غزة 11 سبتمبر 2018 / استهدفت إجراءات متتالية اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الفلسطينيين زيادة الضغط الشامل عليهم للقبول بما تحضر إليه من صفقة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسط شكوك حادة بنجاحها في ذلك، بحسب مراقبين فلسطينيين.
ويرى المراقبون أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمارس "الابتزاز" ضد القيادة الفلسطينية لدفعها للتعاطي مع أفكارها بشأن حل الصراع رغم أن الفلسطينيين يتهمونها باستهداف تصفية قضيتهم.
وأعلنت الإدارة الأمريكية أمس الإثنين رسميا إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن "عقابا" على مواصلة العمل الفلسطيني مع المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل.
وتقاطع السلطة الفلسطينية الإدارة الأمريكية منذ إعلان ترامب في السادس من ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها في 14 من مايو.
ويقول المحلل السياسي من غزة هاني حبيب، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الإدارة الأمريكية "تمارس حرب ابتزاز ضد الفلسطينيين في مسعي لفرض صفقة القرن مستخدمة بذلك كافة وسائل الضغط المتاحة لها".
ويشير حبيب إلى أن واشنطن "تقوم باستخدام رخيص للابتزاز سواء سياسيا أو ماليا من دون أن تدرك أن من شأن هذا الابتزاز أن يزيد من صلابة الموقفين الرسمي والشعبي فلسطينيا في مواجهة صفقة القرن".
وينبه إلى أن واشنطن "تريد من القيادة الفلسطينية الانصياع للرؤية الأمريكية ـ الإسرائيلية، والاستجابة للضغوط الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية في إطار صفقة القرن، وهو أمر لن ينجح".
ويعتبر حبيب أن سياسات واشنطن "تعبر عن غضب واضح إزاء القيادة الفلسطينية التي تقف في وجه صفقة القرن وإصرارها وضغطها على إدارة ترامب لمراجعة موقفها من خلال مقاطعتها، الأمر الذي أدى إلى مواقف أمريكية تشير إلى عقبات أمام الصفقة".
وإلى جانب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، عمدت الإدارة الأمريكية إلى وقف كامل للمساعدات المالية التي تقدمها للفلسطينيين، وهي إجراءات طالت حتى مستشفيات فلسطينية في شرق القدس.
وأوقفت واشنطن كذلك بشكل كامل دعمها المالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إجراء يعتبره الفلسطينيون استهدافا مباشرا لملف اللاجئين الفلسطينيين.
كما يلوم الفلسطينيون على إدارة ترامب موقفها السلبي من ملف الاستيطان الإسرائيلي وعدم تبنيها كحال الإدارات الأمريكية المتعاقبة فكرة حل الدولتين المدعوم دوليا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويقول مدير مركز (مسارات) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، إن الفلسطينيين يعتبرون جوهر إجراءات واشنطن "فرض لحل إسرائيل بالقوة وضوء أخضر لها لتكريس الاحتلال والاستيطان بما يؤدي إلى دفن حل الدولتين".
ويشير إلى أن إدارة ترامب "تنصلت من المواقف الأمريكية التقليدية إزاء الحل والانسحاب إلى حدود عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والموقف من الاستيطان الذي لم تعد تعتبره غير قانوني مثل سابقاتها".
ويضيف "كما أن إدارة ترامب جعلت الأمن الإسرائيلي المرجعية العليا لأي مبادئ حل قادم، عوضا عن الخطر الأكبر بفرضها إسقاط ملفات القدس واللاجئين والاستيطان من طاولة المفاوضات".
وبحسب المصري فإن ذلك يبرز أن صفقة القرن "لم تمت" رغم الرفض الفلسطيني لها، وهي جاري تطبيقها على أرض الواقع بشكل متسارع، على أمل أن يوافق الفلسطينيون عليها لاحقا أو يتعايشون معها على أساس عدم وجود بديل عنها، لكن فرص ذلك تبقي ضعيفة.
وتعهد ترامب في بداية ولايته في البيت الأبيض بالعمل على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه قال إن واشنطن ستحترم ما يتوصل إليه الطرفان على طاولة المفاوضات.
ولاحقا تحدث مسؤولون أمريكيون عن صفقة قرن يجرى إعدادها في أروقة البيت الأبيض من دون أن يحددوا موعدا لطرحها رسميا وفي ظل تسريبات إعلامية متضاربة بشأن ذلك.
ولم يعلن المسؤولون الأمريكيون أي تفاصيل رسمية بشأن مضمون صفقة القرن، لكن تقارير إسرائيلية تحدثت مرارا أنها ستتضمن عرض إعلان قرية "ابو ديس" شرقي القدس باعتبارها العاصمة الفلسطينية، مقابل انسحاب إسرائيلي من 3 أو 5 من القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس.
وحسب التقارير الإسرائيلية لن تتضمن الصفقة أي اقتراحات بانسحاب إسرائيلي من المستوطنات القائمة أو من الكتل الاستيطانية الكبيرة وإبقاء منطقة الأغوار الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية مع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومن دون جيش أو أسلحة ثقيلة.
ويقول الكاتب والوزير السابق في السلطة الفلسطينية أشرف العجرمي، إن إدارة ترامب "جسدت بقراراتها المتتالية ضد الفلسطينيين شراكة كاملة مع إسرائيل في محاولة مكشوفة لتصفية أبرز الحقوق الفلسطينية سواء المتعلقة بالقدس أو ملف اللاجئين".
ويشير العجرمي إلى أن إدارة ترامب عمدت إلى استخدام كل وسائل الضغط والابتزاز على الفلسطينيين لدفعهم إلى التعاطي مع صفقتها للحل، لكنه يبرز أن فرص نجاح الصفقة "شبه معدومة".
ويعزو ذلك إلى "استحالة حل فعلي للصراع يقوم على شطب أسس التسوية السياسية ويجعلها مستحيلة كما تفعل إدارة ترامب، خاصة مع محاولة إزاحة أهم قضيتين من القضايا الجوهرية من على طاولة المفاوضات وهما القدس واللاجئون".
ويشدد على أنه "لا حل للصراع ولا سلام ولا أمن ولا استقرار في المنطقة بدون حل المسألة الفلسطينية من كل جوانبها، ومن يرفض التسوية العادلة هو الذي يساهم في إبقاء القضايا الشائكة عالقة لأطول فترة ممكنة، ما يفرض على واشنطن مراجعة مواقفها بشأنه إن كانت فعلا تريد حل الصراع".
ويخلص العجرمي إلى التأكيد على أنه "من دون حل قضية اللاجئين الفلسطينيين لن ينتهي الصراع، ولا يمكن لأحد إزاحة مسائل التسوية الدائمة الجوهرية المتفق عليها عن طاولة المفاوضات أو البحث بدون التوصل إلى حلول مقبولة لدى الطرفين بشأنها".
ومفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل متوقفة منذ نهاية مارس عام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية دون تحقيق تقدم لحل الصراع الممتد منذ عدة عقود.