.
ولا شك أن هناك مجالات واسعة للتعاون بين البلدين نظراً للإمكانات الكبيرة التي تزخر بها الإمارات وما تتمتع به من موارد طبيعية وفيرة فضلاً عن موقعها الاستراتيجي باعتبارها بوابة للوصول إلى الأسواق الاستهلاكية والفرص الاستثمارية المربحة في المنطقة. وتعلّق الإمارات أهمية كبرى على التعاون مع الصين، في إنتاج الطاقة المتجددة، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر في هذه الطاقة النظيفة، ومنتجاً لمعدات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية.
وتعود بداية العلاقات السياسية الصينية الإماراتية إلى الثالث من ديسمبر 1971 أي بعد يومين على قيام دولة الامارات إذ بعث الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ببرقية إلى شو آن لاي رئيس مجلس الدولة /مجلس الوزراء/ الصيني يبلغه فيها بتأسيس دولة الإمارات ورد شو آن لاي ببرقية تهنئة إلى الشيخ زايد يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات. وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراً مستمراً منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين البلدين في نوفمبر عام 1984.
وحققت هذه العلاقات إنجازات هامة تجلت في الكثير من المحافل الدولية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين التي بلغت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، وشهدت هذه العلاقات تطوراً مستمراً من خلال زيارات متبادلة قام بها كبار القادة والمسؤولين في البلدين بدأت بزيارة رسمية قام بها الرئيس الصيني آنذاك يانغ شانغ كون إلى دولة الإمارات خلال ديسمبر عام 1989. وتوقف الرئيس الصيني هو جين تاو في يناير عام 2007 بدبي. وفي يناير عام 2012 قام ون جيا باو رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك بزيارة رسمية للإمارات شارك خلالها في الدورة الخامسة للقمة العالمية لطاقة المستقبل، ووُقعت خلال هذه الزيارة اتفاقية للشراكة الاستراتيجية بين دولة الامارات والصين. وزار وزير الخارجية الصيني وانغ يي في عام 2015 الإمارات والتقى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأجرى محادثات مع الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الأمر الذي حدد بشكل أكثر وضوحاً المسار المستقبلي لتطور العلاقات بين البلدين.
وأسهمت سياسة الإصلاح والانفتاح التي انتهجتها الصين خلال العقود الماضية وما أحدثته من تطورات غير مسبوقة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وتعزيز قواها الوطنية الشاملة، أسهمت في تعزيز العلاقات بين البلدين وتحقيقها تقدماً كبيراً في المجالات الاقتصادية والتجارية وأيضاً في التبادلات الثقافية والتعليمية. وشهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً مذهلاً حيث زاد بأكثر من 800 ضعف خلال العقود الثلاثة الماضية منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وارتفع من 63 مليون دولار أمريكي في العام 1984 إلى أكثر من 50 مليار دولار في عام 2017.
واتاحت مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 مجالات جديدة لتعزيز التعاون بين البلدين وتنظر الإمارات إلى المبادرة بتفاؤل وأمل لتحقيق تعاون اقتصادي واستثماري مشترك في مختلف المجالات. وأكد سفير دولة الإمارات في بكين، عمر أحمد عدي البيطار، في وقت سابق أن إحياء الصين لطريق الحرير يعزز ثقافة السلام والتعاون بين الأمم.
وعموماً فقد اتسمت العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات والصين بالتميز منذ إعلان تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وظلت هذه العلاقات اعتباراً من ذلك التاريخ تقوم على أساس متين من الصداقة والتعـاون والمنفعة المتبادلة، وتسودها روح التشاور والتطابق في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وحرصت دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971 على الاحتفاظ بعلاقات تعاون وتفاهم مع الدول الصديقة والشقيقة، وعملت على تطوير مجالات التعاون في الإطار الذي يصب في المنافع المشتركة مع هذه الدول، وبناءً على ذلك افتتحت السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة العلاقات بين البلدين على أساس المصالح المتبادلة والتنسيق المتواصل.
وعكست زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني، ون جيا باو إلى دولة الإمارات وهي الأولى من نوعها لمسؤول صيني على هذا المستوى منذ استهلال العلاقات الدبلوماسية، المدى الذي وصلت إليه علاقات البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وحددت اتجاهات تطور هذه العلاقات في ضوء نتائج هذه الزيارة والإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها البلدان على صعيد الاقتصاد العالمي.
وأبدت قيادة دولة الإمارات حرصها البالغ على ضرورة تطوير علاقات الدولة مع الصين وبذلت المزيد من الجهود لدفعها إلى الأمام من أجل تحقيق مصلحة شعبي البلدين الصديقين في مختلف المجالات، حيث نقلت تقارير إماراتية عن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تأكيده على محورية الصين ودورها الأساسي وحضورها الفاعل على الساحة الدولية وتطلعه لأن تواصل الصين جهودها المكثفة بالتعاون مع المجتمع الدولي في معالجة الكثير من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تهم أمن واستقرار المنطقة، وتأكيده أيضاً في أكثر من مناسبة على تميز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين والتي جاءت ثمرة لجهود الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي أسس لهذه العلاقة التي ظلت تحافظ على تميزها وتطورها بفضل حرص ودعم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
ولا تنظر الصين إلى دولة الإمارات بوصفها عضواً مهماً وفاعلاً في مجلس التعاون الخليجي وأهم شريك تجاري لها في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً باعتبارها مدخلاً للتجارة والاستثمارات الصينية في المنطقة. وتشير مصادر إماراتية إلى أن دبي قد أصبحت بالنسبة للصينيين محطة عبور مهمة للوصول إلى أفريقيا ودول الشرق الأوسط، إذ تستحوذ الإمارات على نحو 60% من الصادرات السلعية الصينية إلى المنطقة والتي يُعاد تصديرها إلى دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وأوروبا، كما تحتضن دولة الإمارات أكثر من 3 آلاف شركة صينية تعمل في مختلف القطاعات فيما يفوق عدد أفراد الجالية الصينية في الامارات 200 ألف نسمة ويظهر ذلك الأهمية المتزايدة للإمارات كأكبر مركز تجاري في المنطقة.
وقد ارتقت العلاقات الصينية الإماراتية إلى مستوى متميز وتعد مثالاً يحتذى به لشكل ومحتوى العلاقات الثنائية بين الدول، فهي علاقة ترى بكين وأبو ظبي أنها ترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والحرص من الجانبين على دعم وتطوير هذه العلاقات بصورة مستمرة، وتتميز هذه العلاقات بإمكانيات ضخمة وآفاق جديدة للتعاون والشراكة التجارية والاستثمارية والثقافية والسياحية، وظلت الصين حريصة دائماً على تطوير علاقات الصداقة والتعاون في كافة المجالات مع دول مجلس التعاون خاصة دولة الإمارات.
وكانت زيارة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة إلى بكين في مايو 1990، هي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وانعكست تلك الزيارة إيجابياً على العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدين اللذين يرتبطان بالعديد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون في مختلف المجالات. وقام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بزيارة هامة إلى الصين عام 2008 التقى خلالها مع كبار المسؤولين الصينيين وعقد عدة اجتماعات هامة مع المؤسسات الاقتصادية في مدينتي بكين وشانغهاي. وفي عامي 2009 و2012 قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارتين متتاليتين للصين بدعوة من نائب الرئيس الصيني آنذاك شي جين بينغ ثم زار الصين مرة ثالثة في ديسمبر 2015 في إطار تفعيل وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين والتنسيق والتعاون في مختلف المجالات، حيث وُقع خلال هذه الزيارات على سلسلة من الاتفاقيات الثنائية، ولاسيما في مجالي النفط والتجارة. وأطرت سلسلةٌ من الاتفاقيات الموقعة في العديد من مجالات التعاون المشترك العلاقات الثنائية بين البلدين منذ انطلاقها وحتى الآن وأبرزها اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين الدولتين الموقعة عام 1985، واتفاقية إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية التعاون في مجال الخدمات الطبية عام 1992.
ولا شك أن العلاقات بين البلدين مقبلة على مزيد من التقدم بفضل القوى التي يمتلكها البلدان ودورهما المتنامي على الساحتين الإقليمية والعالمية حيث أصبحت الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بينما تتحلى الإمارات بقوة اقتصادية وموقع إقليمي وعالمي اكتسبته بفعل العامل الجغرافي.
ويجدر بالذكر أن الصين بحجمها وثقلها من أكبر الأسواق العالمية وهي في حاجة إلى الاستيراد والتصدير لتلبية احتياجاتها، كما أنها تشكل أيضاً سوقاً رئيسياً لاستيراد النفط والغاز الطبيعي، بينما الإمارات من الدول الرئيسية المنتجة للنفط، ويتيح ذلك فرصاً كبيرة للدولتين لتعزيز التعاون التجاري في قطاع النفط ومشتقاته بجانب التعاون في مجال نقل التقنية الصينية المتطورة إلى الإمارات، وإقامة المشروعات الصناعية المشتركة.
ونخلص إلى أن تضافر جهود الصين والإمارات وتكامل امتيازاتهما ستكون له تأثيرات إيجابية كبيرة على مسيرة البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي والتعاون بين البلدين ولا سيما بشأن بعض الملفات الساخنة بالمنطقة نظراً لأن قيادتي البلدين تدركان أهمية التعاون بين بلديهما لما يمتلكانه من عناصر القوة الذاتية لكل منهما وما حققته مسيرة التعاون المشترك بينهما. وأبدت الإمارات حرصها على توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية مع الصين في ظل تعميق الإصلاح الشامل بالأخيرة، خاصة وأن الإمارات شريك مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وأيضاً داعم قوي لمبادرة الحزام والطريق، وتجمع مصالح مشتركة بين بكين وأبو ظبي في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.