واشنطن 16 يوليو 2018 / تميز الاجتماع الثنائي الأول بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي بفنلندا بأجوائه الودية بدرجة أكبر من إنجازاته الملموسة، وفقا لما ذكره خبراء أمريكيون.
-- اجتماع رمزي أكثر منه جوهري
أعرب الزعيمان عن ارتياحهما حيال الاجتماع باعتبار أنه كان "بناءا للغاية" ويمثل "الخطوة الأولى المهمة" نحو علاقات أفضل، رغم إقرار كل منهما بوجود مشكلات في ملفات سوريا وأوكرانيا والقرم.
وفشل كلا الجانبين أيضا في التوصل إلى اتفاق لتمديد المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الإستراتيجية (نيو ستارت)، والتي كان يعتقد محللون بأنه أمر ممكن قبل الاجتماع .
وطغت على المؤتمر الصحفي المشترك أسئلة وسائل الإعلام حول تدخل موسكو المزعوم في الانتخابات الأمريكية، على الرغم من نفي بوتين القاطع لأي تدخل فيها ومهاجمة ترامب للنتائج التي توصلت إليها وكالات الاستخبارات الأمريكية.
وأشار وليام كورتني، وهو سفير أمريكي سابق وزميل كبير حاليا في مؤسسة (راند)، إلى أن الجانبين لم يصدرا أي بيان مشترك بشأن القضايا الخلافية الرئيسية في العلاقات الأمريكية الروسية.
وقال لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لم يكن من الواضح أنه تم إحراز تقدم كبير، أو حتى كل هذه القضايا قد تم تناولها بالتفصيل".
وأضاف أنه ربما لم ترغب إدارة ترامب في إصدار بيان مع بوتين "يمكن أن يكون عرضة لنيران سياسية، لا سيما في الكونغرس".
وتابع "بما أنه لم يحدث تقدم واضح حيال أي من الخلافات الرئيسية بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن القمة ربما لم تفعل الكثير لإصلاح العلاقات الثنائية"، مشيرا إلى أن الاجتماع "كان متميزا بالأجواء الودية أكثر من الإنجازات الملموسة".
وفي المؤتمر الصحفي، بدا أن بوتين عرض تمديد المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الإستراتيجية، التي تحد من الأسلحة النووية بعيدة المدى، بيد أن موقف ترامب كان مبهما. وحظيت المعاهدة، التي ينقضي أجلها في عام 2021، بدعم الحزبين في الكونغرس الأمريكي بخصوص تمديدها ما لم يتم استبدالها بأخرى أفضل.
من جانبه، قال اللفتنانت كولونيل، دانييل إل دايفيس، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأمريكي، وحاليا خبير في شؤون الدفاع في معهد "أولويات الدفاع"، وهو مركز أبحاث، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن توقعات ترامب في الاجتماع كانت أساسا لتحسين العلاقات مع روسيا وإقامة علاقة مع بوتين، و"بناء على أداء كل من الزعيمين في المؤتمر الصحفي لما بعد القمة، يبدو أنه نجح في ذلك".
وأضاف "لا أحد يفوز في حرب نووية، وبالتالي فإن ترامب يتخذ خطوات حكيمة لزيادة التفاهم وإقامة خطوط اتصال بين الاثنين لإبقاء خطر نشوب حرب نووية في المستقبل منخفضا".
ولفت الخبير في شؤون الدفاع إلى أنه رغم حسن النية التي رغب كل من الرئيسين بإظهارها في الاجتماع، فقد كان من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق تقدم بشأن قضية شبه جزيرة القرم.
وقال دايفيس إن "مصالح الولايات المتحدة يجب أن تأتي قبل أي نتائج سياسية مفضلة لدينا حول أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ولن نكسب إلا القليل عن طريق الضغط على روسيا لتلبية تفضيلاتنا بشأن مسألة من الواضح أنها لن تتنازل حيالها".
وأوضح أن "الوقت وحده كفيل بإخبارنا كيف ستترجم النتيجة الجيدة الظاهرة للقمة بطرق ملموسة في المستقبل".
-- نفي مثير للجدل للتدخل في الانتخابات
وقال بوتين في مؤتمر صحفي، ردا على مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، "هل يمكنك تسمية حقيقة واحدة تثبت بشكل قاطع هذا التواطؤ؟ هذا هراء"، مضيفا "لا يوجد دليل حينما يتعلق الأمر بالحقائق الفعلية، علينا أن نسترشد بحقائق وليس بشائعات".
وكرر ترامب نفي بوتين بشأن التدخل في الانتخابات، قائلا "سأقول هذا: لا أرى أي سبب لحدوث ذلك".
وفيما يتعلق بالتدخل الروسي المزعوم في انتخابات الدول الغربية ونفي بوتين المتكرر لذلك، قال كورتني إن مفاوضات صعبة تمثل أمام كلا الجانبين.
وعلاوة على ذلك، أفاد كورتني إنه من غير المرجح أن يقدم الغرب المساعدات واسعة النطاق، التي تسعى إليها روسيا لإعادة إعمار سوريا، التي مزقتها الحرب، ما لم تبد موسكو التزاما أكبر تجاه حل سياسي مع الحد من دور إيران هناك.
كما أثار سلوك ترامب في الاجتماع شكوكا لدى بعض الخبراء الأمريكيين.
وقال ريتشارد إن هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، إن "السمة الأكثر لفتا للانتباه لما نعرفه ... كانت رفض ترامب دعم تقييمات أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون الخاصة لديه".
-- "نار وغضب" الحزبين
كما أثارت نبرة ترامب التصالحية مع بوتين ومواقفه العدوانية تجاه حلفائه في حلف شمال الأطلسي (الناتو) انتقادات حادة وواسعة بين المشرعين من كلا الحزبين في بلاده.
وقال تشاك شومر، وهو سيناتور ديمقراطي مخضرم بمجلس الشيوخ، في تغريدة نشرها على موقع التدوين المصغر (تويتر)، "بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة فإن اتخاذ جانب بوتين ضد وكالات إنفاذ القانون الأمريكية ومسؤولي الدفاع الأمريكيين وأجهزة الاستخبارات الأمريكية هو أمر أرعن وخطير وضعيف. الرئيس يضع نفسه فوق بلادنا".
وتابع شومر "بدءا من رحلة الرئيس إلى الناتو وانتهاء بأدائه المخزي في المؤتمر الصحفي اليوم، عزز دونالد ترامب خصومنا في حين أضعف دفاعنا ودفاع حلفائنا".
واتفق معه في الرأي، السيناتور الجمهوري، جون ماكين، الذي يشغل أيضا منصب رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ.
وقال في بيان "لم يثبت الرئيس ترامب فقط بأنه غير قادر فحسب، وإنما غير مستعد للوقوف في وجه بوتين. وبدا كأنه وبوتين يتحدثان من نفس النص ...".
وقال هاس "لا ينبغي النظر إلى هلسنكي من فراغ"، مضيفا أنه "كان مثيرا للقلق وفي نواح كثيرة مثّل نهاية غير مرغوبة لأسبوع جرى خلاله الكثير لتقويض أسس السياسة الخارجية الأمريكية -- لا سيما العلاقة الخاصة مع الناتو وبين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة -- التي ساهمت كثيرا في الأمن والازدهار والتأثير الأمريكي لفترة طويلة دامت نحو قرن من الزمان. للأسف، لم تقدم الرحلة أي شيء من شأنه أن يأخذ مكانها".
في دفاعه، نشر ترامب تغريدة بعد الاجتماع جاء فيها "أفضّل المخاطرة السياسية في السعي من أجل السلام، بدلا من المخاطرة بالسلام في السعي وراء السياسات".
وقال ترامب "لدي ثقة كبيرة بعناصري في أجهزة الاستخبارات"، مضيفا "ومع ذلك، أدرك أيضا أنه من أجل بناء مستقبل أكثر إشراقا، لا يمكننا حصرا التركيز على الماضي -- وكوننا أكبر قوتين نوويتين في العالم، يتوجب علينا أن نكون على وفاق!".