الغوطة الشرقية، سوريا 13 مارس 2019 /وقف الرجل الستيني أبو حازم على مدخل منزله المدمر في بلدة عين ترما بريف دمشق الشرقي، ينظر إليه متأملا، والدموع كادت أن تنهمر من عينيه، ثم صعد الدرج، وراح يتجول في غرف المنزل التي نال الخراب والدمار منها ما نال.
أبو حازم الموظف البسيط في بلدية عين ترما، الذي عاد إلى بلدته قبل ستة أشهر من الآن، بعد أن سيطر الجيش السوري على بلدات في الغوطة الشرقية في أواخر إبريل الماضي من العام المنصرم، قرر أن يرمم منزله ويعيد إليه الألق الذي لم يراه لحظة مشاهدته للبيت المدمر.
رحلة أبو حازم لم تكن سهلة في إعادة الترميم، فهو موظف يتقاضى راتبا لا يتجاوز الـ70 دولارا شهريا، وعنده عائلة مؤلفة من 5 أولاد، معظمهم في المدارس، ويسكن حاليا في شقة للإيجار بجرمانا بريف دمشق ريثما ينتهي من ترميم المنزل.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية استطاع أبو حازم أن يرمم منزله، وأن يعيده كما كان قبل نشوب الحرب في سوريا، لكن لم يستطيع أن يعيد الألق إليه، فمنزله يقع في منطقة كانت مسرحا للعمليات العسكرية التي جرت بين مقاتلي المعارضة المسلحة والجيش السوري، فكانت الطرقات غير واضحة المعالم، والركام لا يزال يملئ الأحياء السكنية، بالرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة السورية لفتح الطرقات بين الأحياء في بلدة عين ترما.
وقال سمير أحمد غباري الملقب بأبي حازم لوكالة أنباء (شينخوا) بدمشق "خرجت مع عائلتي من بلدتي عين ترما بالغوطة الشرقية في بداية الأزمة عام 2011، كوني موظف حكومي في البلدية، وتوزعنا على المناطق الآمنة، وسكنت في جرمانا بشقة للإيجار وتابعت عملي في بلدية جرمانا، وبعد ان حرر الجيش السوري الغوطة الشرقية العام الماضي قررت المجيء إلى بلدتي عين ترما وبدأت بترميم منزلي الذي حوله الارهابيون إلى بيت موحش".
وتابع يقول أبو حازم "في بادئ الامر شعرت بالراحة النفسية كوني سأعود إلى بلدتي، ومنزلي ولكنني صدمت كثيرا عندما شاهدت المنزل لأول مرة، إذ لم نجد فيه شيئا، بل أن المسلحين خربوا البنى التحتية للمنزل وسرقوا الأثاث واسلاك الكهرباء، ولكن هذا لم الشيء لم يمنعني من إكمال هدفي وهو ترميم المنزل وإعادته إلى ما كان عليه لنكمل مسيرة حياتنا في هذا المكان الذي نزحنا منه لسبع سنوات".
وأشار إلى أن هناك الكثير من الأهالي عادوا إلى بلدة عين ترما، وبدأوا بترميم منازلهم، مبينا أن غالبية الأهالي الذين تركوا منازلهم، وسكنوا في دمشق، كانوا يعانون من ارتفاع الإيجارات التي شكلت لهم عبئا كبيرا عليهم، مضيفا أن "البلدة تشهد حركة نشطة في إعادة الترميم".
وفي ذات الحي الذي يرمم فيه أبو حازم منزله كان هناك عائلة أخرى لم تغادر البلدة طيلة سنوات الحرب، وبقيت في منزلها ، وعانت ويلات الحصار والحرب، وروت لوكالة (شينخوا) الظروف الإنسانية الصعبة التي مرت عليها، وكيف منعهم مقاتلو المعارضة المسلحة من مغادرة البلدة أكثر من مرة.
الشاب محمد فهد شحاده (32 عاما) شاب متزوج وليس لديه أطفال يسكن في حي من احياء بلدة عين ترما، يعمل اعمالا حرة، ويعيش مع زوجته وامه في منزل تعرض لبعض التخريب أثناء الحرب.
وقال محمد الذي جلس مع زوجته امام بيته على كرسي خشبي مهترئ لوكالة (شينخوا) بدمشق "بقينا في البلدة ولم نغادرها طيلة سنوات الحرب، وحاولنا ان نخرج عدة مرات، إلا أن المسلحين منعونا من المغادرة وبقينا في منزلنا"، مشيرا إلى أن غالبية الأهالي كانوا يرغبون بالخروج إلا انهم منعوا من المغادرة".
ووصف محمد الذي كان يساعد جاره في اعمال الترميم لمنزله، الحياة أثناء وجود المسلحين بأنها "صعبة جدا"، مؤكدا أن البرد القارس والجوع كان يفتك بهم، إضافة لانتشار الامراض وقلة الدواء، مؤكدا أنه بعد دخول الجيش إلى البلدة وتحريره لها من الإرهاب بات الوضع أفضل بكثير وتحسنت أحوال الناس من طعام ودواء وماء وكهرباء.
وقالت فادية (26 عاما) وهي زوجة محمد إن "الورد الموجود في منزلنا يعطينا التفاؤل والظروف التي مرت علينا من قهر وتعب وجوع لم تمعنا من وضع ورود في منزلنا"، مؤكدة أن "الحياة يجب ان تتجدد دائما وعلينا ان ننظر للأمام، ولا نلتف إلى الوراء والحياة كلها أمل وتفاؤل".
وأنت تسير في بلدة عين ترما التي روعها الإرهاب خلال السنوات الماضية، فأنك لا تسمع سوى طرق المطارق وورشات الصيانة التي تعمل كخلية نحل من أجل ترميم المنازل التي ما زالت واقفة وتحدت كل الظروف، فبعضهم يكتفي بترميم غرفتين، وآخر لديها رغبة في ترميم المنزل بأكمله، وقسم قليل سكن في منزله على وضعه الراهن، كي يرفع عن كأهله دفع الإيجارات المرتفعة.
السيدة سمية احمد فارس (47 عاما) فلسطينية الجنسية، وموظفة أيضا في بلدية عين ترما ، واحدة من العائلات التي رممت منزلها بالكامل، وأعادته كمان في فترة زمنية محددة .
وقالت سمية التي سكنت في منزلها بعد إجراء الترميمات اللازمة لوكالة (شينخوا) بدمشق " كنت اسكن في هذا المنزل منذ سبع سنوات قبل نشوب الازمة ، وبعد ان دخلت المجموعات الإرهابية المسلحة الى البلدة وبدأوا بتهديد أولادنا واطلاق النار علينا ، وتضيق الخناق علينا قررت ان اترك البلدة ، وذهبت الى جرمانا كونها بلدة آمنة ومكثت فيها طيلة سنوات الحرب "، واصفة تلك السنوات بأنها " صعبة ومؤلمة " .
وتابعت تقول لقد " كان الايجار عالي والنقود قليلة ، وشعرت في بعض الأحيان بأنني سأجد نفسي يوما ما في الشارع " ، مضيفا " كنت مسرورة جدا عندما سمعت بأن الجيش السوري حرر بلدة عين ترما ، وكنت أول الداخليين الى البلدة ، واستأنفت عملي في البلدية " ، مشيرة إلى ان أهالي البلدة كانوا قد فقدوا الامل بعودة البلدة مرة أخرى .
الحياة في بلدة عين ترما بدت طبيعية بعد مرور عام على تحريرها، فالطلاب يواصلون تعليمهم في المدراس، وبعض الورش الصغيرة بدأت تقلع، إضافة لفتح المحلات التجارية التي تؤمن المواد الغذائية للسكان العائدين.
من جانبه، أكد أحمد العلي رئيس بلدية عين ترما لوكالة (شينخوا) أن الخدمات كانت سيئة عندما دخلنا إلى البلدة بسبب وجود المسلحين الذي خربوا البنى التحتية من ماء وكهرباء واتصالات، لافتا إلى أن الحكومة السورية تمكنت من فتح الافران وترميم بعض المدارس وبعض المرافق الحكومية لاستئناف الحياة في هذه البلدة التي حررها الجيش من الإرهاب.
وقال العلي "عندما دخلنا بلدة عين ترما كان هناك حوالي 20 الف نسمة، والان هناك 40 الف نسمة وبعد الانتهاء من العام الدراسي هناك عدد كبير من الاهالي سيعودون"، مبينا أن بلدة عين ترما قبل بداية الاحداث كان فيها حوالي 150 الف نسمة.