أكد الرئيس الامريكي دونالد ترامب في خطاب متلفز يوم 8 يناير الجاري، أنه لم يصب أي أمريكي في الضربات الإيرانية التي استهدفت القواعد العسكرية الامريكية في العراق. وأعلن عن أن أمريكا ستفرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، لكنها أيضًا على استعداد للتعاون مع الاخيرة بشأن المصالح المشتركة. وقد وضع هذا التصريح مكابحًا للوضع المتصاعد بين امريكا وإيران خلال الأيام القليلة الماضية.لكن في الوقت نفسه، أثار السؤال حول الهدف من مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قبل بضعة أيام؟ وهل تحقق الهدف؟
وفسر الجنرال الأمريكي السابق ديفيد بترايوس، قائد عسكري أمريكي سابق في العراق وأفغانستان هذا بقوله، إن ترامب يرغب في "إعادة بناء الردع" عن طريق قتل قاسم سليماني. وفي وقت سابق، اتهمت الولايات المتحدة إيران بأنها مسؤولة عن الهجوم على منشآت حقول النفط السعودية وحصار السفارة الأمريكية في العراق، لكنها لم تتخذ أي إجراء. وإن مقتل سليماني هو رسالة حادة من الولايات المتحدة إلى إيران، مفادها أنها لن تتسامح مع مثل هذه الاستفزازات.
يعتقد لو روي، أستاذ بالجامعة الوطنية للدفاع الصينية، أن قتل قاسم سليماني يشبه معركة نفسية تم التخطيط لها بعناية على مدار أشهر. وفي مفهوم الجيش الأمريكي للحرب النفسية، فإن أي عمل عسكري له آثار نفسية محتملة للتأثير على الجماهير الأجنبية. ومن الواضح أن مقتل سليماني لا يؤثر نفسيا على إيران فقط، وانما سيؤدي إلى آثار نفسية قوية على الأعداء الآخرين لأمريكا ايضا. ولكن هل هذه العملية حقًا حرب نفسية؟ أو هل أنها حرب نفسية ناجحة؟
أشار لو روي إلى أنه من وجهة نظر اختيار الهدف، فإن قتل قادة العدو يؤدي الى شل قيادة الخصم وتشكيل تأثير رادع على العدو، وهذا تكتيك شائع في القتال. ومع ذلك، يرى لو روي أن هناك بعض المشاكل في اختيار الجيش الأمريكي قاسم سليماني كهدف للقتل هذه المرة، لان سليماني شخصية سياسية وعسكرية مهمة في إيران وله تأثير هائل بين الشعب الإيراني، وقتله هو بمثابة إعلان الحرب على إيران.
يجب أن نعرف أن قتل مسؤول عسكري رفيع المستوى في بلد ذي سيادة له آثار ونتائج مختلفة تمامًا عن القضاء على قادة المنظمات الإرهابية مثل بن لادن أو البغدادي. ويوضح الرد الأمريكي على الفعل الانتقامي الإيراني بانها مترددة في الدخول في حرب شاملة مع إيران، لكنها اختارت سليماني كهدف خيارًا مكافئًا لإعلان الحرب.
انطلاقًا من الجمهور المستهدف، يعتقد لو روي، أنه يعتمد نجاح الحرب النفسية على التحليل الدقيق والفهم لنفسية الجمهور المستهدف وعاطفته. وامريكا قد شاهدت الضغوطات الاقتصادية الأخيرة على إيران، وخاصةً الأشخاص الذين خرجوا الى الشارع بسبب الضعف الاقتصادي وعدم الرضا عن ظروفهم المعيشية الخاصة، وبالتالي، فإن أمريكا ترى أن الشعب الإيراني لم يعد يدعم الحكومة كما فعل خلال الحرب العراقية الإيرانية قبل عقود، وأن النظام الإيراني سيكون مترددًا في الرد على هذه الحملة الأمريكية. ومع ذلك، من رد الفعل الفعلي، من الواضح أن الأميركيين أساءوا الحكم. فبعد مقتل سليماني، أبدت إيران سخطًا كبيرًا تجاه الولايات المتحدة ودرجة عالية من الوحدة، وقد تعزز التماسك القومي الإيراني بشكل كبير بالعنف الأمريكي.
ومن ناحية تحقيق التأثير المتوقع، اشار لو روي، إلى أن نجاح الحرب النفسية يعتمد في النهاية على ما إذا كان هدف الحرب النفسية المحدد مسبقًا قد تحقق. مضيفا، إذا كانت خطوة واشنطن تهدف الى إيقاف الفوضى في الشرق الأوسط وتوطيد ثمار حروبها في العراق وأفغانستان من خلال الحرب ضد إيران، إذن النتيجة هي أن الانتقام الإيراني قد ارتفع بشكل كبير وأن المشاعر المعادية للولايات المتحدة قد ارتفعت أيضًا، وأصدر البرلمان العراقي قرارًا يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وربما لا تكون هذه هي رغبة الولايات المتحدة الأصلية. وإذا كانت الخطوة بهدف ردع إيران ووكلائها، فإن التطورات التي تلت مقتل سليماني تشير إلى أن إيران والقوات الأخرى المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تعزز لهجتها الانتقامية فحسب، بل بلغت التخطيط للأعمال الانتقامية ايضا. ومن الواضح أن هذا ليس الهدف من هذه "العملية الرادعة" في واشنطن.
يعتقد لو روي، أنه بغض النظر عن اختيار الهدف، أو التحليل النفسي للجمهور المستهدف، أو إدراك التأثير المتوقع، فإن قتل سليماني لم تكن حربًا نفسية ناجحة، وكانت نتائجها عكسية. مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى فشلها في "الحرب النفسية"، فإنه من الناحية القانونية، طبيعة مقتل قاسم سليماني تمثل انتهاكا صارخا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي. وإيران كسبت تعاطف الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، لكن الولايات المتحدة دفعت نفسها إلى وضع يشعر فيه الناس بالاشمئزاز. ومن الناحية النفسية، تسببت هذه العملية في إصابة السكان المحليين في أمريكا بأكبر حالة من الذعر منذ حادثة 11 سبتمبر. وبطريقة ما، تحول الزخم إلى إيران منذ اللحظة التي تم فيها تنفيذ مقتل سليماني. ولم ينزع الجيش الإيراني سلاحه كما قال ترامب بعد الانتقام من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، لكنه احتفظ باحتمال المزيد من الانتقام. وبغض النظر عن مدى قوة امريكا، هل هي مستعدة حقًا لمواجهة الأعمال الانتقامية التي قد تتخذها إيران والقوات الأخرى المناهضة لأمريكا في الوقت والمكان والأهداف غير المؤكد؟
ويخلص لو روي، إلى أن إدارة ترامب استطاعت القيام بما لم تجرؤ القيام به الحكومتان السابقتان لأمريكا. مضيفا، أنه بالنسبة للعديد من المحللين فإن مقتل سليماني له أهمية سياسية معينة لإعادة انتخاب الرئيس الحالي، ولكن بالنسبة للشعب الأمريكي، وخاصة الأفراد والقوات في الخارج، فإن المزيد من المخاوف الأمنية العالقة. وتعتبر الحرب النفسية عملا مخططا يهدف الى نقل معلومات محددة إلى الخصم لتغيير مشاعره ومواقفه وآرائه وسلوكياته حتى تلائم مصالح منفذ الحرب. ومن هذه المنظورات، كانت عملية واشنطن هذه متهورة وخاطئة بشكل واضح. حيث أن مقتل سليماني لم يغير الموقف المعادي للخصم فحسب، بل أدى أيضًا إلى تقوية وتعزيز إرادة الخصم في القتال. وخلق جواً من التشكيك بين بعض المحللين أيضا في أن هذه العملية لم تنجع إلا في خلق الشعور بعدم الامن عند الشعب الأمريكي، وجعل الشعب الأمريكي في حالة عدم يقين كبيرة من خلال إجراء محدد على ما يبدو. وانطلاقًا من قلق ومخاوف الرأي العام الأمريكي، يبدو أن الهجوم الذي قامت به إيران على القاعدة العسكرية الامريكية في العراق بداية لحرب نفسية مضادة على أمريكا، وتأثيرها ليس سيئًا.