بكين 30 إبريل 2019 / لم تكن السينما الصينية بعيدة عن النهضة والتقدم الكبيرين اللذين طالا شتي المجالات بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في البلاد وتجسدت في بلوغ الصين الجانب المظلم للقمر، حيث دخلت بكين عصر الإنتاجات السينمائية الضخمة في أفلام الخيال العلمي مع تسجيل أولى أفلامها في هذا المجال (الأرض المتجولة) إيرادات قياسية تجاوزت 680 مليون دولار على مستوى شباك التذاكر حول العالم.
وفي 29 إبريل، عُرض الفيلم اللبناني "كفر ناحوم" على نطاق واسع في دور السينما بأنحاء الصين، ما جلب عنصرا جديدا على صناعة وسوق الأفلام الصينية وكذا التعاون الصيني العربي في هذه الصناعة الثقافية.
--"كفر ناحوم" يجلب عنصرا جديدا على السينما الصينية
اتجهت أنظار عشاق السينما من الجماهير العربية في بداية العام 2019 لمتابعة فعاليات حفلي الأوسكار والغولدن غلوب، ونبع الاهتمام العربي هذا العام بشكل خاص من ترشح الفيلم اللبناني "كفر ناحوم" للجائزتين في فئة أفضل فيلم أجنبي.
وفي يوم 10 إبريل، نشرت إدارة الأفلام الوطنية الصينية موافقتها على عرض هذا الفيلم العربي في دور السينما بأنحاء البلاد.
وخلال الأعوام العديدة الماضية، هناك ثمانية أفلام عربية وصلت العالمية بمستواها الفني وحصدت جوائز عالمية، وعلى رأسها الفيلم المصري "إسكندرية ليه؟" في 1978، أول أفلام السيرة الذاتية التي أخرجها المخرج المصري يوسف شاهين، في سلسلة استمرت عقب ذلك في أفلامه "حدوتة مصرية" و"إسكندرية كمان وكمان" و"إسكندرية نيويورك"، وقد حصد الفيلم - بحسب الموقع الرسمي لمهرجان برلين السينمائي الدولي- جائزة الدب الفضي "جائزة خاصة من لجنة التحكيم".
وفضلا عن ذلك، فاز الفيلم الجزائري "وقائع سنين الجمر" بجائزة أفضل فيلم "السعفة الذهبية" في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1975، وحصد الفيلمان الفلسطينيان "الجنة الآن" في 2005، و"عمر" 2013، جائزة الغولدن غلوب في فئة أفضل فيلم أجنبي وجائزة أفضل فيلم في مسابقة "نظرة ما" ضمن مهرجان كان السينمائي الدولي على التوالي. وترشح الفيلم الأردني "ذيب" ضمن القائمة النهائية لجوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي.
وفي هذا الصدد، قال شا دان، مدير إدارة الأرشيف السينمائي الصينية إن الأفلام العربية لديها مميزاتها الخاصة، منوها إلى الجودة العالية التي اتسمت بها الأفلام المصرية في سبعينات القرن الماضي وإلى أن الصينيين من كبار السن مازالوا يذكرون جيدا فيلمين مصريين عرضا من قبل في الصين وهما "وفاء للأبد" لعام 1959 و"الصعود إلى الهاوية" لعام 1978، حتى إن بعضهم يستطيع ترديد الأغاني التي جاءت فيهما.
وفي السنوات الأخيرة، ركزت الأفلام العربية على المعاناة اليومية للاجئين والمواطنين العاديين في المنطقة على نحو أثار في النفوس مشاعر عميقة. وأكد شا دان أن هذه الأفلام لديها مكان مهم في تاريخ الأفلام ودفع التفاهم والمشاعر الإنسانية للبشرية بأسرها. ورأى أن بعض الدول العربية، مثل مصر ولبنان والجزائر والأردن، تمكنت من إعادة نهضة صناعة السينما لديها تدريجيا وحققت أوجه تقدم في هذا المجال، مشيرا إلى أن "الصين لديها سوق هائلة ضخمة للأفلام الأجنبية، وتقبل على عرض المزيد من الأفلام العربية لأن الحضارات العربية ساحرة وجذابة للغاية بالنسبة للصينيين".
-- "سوق الصين العظيم" للأفلام
وقد مثل فيلم "الأرض المتجولة" للمخرج الصيني الشاب قوه فان، "فجرا جديدا لصناعة السينما الصينية"، حيث يعتبر هذا الفيلم، المقتبس من رواية قصيرة للكاتب الصيني "ليو تسي شين"، نقلة في آلية تناول مستقبل الأرض من زاوية الخيال العلمي، حيث لم يعد الأمر مقصورا على الدول الغربية، وبات الاهتمام بالمسألة متنوعا ومتعددا.
ومع كثرة التكهنات حول مستقبل الكرة الأرضية، اهتمت السينما الصينية عن طريق فيلم الخيال العلمي "الأرض المتجولة" بهذا المستقبل، من خلال سرد قصة لمجموعة من رواد الفضاء والمهندسين الذين يعملون لإنقاذ الأرض من انفجار وشيك للشمس من شأنه أن يدمر كوكب الأرض بالكامل.
ونظرا للنجاحات الكبيرة التي حققها الفيلم، تم إدراجه ضمن قائمة أعلى 20 فيلما من أفلام الخيال العلمي من حيث الإيرادات على الإطلاق، فيما أعلنت شركة (نيتفليكس) الأمريكية هذا الشهر شراء حقوق عرض الفيلم، وهو ما ينقل أول فيلم خيال علمي صيني إلى الجمهور العالمي.
وجاء أول عرض للفيلم في الخامس من فبراير الماضي، الذي وافق اليوم الأول من العام الصيني الجديد، حيث حقق إيرادات وصلت إلى نحو 405 ملايين يوان (2.7 مليون دولار) في الأسبوع الأول من عرضه داخل الصين فقط، ما جعله في طريقه ليصبح أكثر الأفلام نجاحا في التاريخ على الإطلاق.
ويؤكد قوه فان المخرج الصيني الشاب (39 عاما) لفيلم "الأرض المتجولة" أن التكنولوجيا وحجم الاستثمارات لا يشكلان السبب الرئيسي وراء نجاح أي فيلم، وإنما العواطف الإنسانية الكامنة في جوهره، مشيرا إلى أن خروج هذا العمل إلى النور لم يكن سهلا، لاسيما وأن صناعة السينما الأمريكية تتمتع بخبرة تصل إلى 50 عاما في هذا المجال.
وأضاف قوه فان "حقا، كل شيء صعب في بدايته. لم نكن نملك تكنولوجيا متقدمة مثل تلك المستخدمة في فيلم (أفاتار)، لذا عملنا بأيدينا، من خلال التعديل اليدوي المتكرر. فهناك صورة واحدة (في الفيلم)، قمنا بتعديلها 251 مرة. ويوجد في الفيلم أكثر من 4 آلاف لقطة من التأثيرات الرقمية مثل تلك المتعلقة بمحطة الفضاء، ومحرك الأرض، وإحراق كوكب المشترى".
وأوضح قوه فان الطابع المميز لفيلم "الأرض المتجولة"، إذ إنه بدلا من "البطولة الشخصية" التي دائما ما تقود أفلام هوليوود، ركز الفيلم الصيني على مصير الجنس البشري من وجهة نظر شرقية، مثل قوة الرجال العاديين والقوة الجماعية والانتماء للوطن، معتبرا أن القيم الجوهرية الشرقية هي التي جذبت المشاهدين.
وقد احتاج مخرج العمل إلى استئجار 8 إستوديوهات عالمية ضخمة في منطقة التصوير بمدينة تشينغداو شرقي الصين لبناء زنزانة، وغطاء جليدي على الأرض، ومحرك كوكبي، ومحطة فضائية، بمساحة إجمالية تصل إلى 100 ألف متر مربع، أي ما يعادل مساحة 14 ملعبا لكرة القدم.
وتشتهر مدينة تشنغداو الصينية بوجود 40 استوديو، من بينها: استوديو عملاق مساحته 10 آلاف متر مربع وهو الأكبر في العالم، بالإضافة إلى مسبح في الهواء الطلق، وأكبر استوديو داخلي في آسيا تحت الماء بدرجة حرارة ثابتة، فيما عمل بهذه الإستوديوهات العشرات من فرق المؤثرات الصوتية، والمونتاج، والرسوم المتحركة، والدعائم اللوجستية وتصميم الملابس، وكذلك ورش تجهيز المعدات.
وعلق الممثل الأمريكي "مات وليام نولز" على الفيلم قائلا لـ((شينخوا)) "إن الأرض المتجولة فيلم ممتاز، وقفزة إلى الأمام في تقديم إنتاج ذي جودة، ورواية قصص جيدة، وعرض مؤثرات بصرية ممتازة لا تخرجك من روح القصة"، ما يجعل من هذا الفيلم حدثا ثقافيا لم يسبق له مثيل في البلاد.
وتم عرض الفيلم في أسواق خارجية مثل أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا، ووصلت إيراداته في شباك التذاكر في الأسبوع الأول إلى 263 ألف دولار، وهي الأعلى في السنوات الأخيرة للأفلام الصينية. ونال الفيلم شهرة واسعة مع تناوله من قبل وسائل الإعلام الأجنبية والجمهور الأجنبي الذي شاهده، حيث نشرت صحيفتا ((نيويورك تايمز)) و((الفايننشال تايمز)) تقارير خاصة عنه، قالت فيها إن "صناعة السينما الصينية انضمت أخيرا إلى سباق الفضاء، وأفلامها تتناول قيما تختلف عن الغرب".
ورغم أن الطريق لايزال طويلا أمام صناعة السينما الصينية، إلا أن هناك بوادر مبشرة، فبنهاية عام 2018، تجاوزت إيرادات شباك التذاكر في البر الرئيسي الصيني 60 مليار يوان (نحو مليار دولار)، بزيادة نسبتها 9% عن العام السابق، فيما حققت ستة أفلام صينية خلال العام الماضي أكثر من 500 مليون دولار في شباك التذاكر الصيني.
وحول مستقبل صناعة السينما الصينية، ترى شبكة (سي إن إن) الأمريكية أن البر الرئيسي الصيني يحظى بعدد أكبر من دور العرض مقارنة بأمريكا الشمالية، وأن السوق الصينية ستصبح في المستقبل أكثر جاذبية للأفلام الأجنبية، متوقعة أن تصبح الصين أكبر سوق للسينما في العالم في السنوات القادمة.
وأكدت الشبكة العالمية أن الصين لديها بالفعل صناعة أفلام قوية تبلغ تكلفتها الإجمالية مليارات الدولارات وتنتج مئات الأفلام كل عام، لاسيما لجمهور محلي كبير ومتزايد، لافتة إلى أن "الأرض المتجولة" الذي لاقى أصداء إيجابية يمكن أن يخلق نوعا جديدا من صناعة الأفلام الصينية.
وتوقع النائب الأول لرئيس شركة إس كيه جلوبال "شيان لي"- في تصريح لـ((شينخوا))- رؤية المزيد من المحتوى الرائع والمجالات المتميزة في مجال صناعة الأفلام مع نضوج السوق الصينية، لاسيما في ظل النجاحات الأخيرة في مجال الخيال العلمي.
وبفضل المجهود والرؤية المتميزة التي يقدمها "الأرض المتجولة"، جاءت إشادات من مختلف القطاعات سواء داخل الصين أو خارجها، والتي دفعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ للحديث في إحاطة دورية أمام الصحفيين الأجانب والصينيين بمقر الوزارة عن الفيلم قائلة: "أعلم أن أهم فيلم الآن هو الأرض المتجولة، لا أعرف ما إذا كنتم شاهدتموه أم لا، أوصيكم بمشاهدته". /نهاية الخبر/