19 يناير 2020/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ كما هو الحال بالنسبة للمسلمين مع عيد الفطر وعيد الإضحى أو عطلة عيد الميلاد بالنسبة للمسيحيين، تعتبر عطلة رأس السنة القمرية الصينية الجديدة أو ما يُعرف بعيد الربيع عطلة عزيزة على قلوب الأسر الصينية، حيث يتم فيها الإحتفال بلم الشمل، ويقوم الناس بزيارة أقاربهم وأصدقائهم. وتبدأ التحضيرات والاستعدادات لهذا العيد مع بداية منتصف آخر شهر قمري في السنة، حيث تعم البهجة في كل مكان ويزداد الترقب والحماس لدى الناس للاحتفال بالعيد.
ومن بين العادات المحببة لدى الصينيين خلال فترة التحضيرات للعيد هي التوجه للأسواق، والتي عادة ما تكون مزدحمة ومليئة بـ "سلع السنة الجديدة"(年货)، مثل جميع الديكورات لتزيين المنازل، بالإضافة إلى كل ما هو تقليدي وله رمزية ثقافية تدل على الحظ السعيد. ولأن معظم شركات البيع بالتجزئة تغلق أبوابها قبل أيام قليلة من بداية العطلة، تقوم العائلات الصينية بشراء وتخزين الكثير من المواد الغذائية والوجبات الخفيفة مسبقا.
من بين المفاهيم الثقافية الأخرى المحببة للناس هو ”طرد القديم واستقبال الجديد“. حيث يقوم الناس بتنظيف منازلهم بشكل جيد، ويسوّون ديونهم ويتصالحون مع بعضهم، وما إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى شراء السلع الجديدة ولا سيما الملابس، والتي يدل ارتداؤها يوم العيد على تبديد سوء الحظ وإفساح المجال لبداية جديدة، وعادة ما تكون هذه الملابس حمراء، لأن اللون الأحمر في الثقافة الصينية هو دليل على الحظ السعيد، ومع اقتراب فترة العيد يطغى هذا اللون على بقية الألوان، فأينما ذهبت وأينما حللت ستجده أمام ناظريك، سواء في الأسواق أو في الشوارع أو حتى داخل البيوت وخارجها.
وخلال هذه الفترة تكون الأسواق مزدانة بكل ما لذ وطاب فهي عادة ما تكون كثيرة النشاط والحيوية ومليئة بالناس السعداء الذين يأتون من كل حدب وصوب لشراء ما يحتاجون إليه أو ربما للاطلاع على كل ما هو جديد فقط. ومثلما هو الحال بالنسبة للأسواق فإن الشوارع تكون مماثلة أيضا، إذ أنها تكتسي هي الأخرى بحلة حمراء من الفوانيس التي تضيء ليلها وتزين نهارها.
يذهب الناس لهذه الأسواق لشراء الملابس الجديدة ولشراء الهدايا لأقاربهم بالإضافة إلى مختلف الأطعمة والمكسرات والفواكه والحلويات والفوانيس وأدوات الزينة للمنازل إلى غير ذلك من الأشياء الأخرى المرتبطة بهذه المناسبة السعيدة. ومثلما هو الحال في بعض الدول الغربية خلال فترة احتفالاتهم بالأعياد، تكون هناك تخفيضات هامة في الأسواق الصينية خلال فترة اقتراب عيد الربيع.
وإذا كان ارتداء الملابس الجديدة تعبير عن الفرحة والسرور بقدوم العيد بالنسبة للكبار فإن الحلويات تظل أكثر شيء يضفي البهجة على قلوب الصغار والشباب. وهناك مثل صيني يقول "كلما أكلت حلويات أكثر كلما جنيت أموالا أكثر".
إن كلمتي ”كعك“ و”أعلى“ في اللغة الصينية كلاهما تنطقان ”قاو“ وهناك طلب كبير على مختلف الحلويات التي يتم إعدادها بطريقة تقليدية أثناء عملية الشراء. أحد هذه الحلويات عبارة عن كعكة أرز لزجة محلاة تدعى ”نيان قاو" (年糕) وتعني حرفيا ”كعكة رأس السنة الجديدة“، والتي تمثل التعبير الميمون ”نيان نان قاو شنغ“ ، بمعنى ”سنة بعد سنة أعلى من أي وقت مضى“.
من الأطعمة الأخرى التي لديها رمزية كبيرة جدا في الثقافة الصينية هي: الزلابية جياوزي، والتي تدل على لم شمل الأسرة لأن معظم الأسر تقضي ليلة رأس السنة مع بعضها في إعدادها قبل تناولها في منتصف الليل. كما أنها تعبر عن الرخاء لأن شكلها يشبه القطع النقدية الصينية القديمة. لفائف المحشي ولفائف البيض هي أيضا ترمز إلى الثروة لأن شكلها يشبه شكل القضبان الذهبي. إن نطق كلمة ”السمك“ في اللغة الصينية يعني ”يوي“ وهو يشبه نطق كلمتي ”الأماني“ و“الوفرة“. ونتيجة لذلك يتم عادة تقديم سمكة مطبوخة مع نهاية وجبة عشاء رأس السنة القمرية، مما يرمز إلى التطلع لأن يكون العام القادم عام خير ووفرة. أما تقديم دجاجة بأكملها فذلك يرمز إلى الكمال والازدهار. وبسبب طولها، ترمز الشعرية إلى العمر المديد، لذلك من الأهمية بمكان عدم قطعها.
إن الذهاب والتسوق من أسواق رأس السنة الجديدة لا يتعلق بجودة المنتجات وأسعارها فقط، ولكنه يتعلق برمزيتها الثقافية التي تخلدت في الوجدان منذ آلاف السنين. لقد أصبحت هذه العادة تقليدا مفعما بعبق التاريخ، وباتت مناسبة سارة يظهر فيها الشعب الصيني فرحته وسعادته بلم شمل الأسرة.
لكن ومع ذلك يجب المحافظة على التقاليد القديمة في العصر الحديث. وهذا هو السبب في أن معظم المتداولين في الأسواق يعرضون منتجاتهم أيضا على منصات الإنترنت ويسمحون بالدفع الإلكتروني. في مجتمع تبدو فيه التجارة الإلكترونية والهواتف المحمولة جزءًا من حياة كل فرد فينا، فإن مفتاح حماية مثل هذا التقليد الساحر المتمثل في شراء الأشياء الجيدة للعام الجديد هو دمج التكنولوجيا واتجاهاتها المختلفة في هذه الأسواق التقليدية.