ترجمة وتحرير / د. وليد
تحقق قوات الحكومة السورية في الوقت الحالي، تقدمًا مستمرًا في عملياتها العسكرية، ضد تنظيم داعش الإرهابي، في آخر معقل لها بمحافظة السويداء الجنوبية. كما نجحت في قمع العديد من الجماعات المسلحة، بما في ذلك جبهة فتح الشام، في حلب وإدلب وحماة وأماكن أخرى، مايمثل مؤشرات إيجابية لعودة الحركة في المدن السورية. ومع اتساع نطاق الأراضي المحررة، بدأ طرح قضية إعادة الإعمار على أجندة العمل، ماجذب إهتمام عدّة أطراف.
في هذا الصدد، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، حوارا هاتفيا في 10 أغسطس الجاري، حول الوضع في سوريا. شدد خلاله بوتين على ضرورة مواصلة المجتمع الدولي مساعدته لسوريا، على ترميم بنيتها التحتية الإقتصادية والاجتماعية. واتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة اللاجئين السوريين على العودة إلى ديارهم.
يذكر أن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة، قد عقدت مؤخرا اجتماعا في العاصمة اللبنانية بيروت، حضره قرابة 50 خبيرا من سوريا ودول أخرى. وقدّر تقرير الاجتماع الخسائر التي تعرضت لها سوريا، جرّاء الحرب بحوالي 400 مليار دولار. وهو رقم لايشمل الخسائر في الأرواح والكفاءات. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف سكان سوريا قد فرّوا خلال الحرب المستمرّة منذ 7 سنوات.
في هذا السياق، يرى محمود، وهو باحث في علم الإجتماع بجامعة الأسد في سوريا، بأن الاستقرار التدريجي للأوضاع، قد وضع الأساس لإعادة الإعمار في سوريا. لكن الخسائر الاقتصادية الضخمة ومختلف المشاكل الاجتماعية، ستمثل جملة من التحديات أمام إعادة الإعمار. "إن أكبر مشكلة تتمثل في التمويل. فبالنظر إلى الأضرار الخطيرة التي لحقت بالبنية التحتية، فضلاً عن نقص المواد، والتضخم وغيرها من المشاكل الأخرى، فإن الأموال التي يحتاجها تقدم عمليات إعادة الإعمار، والأموال اللازمة للتنمية المستدامة، قد يتجاوز التريليون دولار. وهو مبلغ لايمكن توفيره، إعتمادا على الجانب السوري فقط." يقول محمود.
مع ذلك، نظرا للعقوبات الاقتصادية طويلة المدى التي تفرضها أوروبا وأمريكا، وعوامل عدم اليقين التي سببتها الحرب منذ سنوات. فإن الأوساط الأجنبية تنظر بإرتياب إلى الاستثمار في سوريا. ويضيف محمود، بأنه رغم زيارة العديد من المؤسسات والشركات الأجنبية إلى سوريا منذ النصف الثاني من العام الحالي، إلا أن نواياهم في الإستثمار لاتزال غير واضحة. وفي مجال التجارة، تفضل غالبية المؤسسات الأجنبية التعاون مع وكالات سورية محلية، بدل تأسيس خطوط إنتاج أو مكاتب في سوريا؛ أما في مجال الإنشاء، مازال المستثمرون الأجانب، يفضلون إنتظار توفر المزيد من الضمانات الأمنية.
من جهة أخرى، خلّفت سنوات الحرب مشاكل مختلفة، مثل الانخفاض الحاد في عدد السكان. مايمثّل عقبة رئيسية أمام عملية إعادة الإعمار في سوريا. في هذا الجانب، يقول محمود " من حيث المبدأ، عملية إعادة الإعمار في سوريا، يجب أن يقودها السوريون. لكن على أرض الواقع، سيكون ذلك تحدّ كبير."
تسببت الحرب السورية منذ 7 سنوات، في مقتل مئات الآلاف، خاصة من فئة الشباب. وتشير إحصاءات محلية، إلى أن عدد النساء في سوريا في الوقت الحالي، يمثل أكثر من 65% (دون احتساب الجنود ومخيمات اللاجئين). وهو ماسيمثل عقبة غير سهلة أمام إستعادة توازن البنية الديمغرافية في سوريا.
في ذات الوقت، سيحتاج أكثر من 1.5 مليون شخص معوق بسبب الحرب إلى مختلف أشكال المساعدات الإنسانية. أضف إلى ذلك، التأثيرات الخطيرة التي سببتها الحرب على التعليم، حيث يصعب على فئة كبيرة من الأطفال الذين هم سن الدراسة الإلتحاق بالمدارس. وهو ما سيؤثر على مستوى ونوعية القوى العاملة، ويفرض الحاجة إلى تهيئة الظروف المناسبة، لعودة اللاجئين السوريين وخاصة الكفاءات للمشاركة في إعادة الإعمار.