القاهرة 24 أكتوبر 2018 /يقوم التعاون الصيني - العربي المتنامي، والذي يتجلى في الاستثمارات والمشروعات الصينية المختلفة في العديد من الدول العربية، على العلاقات التاريخية والمبادئ والمصالح المشتركة بين الجانبين.
ودائما ما تنظر الدول العربية إلى الصين كصديق مسالم، حتى قبل أن تصبح أحد أكبر اقتصادات العالم، وأحد الأعضاء الخمس الدائمين بمجلس الأمن الدولي.
وتقوم الصين والعالم العربي اليوم بإحياء علاقاتهما التاريخية من خلال الانعقاد المنتظم لمنتدى التعاون الصيني - العربي، بجانب الزيارات الرسمية ولقاءات القمة المتبادلة والتي تعتبر آليات لتقوية الشراكة ودعم التعاون السياسي والاقتصادي بين الجانبين.
العلاقات التاريخية والدعم المتبادل
يقول السفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، "العلاقات العربية - الصينية عميقة وتاريخية منذ طرق التجارة القديمة بين الجانبين".
وكان الرئيس المصري جمال عبدالناصر أول رئيس عربي يقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية منذ أكثر من ستة عقود، رغم اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ثم تبعه العديد من قادة الدول العربية والافريقية.
وأضاف بيومي لوكالة أنباء (شينخوا)، "الآن نرى أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وشريك تجاري مهم للغرب بصفة عامة، مما يبين بُعد نظر الرؤية العربية في التقارب مع الصين ودعم العلاقات معها".
وفي يناير 2016، أصدرت الصين أول وثيقة للسياسة الخارجية الصينية تجاه الدول العربية والتي تعهدت فيها بتقوية العلاقات الصينية - العربية من خلال التعاون في مجالات السياسة والتجارة والاستثمار والتنمية الاجتماعية والثقافة والتبادل الشعبي بالاضافة إلى مجالات السلام والأمن.
وبعد أسبوع من اصدار الوثيقة، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة مهمة للشرق الأوسط شملت كلا من المملكة العربية السعودية ومصر وإيران، وألقى خطابا مهما للعالم العربي خلال زيارته لمصر من مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة.
وقال شي في خطابه، إن الصين تدعم العالم العربي لحل مشاكله بنفسه عن طريق التنمية والحوار، عارضا مساهمة الصين بملايين الدولارات لمساعدة الشعوب العربية التي تعاني من الصراعات والحروب.
وتشهد المنطقة العربية صراعات وحروبا أهلية في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، إلى جانب الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني المستمر منذ عقود، والتوتر الاقليمي الممتد بين السعودية وإيران.
وأضاف الرئيس الصيني، "المفتاح لفك المعضلة يكمن في تسريع عجلة التنمية، إن جميع الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط ترتبط في الأساس بالتنمية، فلا مفر من احتوائها إلا من باب التنمية في نهاية المطاف، إن التنمية قضية حياة وكرامة الشعوب".
وتابع " الأمل موجود في الشرق الأوسط، فقط يتطلب الجهود من مختلف الاطراف لبحثه وتجسيده في طريق الحوار والتنمية".
وقام الرئيس الصيني بعد ذلك بزيارة الامارات العربية المتحدة في يوليو 2018، حيث كانت أول رحلة خارجية له بعد إعادة انتخابه.
وفي المقابل قام قادة مصر والسعودية والامارات وفلسطين وغيرها من الدول العربية بزيارات مختلفة لبكين، والالتقاء مع القيادة السياسية، مما أسفر عن رفع مستوى العلاقات بين الصين وعدد من الدول العربية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وقال الدكتور أحمد قنديل، الخبير في الشئون الصينية والأسيوية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "إن جولة الرئيس الصيني الاستراتيجية بالشرق الأوسط في أوائل عام 2016 وخطابه المهم في جامعة الدول العربية وضعا الأسس الاستراتيجية للعلاقات الخارجية الصينية تجاه العالم العربي".
وأضاف قنديل لوكالة أنباء (شينخوا)، "العلاقات العربية - الصينية تقوم على تاريخ طويل من التعاون العادل والدعم المتبادل بين الجانبين، فالعرب يحترمون مبدأ "الصين واحدة" والصين تساند القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتطالب بعدم التدخل الغربي في الشئون الداخلية للدول العربية".
المصالح المشتركة والإنجازات المثمرة
لقد ساهمت دبلوماسية القمة وتبادل الزيارات الرسمية في دفع العلاقات الصينية - العربية وأدت إلى العديد من المشروعات والاستثمارات الصينية الضخمة في الدول العربية منها مصر والسعودية والامارات وتونس والجزائر والسودان.
ففي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بمصر، تقوم شركة (تيدا) الصينية بتطوير (7.23 كم مربع) في منطقة العين السخنة بمحافظة السويس، شرق القاهرة.
وساعدت شركة (جوشي) الصينية الرائدة في صناعة الألياف الزجاجية، والتي تقيم مصنعا لها بمنطقة (تيدا) الصناعية، مصر في أن تصبح إحدى أكبر الدول المنتجة والمصدر للألياف الزجاجية في العالم.
وتعمل الشركة الصينية العامة الهندسية الانشائية (CSCEC) حاليا على مشروع بناء منطقة الأعمال بالعاصمة الادارية الجديدة، شرق القاهرة، ويعد هذا المشروع الأضخم الذي تنفذه شركة صينية في مصر.
كما يقوم التحالف الصيني المكون من شركتي (AVIC) الدولية القابضة والشركة الصينية لانشاء السكك الحديدية المحدودة، بتنفيذ مشروع القطار السريع الذي سوف يربط العاصمة الادارية الجديدة بالمدن الجديدة الأخرى حول القاهرة.
وفي تونس، تقوم حاليا شركة ((سينوهيدرو)) الصينية ببناء سد كبير غربي تونس والمقرر الانتهاء من تنفيذه في العام 2022، بينما قامت الصين في ديسمبر 2017 باطلاق أول قمر صناعي جزائري.
وفي السعودية قامت شركة الصين لانشاء السكك الحديدية (CRCC) بتنفيذ مشروع مترو المشاعر بمكة، والذي ساهم في خفض الزحام ويسر انتقال الحجيج بين المشاعر الدينية المختلفة أثناء موسم الحج.
أما بالنسبة للتعاون المصرفي، فقد أبرم بنك الشعب الصيني اتفاقيات تبادل للعملة مع بعض الدول العربية منها مصر والإمارات.
وقال الدبلوماسي العربي جمال بيومي، "كل هذه المشروعات والاستثمارات الصينية في مصر والسعودية والامارات وتونس والجزائر والدول العربية الأخرى هي نتاج لدبلوماسية القمة والتقارب بين القيادات العربية والصينية القائمة على المبادئ والمصالح المشتركة".
الآفاق المستقبلية
وحيث إن تقارب الصين مع الدول النامية يقوم على التعاون ذو الكسب المشترك، فإن الدول العربية ترحب بالتعاون الحالي والمستقبلي مع الصين كأحد اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد والتجارة العالمية، كما يبدى العرب رغبتهم في التعلم من التجربة الصينية والتي استمرت على مدار أربعة عقود.
ويرى بيومي أن مستقبل التعاون الصيني - العربي واعدا نظرا لدعم القيادات السياسية للجانبين لاستمرار زخم هذا التقارب الذي يقوم على أساس الكسب المشترك.
ونوه بأن "الدول العربية تعد سوقا كبيرا للمنتجات الصينية، والاستثمارات الصينية مهمة لدفع التنمية لدى الدول العربية، بالاضافة إلى الدعم السياسي المتبادل بين الجانبين في القضايا الاقليمية والدولية".
ويرى محللون عرب أن نهضة الصين تحقق قدرا من توازن القوى في العالم بعد عقود طويلة من الهيمنة الغربية.
وقال أحمد قنديل الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن القادة العرب حريصون على المضي قدما في العلاقات القوية مع الصين نظرا للدور المحوري الذي تلعبه الصين في إرساء السلام والأمن الدوليين، بالاضافة إلى أهمية التجربة الصينية التنموية.
وأردف قنديل قائلا "إنا متفائل جدا بمستقبل التعاون العربي - الصيني نظرا لنمو العلاقات والتواصل الثقافي بين الجانبين، بالاضافة إلى زيادة عدد الدارسين للغة الصينية في العالم العربي وزيادة عدد السياح الصينيين في الدول العربية".