بكين 20 ديسمبر 2018 /أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا بعد تحقيق ما وصفه بـ"الانتصار" على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في خطوة رآها محللون تعبر عن تمسك ترامب بالانعزالية ومذهبه النفعي، محذرين في الوقت نفسه من أن الانسحاب قد يهدد بخلق فراغ ونشوب صراع أوسع في بلد تمزقه الحرب منذ سنوات.
وبدأت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في سوريا عام 2014 وتبعتها بنشر قوات برية في العام التالي لمحاربة تنظيم داعش وتدريب معارضين مسلحين في سوريا، حتى أعلن ترامب فجأة انتهاء المهمة بتغريدة على تويتر.
وقال الرئيس الأمريكي في رسالة بالفيديو تم بثها على موقع تويتر صباح الأربعاء "لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، لقد كان ذلك هو مبرري الوحيد للوجود هناك خلال رئاسة ترامب".
ولم تقدم إدارة ترامب جدولا زمنيا لسحب القوات. واكتفى مسؤول كبير بالبيت الأبيض تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته للصحفيين بأن ترامب يعتقد أن القوات الأمريكية لم يعد لها دور في سوريا بعد مكافحة تنظيم داعش.
سيحقق قرار ترامب هدفه المعلن منذ زمن طويل بإعادة قوات بلاده للمشاركة في "بناء الوطن". لكن في ظل عدم وجود خطة واضحة، يثير قرار الانسحاب تساؤلات عديدة من بينها: هل ستستطيع الولايات المتحدة سحب جميع قواتها البالغ عددهم ألفي جندي؟ ومن سيملأ الفراغ العسكري الذي ستتركه القوات الأمريكية؟ وكيف ستواجه الأوضاع المضطربة والتداعيات الناجمة بعد إكمال الانسحاب؟ وما مستقبل قيادتها للتحالف الدولي بعد الانسحاب؟ وما مدى تأثير ذلك على فرص تحقيق الاتفاق السياسي في سوريا؟
يقول المحللون أن هذه القضايا والمشاكل ستستمر في اختبار تصميم إدارة ترامب على سحب القوات، وستستمر في التأثير على أعمال المتابعة التي تقوم بها تركيا وإيران وروسيا والمملكة العربية السعودية وأطراف أخرى تتعلق بالقضية السورية والوضع في الشرق الأوسط بأسره.
ويعتقد تيان ون لين، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والباحث المساعد في المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، أن مشاركة روسيا في الحرب السورية عام 2015 كانت بمثابة نقطة تحول، فمن بعدها أصبحت المعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر ضعفا وواجهت الهزائم على كلا من الطاولة السياسية والميدان العسكري.
وأضاف تيان أن الحكومة السورية برئاسة بشار الأسد استقرت تدريجيا وأصبح الآن قريبا من تحقيق الوحدة الوطنية. وفي هذا السياق، لا تريد إدارة ترامب الاستمرار في القيام بـ"استثمارات" لا معنى لها في سوريا، وعليها أن تقبل حقيقة أن الحكومة السورية لا تزال تتولى مسئولية سوريا.
وبعبارة أخرى، يريد ترامب، بصفته رئيسا مولودا من رحم مجتمع الأعمال، أن "يتوقف في الوقت المناسب" ولا يريد "استمرار خسارته". وقد يكون ما يسمى بـ"انتهاء مهمة مكافحة داعش" مجرد تصريح لائق.
مع ذلك، يعتقد تيان أنه حتى ولو انسحبت القوات الأمريكية تماما من سوريا، فلن تتخل الولايات المتحدة بسهولة عن نفوذها في الشرق الأوسط. فلا يزال للجيش الأمريكي وجود كبير في المنطقة، بما في ذلك أكثر من 5000 جندي أمريكي يتمركزون في العراق.
وواجه قرار انسحاب القوات معارضة قوية داخل الولايات المتحدة وخارجها. وحاول مستشارون عسكريون وأمنيون، بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، إقناع ترامب بعدم الانسحاب.
وقال ليندسي غراهام، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، إن "الانسحاب الأمريكي في هذا الوقت سيكون انتصارا كبيرا لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا".
ووصف السيناتور الأمريكي ماركو روبيو من فلوريدا الانسحاب بـ"الخطأ الفادح"، مشيرا إلى أن الأكراد سيتوقفون عن محاربة تنظيم داعش إذا فرضت عليهم مواجهة مع القوات التركية.
وجاء قرار الانسحاب بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية الأمريكي موافقتها على بيع نظام دفاع صاروخي من طراز باتريوت بقيمة 3.5 مليار دولار إلى تركيا. ولم يتضح ما إذا كان قرار الانسحاب له علاقة بالصفقة.
وقال مسؤول في البيت الأبيض أن ترامب أبلغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان بقراره في مكالمة هاتفية بينهما. وحذرت تركيا مؤخرا من أنها ستشن عملية عسكرية شمال شرق سوريا ضد القوات الكردية، حليف الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش.
ورأى ما شياو لين، الخبير الصيني في شؤون الشرق الأوسط، القرار بأنه يعكس تمسك ترامب بفلسفة "الانعزالية" ومذهب "النفعية". فقد أعرب مرارا عن عدم الرضا إزاء "كلفة وعدم فائدة "الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. وخلال حملته الانتخابية الرئاسية عبر مرتين عن أمله في "جلب الجنود إلى الوطن"، وهو "رئيس يحب الوفاء بتعهداته الانتخابية".
وأضاف ما أن تهديد حليف الولايات المتحدة في الناتو، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن ضربة عسكرية عبر الحدود على الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا أثار قلق الجانب الأمريكي إزاء سلامة الأفراد الأمريكيين المنتشرين هناك.
وفي العام الجاري، تدهورت العلاقات الأمريكية-التركية بشكل واضح حتى أفرجت أنقرة عن قس أمريكي. ويهدف ترامب إلى تحسين هذه العلاقات.
وأورد ما سببا آخر داخليا وراء قرار ترامب، قائلا "إن هناك اهتماما كبيرا حاليا بقضية علاقة ترامب وفريق انتخابه مع روسيا حتى أن الكثير من مساعديه واجهوا المحاكمة. ومن شأن قرار الانسحاب حول سوريا أن يحول الانتباه عن تلك القضية إلى سياسته الخارجية".
"ناهيك عن إعلان ترامب هزيمة تنظيم داعش في سوريا يمكن أن يساعده على كسب نقطة ايجابية في السياسية المحلية".
وعلى الرغم من ذلك، فإن أنباء سحب القوات سببت صدمة كبيرة في الدوائر السياسية والعسكرية الأمريكية والعالمية، ووصفها العديد من كبار الدبلوماسيين والقادة العسكريين بأنها "تحول سياسي كبير".
ويعتقد المحللون أنه بالرغم من أن البيت الأبيض ذكر إن الولايات المتحدة مستعدة لتسليم مسؤولية مكافحة الإرهاب لقوات حلفائها في الشرق الأوسط، إلا أن قدرة ورغبة هؤلاء الحلفاء في تنفيذ "أوامر" ترامب للحفاظ على فوائد الولايات المتحدة هو "أمر غير مضمون".
ورفض البيت الأبيض حتى الآن الإعلان عن جدول زمني واضح للانسحاب. وأكد الخبير البارز في معهد بروكينجز الأمريكي داريل ويست، أن والولايات المتحدة من غير المرجح أن تسحب جميع قواتها من سوريا.
وقال ويست "من المرجح أن تبقى القوات الخاصة وبعض الأفراد من سلاح الجو الأمريكي لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة"، فيما أشار آخرون إلى أن عملية الانسحاب قد تكون جزئية وليست كلية.
وعلى الصعيد قدما، حذر وو يي هونغ، الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط بأكاديمية ((تايخه)) الصينية للدراسات والبحوث الإستراتيجية من أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا قد يترك فراغا لتدخل قوات وقوى دولية وإقليمية أخرى في سوريا للتنافس على الأراضي والموارد والنفوذ في هذا البلد.
وذكر أن المليشيات الكردية، التي كانت تحصل على الدعم الأمريكي، قد تكون "أكبر ضحايا" قرار ترامب.
وبدوره، رأى ايهم عامر، وهو محلل سياسي سوري، بعد تلاشي تنظيم داعش، فإن بقاء القوات الأمريكية لا حاجة له، وهذا سيفتح المجال أمام قوات سوريا الديمقراطية للحل الرئيسي وهو التفاوض مع الحكومة السورية والبحث عن حل سياسي، أو الوقوع تحت نيران القوات التركية" .
ورجح المحلل السوري احتمال تفاوض الاكراد مع الحكومة السورية، مؤكدا أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت دعما عسكريا لقوات سوريا الديمقراطية ولم تقدم دعما سياسيا لها، لافتا الى أن الولايات المتحدة الامريكية لم تبذل جهدا لادخال المكون الكردي ضمن اللجنة الدستورية .