أنقرة 2 يناير 2020 (شينخوا) قال خبراء إن قرار تركيا إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، يهدف إلى كسر عزلتها في منطقة شرق المتوسط وحماية مصالحها.
وحصل مشروع القانون الخاص بتفويض الحكومة بنشر قوات في ليبيا لمدة عام على الضوء الأخضر من البرلمان خلال جلسة طارئة اليوم (الخميس)، وذلك على الرغم من تحذير بعض الأحزاب المعارضة من أن هذا القرار يعرض حياة الجنود الأتراك إلى الخطر ويفاقم الحرب بالوكالة في ليبيا.
جاءت هذه الموافقة أسرع من المتوقع، حيث كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذكر الأسبوع الماضي أنه سيسعى للحصول على موافقة البرلمان على مشروع القانون بعد استئناف البرلمان عمله في 7 يناير.
ولكن أشارت مصادر مطلعة إلى أن النزاع الليبي قد يتفاقم سريعا ويهدد المصالح التركية هناك، ما دفع أردوغان نحو تقديم موعد الحصول على موافقة البرلمان.
والسبب الآخر في استعجال أردوغان الحصول على موافقة البرلمان هو أنه يريد أن يكون مستعدا للاجتماع المقرر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 8 يناير في اسطنبول.
ونص مشروع القانون على أن يقرر الزعيم التركي الأمور المتعلقة بحجم وتوقيت ونطاق عملية النشر.
وأعلنت أنقرة حديثا أن عملية ليبيا من الممكن أن تضم قوات استجابة سريعة فقط دون قوات مقاتلة، ولكن يعتقد الخبراء أن هذه قد لا يكون نظرا لأن التفويض يسمح بخيارات واسعة ومرنة أمام القوات المسلحة التركية.
وقال المحلل السياسي التركي سيركان ديمرداش إن "نطاق مشروع القانون يتجاوز كونه مهمة غير قتالية"، مضيفا أن هذه المهمة العسكرية أصبحت ضرورية للمصالح الوطنية التركية وستتعامل مع الأهداف طويلة الأجل بشأن الدور التركي في البحر المتوسط.
وتتقاتل حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من أنقرة، مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يسعى إلى السيطرة على العاصمة الليبية.
وأوضح مصدر قريب من الحكومة رفض الإفصاح عن هويته أن "الدفعة الأولى من القوات من المحتمل إرسالها في يناير، وستساعد حكومة الوفاق الوطني في التدريب العسكري والاستخبارات."
وقال أردوغان، الذي ذكر بعض المراقبين أنه من الممكن أن يرسل متمردين سوريين إلى ليبيا، إن روسيا أرسلت أيضا آلاف المرتزقة لدعم حفتر.
وذكر أويتون أورهان، منسق بمركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، ومقره أنقرة، أن "تركيا لديها مصالح استراتيجية واقتصادية حيوية في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي وتوجد منافسة متزايدة على هذه المصادر."
وتابع أورهان "لكن فُرضت على تركيا العزلة من جانب خصومها الإقليميين الرئيسيين، اليونان ومصر وإسرائيل، وبالتالي تحتاج أنقرة إلى حلفاء جدد في المنطقة، ولهذا وقعت على اتفاقية ترسيم حدود بحرية واتفاقية أمنية مع ليبيا لكسر تلك العزلة."
وتوافقت رسالة أردوغان بمناسبة العام الجديد مع طرح أورهان، حيث قال أردوغان "المشروعات الرامية إلى عزل تركيا بشكل كامل عن البحر المتوسط أُجهضت تماما نتيجة خطواتنا الأخيرة."
ويتزايد اعتماد تركيا في سياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة على قدراتها العسكرية، وهي الدولة التي يعد جيشها ثاني أكبر الجيوش بين أعضاء الناتو. وتجلى هذا في إرسال قوات إلى سوريا وإقامة قواعد عسكرية في قطر والصومال، سعيا من أنقرة لتعزيز نفوذها الإقليمي وخلق قوة ردع لمنافسيها.
ووجدت تركيا في حكومة الوفاق الوطني حليفا له قيمته الكبيرة، لأنها أقرت بمطالب تركيا الإقليمية في شرق المتوسط، في الوقت الذي تسعى فيه اليونان وقبرص لبناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
واُستبعدت تركيا العام الماضي من منتدى غاز شرق المتوسط، وهي كتلة أسستها قبرص واليونان وإسرائيل والأردن وفلسطين ومصر وإيطاليا، بهدف دعم التعاون في تعزيز استغلال مخزونات المنطقة من الغاز الطبيعي.
وفي هذا السياق، كما يرى أورهان، تعد حكومة الوفاق الوطني أحد الأطراف الإقليمية القليلة الباقية لدعم مصالح تركيا الحيوية في شرق المتوسط، وتركيا من جانبها حريصة على حماية الاتفاقيتين مع حكومة الوفاق.
في السياق ذاته، أجرى أردوغان الأسبوع الماضي زيارة مفاجئة إلى تونس، جارة ليبيا من جهة الغرب، حيث ناقش هناك سبل إنهاء الأزمة، لكنه لم يتلق دعما واضحا فيما طرحه.
وتشعر تركيا بوحدتها في المنطقة جراء تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على أنقرة على خلفية أنشطة التنقيب التي تحميها الزوارق الحربية التركية في المناطق قبالة سواحل قبرص.
وفي سياق متصل، مرر الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي مشروعي قانونين في إجراء جرى بموجبه رفع حظر السلاح المفروض على قبرص، في اعتراض على أنشطة تركيا في البحر المتوسط وفي سوريا التي شنت فيها أنقرة في أكتوبر ثالث عملية عسكرية عابرة للحدود منذ 2016 رغم انتقادات حلفائها الغربيين.
وكتب المحلل السياسي زكريا قورشون في مقال بصحيفة ((يني شفق)) الموالية للحكومة التركية "ليبيا مسألة حياة أو موت بالنسبة لتركيا."
وتابع قورشون "قضية ليبيا ليست مسألة عاطفة أو رغبة في التوسع أو شهوة جامحة إلى القوة أو بطولة فردية. إنها قضية وجودية ومسألة تمس سياسة الدولة."
وفي الوقت الذي أشاد فيه الخبراء الأتراك بالاتفاق البحري بين طرابلس وأنقرة بشأن إقامة منطقة اقتصادية خالصة من الساحل الجنوبي لتركيا على المتوسط إلى ساحل ليبيا الشمالي الشرقي على البحر ذاته، إلا أنهم اتخذوا أيضا موفقا متحفظا إزاء نشر قوات في بيئة خارجية مليئة بالمخاطر، ودعوا إلى حلول دبلوماسية لإنهاء الحرب.
ويقول حسن أونال، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مالتيبة في اسطنبول، "على تركيا أن تكون طرفا في الدبلوماسية الدولية الرامية إلى حل الأزمة الليبية، وأن تشارك في جهود المصالحة مع الأطراف الإقليمية."