غزة 29 أكتوبر 2019 (شينخوا) لا يزال استمرار غياب التوافق الداخلي يشكل باعثا على التشاؤم لدى الفلسطينيين بقرب إجراء أول انتخابات لهم منذ عام 2006 وسط إجماع على أن إعلان النوايا الحسنة للفصائل غير كاف.
وكلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر في السابع من أكتوبر الجاري ببدء التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية وإجراء الاتصالات اللازمة لذلك مع القوى والفعاليات والفصائل والجهات المعنية.
وقال عباس في حينه، إن الانتخابات التشريعية سيتبعها بعد بضعة أشهر الانتخابات الرئاسية، وفق القوانين والأنظمة المعمول بها.
وأجرى ناصر على رأس وفد من لجنة الانتخابات أمس (الإثنين) مباحثات مع قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وممثلي فصائل أخرى في غزة لبحث إجراء الانتخابات.
وعقب اللقاء مع وفد لجنة الانتخابات، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عن تمسكها بإجراء انتخابات شاملة تشمل الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وأجريت آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في يناير عام 2006 وأسفرت في حينه عن فوز حماس بالأغلبية البرلمانية، فيما كان سبق ذلك بعام آخر انتخابات للرئاسة وفاز فيها عباس.
وظلت حركتا التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحماس تتبادلان اتهامات على مدار السنوات الماضية بشأن المسئولية عن تعطيل إجراء انتخابات جديدة.
وبناء على التجارب السابقة، فإن الشاب محمد الغرابلي (26 عاما) من مدينة غزة، يقول لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنه غير متفائل في إمكانية إجراء انتخابات قريبا "لأن السياسيين مستفيدون من الانقسام ولن يتخلوا عن مناصبهم بكل سهولة".
ويظهر الغرابلي حسرته كحال أقرانه من الشباب الفلسطينيين إزاء استمرار تعطيل إجراء انتخابات جديدة "في وقت نرى الشعوب كلها تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية بشكل دوري، ونحن محرمون من صندوق الاقتراع".
ولم تختلف الطالبة الجامعية رواء العقاد (19 عاما) بإظهار تشاؤمها، مع تأكيدها أن الجيل الفلسطيني الجديد تواق لممارسة الديمقراطية واختيار من يمثلهم في الحكومة والمجلس التشريعي والرئاسة.
وتتساءل العقاد بحسرة في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن كنا نفشل في انجاح الحياة الديمقراطية وإجراء انتخابات على مستوى مجالس الطلبة ولا تتم إلا بصعوبة بالغة، وغالبا ما تكون غير نزيهة، فكيف سيكون الحال على مستوى الوطن؟".
وفي حال جرت الانتخابات، فإن هذه الشابة تفصح بأنها لن تنتخب أي من حركتي فتح وحماس، وتفضل أن تتجه تيار آخر "يؤمن بالدولة المدنية وتساهم بشكل كبير في استثمار الطاقات الشبابية بدلا من استخدام مبدأ العقاب للمخالفين لهم في الرأي".
وتسبب الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي بدأ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة بتعطيل أي مظاهر للديمقراطية وغياب الانتخابات العامة وسط خلافات حزبية مستمرة.
وإلى جانب ممثلي الفصائل، اجتمع وفد لجنة الانتخابات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني، حيث أفاد مصدر بأن اللقاءات سادها التشاؤم خاصة بعد مناقشة التفاصيل الاجرائية لتنفيذ الانتخابات في الأراضي الفلسطينية.
وقال المصدر إن "الشيطان يكمن في التفاصيل فلم يتم الاتفاق بشكل نهائي على الاجراءات اللازمة لتنفيذ الانتخابات وانجاحها"، منوها إلى أن العقبة الأساسية التي تكمن في ماهية القانون الذي سيتم الاستناد إليه في تنفيذ الانتخابات.
وهذه التفاصيل ذاتها، تدفع مدير مركز مسارات في الضفة الغربية نهاد أبو غوش، أن يميل إلى "عدم التفاؤل" في البدء بالإجراءات والتحضيرات الحقيقية للانتخابات في الأراضي الفلسطينية.
ويقول أبو غوش لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه " تم طرح الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام، وغالبا ما تعلنه كل من فتح وحماس، لكن كل من حماس وفتح لم يصلا بعد إلى مرحلة التنفيذ الحقيقي لإنهاء هذا الانقسام من خلال الانتخابات".
ويضيف أن من أهم المعوقات التي تعزز من نظرته "التشاؤمية"، هي استمرار التدخلات الدولية في الشأن الفلسطيني فكل طرف من طرفي الانقسام له أجندته الخاصة وله مموله الخاص، منوها إلى أنه لم يتم التخلص من أصحاب المال ليستقل القرار الفلسطيني.
إلا أن أبو غوش يعتبر بأن الاعلان عن رغبة المنقسمين بإجراء الانتخابات لم يأت برؤية وطنية، بقدر ما هي حاجة إليها لكسب ثقة الدول المانحة، وخاصة فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية التي تتلقى دعما ماليا من مانحين غرب، ووفقا للقوانين الغربية فإنهم لا يقدمون الدعم لسلطة غير منتخبة وتأخذ الطابع الشرعي بشكل أساسي.
وشهدت الأراضي الفلسطينية منذ قدوم السلطة إلى قطاع غزة عام 1993 جولتي انتخابات رئاسية أحدها كانت في 1996، حينها تم انتخاب الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا للبلاد، وفي عام 2005 التي تم انتخاب الرئيس محمود عباس خلفا لعرفات.
في حين جرت الانتخابات التشريعية في المرة الأولى عام 1996 حيث فازت فيها فتح دون منافس، وفي عام 2006 حيث حصدت حركة حماس غالبية المقاعد البرلمانية في ذلك الوقت.
من جانبه يرى الخبير في القانون الدولي عبد الكريم شبير، أن عقبات كبيرة تواجه الانتخابات والتي تتمثل في أي من القوانين التي ستستند عليها الانتخابات هل هو قانون رقم 13 لعام 1995، والذي يعتمد على نظام الدوائر ويعتبر أن الوطن كله 16 دائرة انتخابية، أم على قانون الانتخابات رقم 9 الصادر عام 2005 والذي جعل الانتخابات تتم على أساس 50 في المائة على نظام الدوائر و50 في المائة على نظام القوائم.
ويشير شبير لوكالة أنباء ((شينخوا))، إلى أن الخيار الأخر إجراء الانتخابات على قانون الانتخابات رقم 1 الصادر عام 2007 والذي اعتبر أن الانتخابات تجري على نظام القائمة 100% على اعتبار أن الوطن كله دائرة واحدة.
ويضيف أنه من أهم العقبات التي تواجه العملية الانتخابية هو القضاء الذي سيبت فيها، إضافة إلى الأمن الذي سيحرس صناديق الاقتراع وأيضا احتمالية قبول الأطراف بالنتائج أي كانت.
إلا أنه في الوقت ذاته يتمسك بجزء من التفاؤل في نجاح العملية الديمقراطية أخيرا في الأراضي الفلسطينية، إذا ما توفرت الارادة الحقيقية لدى الأطراف المنقسمة، مشددا على أن حماس قدمت كل السبل الممكنة لإنجاحها وأصبحت الكرة السياسية لدى زعماء الفصائل.