بكين 30 أبريل 2020 (شينخوا) قبل أكثر من قرن، صاغ الرئيس الأمريكي آنذاك ثيودور روزفلت، عبارة "منبر التصريحات"، عندما دعا الصحفيين إلى البيت الأبيض لطرح وتبادل أفكاره حول السياسة العامة.
ويستخدم هذا المصطلح عموما لوصف موقع بارز للسلطة، يوفر فرصة للتحدث والاستماع. وبوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم، فإن لدى الولايات المتحدة، دون أدنى شك، قوة لا مثيل لها في التأثير على الرأي العام العالمي، أو تشكيله وفقا لأغراضها الخاصة.
في السنوات الأخيرة، ومع تحول واشنطن إلى تهورٍ غير مسبوق على الساحة الدولية، يبدو أن منبرها الإعلامي الضخم قد أصبح منبرا للتنمر. وأقرب حالة لدينا هي الهجمات الخطابية المستمرة التي يوجهها بعض ساسة واشنطن، إلى الصين بهدف تشويه سمعتها، وسط التفشي المدمر لوباء فيروس كورونا الجديد.
وعلى مدى الأشهر الماضية، يبدو أن بعض السياسيين في الحلقة العليا من الإدارة الأمريكية، من أمثال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والمستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو، نادرا ما يفتحون أفواههم دون التشهير بالصين. وباستخدام نظريات وقحة لا أساس لها، حاولوا الترويج لمؤامرات سخيفة حول أصل الفيروس، واتهموا بكين بالسعي لدور عالمي أكبر، وحاولوا جعل الصين تتحمل المسؤولية عن تفشي الفيروس.
لقد تعاملت واشنطن مع منظمة الصحة العالمية، وهي العمود الفقري لنظام الاستجابة الصحية العامة بالعالم، بأسوأ طريقة. وهذه الإدارة الأمريكية لم تقصف منظمة الصحة العالمية بهجمات لفظية مماثلة فحسب، بل تحركت أيضا لتجريدها من الدعم المالي في وقت تحتاج فيه منظمة الصحة العالمية إلى دعم أكبر، وليس أقل، للقيام بعملها.
إن العقول الرصينة في جميع أنحاء العالم، تدرك أن هؤلاء السياسيين يطلقون حملتهم المضللة اليائسة للتغطية على فشل واشنطن الذريع في الرد على المرض منذ تفشي فيروسه، وتحويل الوباء إلى عذر لإضفاء الشرعية على استراتيجيتهم الهادفة لاحتواء الصين.
ومثلما قام بعض المواطنين الأمريكيين بشرب مواد تبييض معقمة، أو غيرها من مواد التنظيف، بعد أن ألمح البيت الأبيض إلى أنها قد تساعد في قتل الفيروس، فإن هذه الادعاءات الخبيثة لا يمكن أن تقتل الخلايا ذات المنطق السليم في أدمغة بعض الناس، وتودي حتى بالأرواح، فحسب، بل تثير أيضا المخاوف وتؤججها، وتغذي المشاعر العنصرية، وتساعد على زيادة عدم الثقة في العالم وتقويض التضامن، الذي يعتبر أمرا بالغ الأهمية للجهود الحالية للقضاء على الفيروس.
في الحقيقة، إن لواشنطن تاريخا حافلا بإساءة استغلال قوتها لتحقيق سيطرتها بالعالم. وأحد الأمثلة السيئة السمعة هو ما قام به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولين باول، في الأمم المتحدة، واستخدم فيه "أدلة" ملفقة، ليظهر للعالم بأن العراق كان يخفي أسلحة دمار شامل، ثم يمهد الطريق للغزو الأمريكي لذلك البلد بالشرق الأوسط، ولتلك الحرب التي قتلت مئات الآلاف من الناس. وفي وقت لاحق، وصف باول تلك التمثيلية بأنها "وصمة عار" في حياته.
عندما صاغ ثيودور روزفلت، ذلك المصطلح المتعلق بـ "منبر التصريحات" الإعلامية، كان يهدف لاستخدام تأثيره كرئيس لجذب الانتباه، وإلهام شعبه بأفكار سامية.
واليوم، لا يزال بإمكان الولايات المتحدة، بكل قوتها العسكرية والاقتصادية والقدرات التكنولوجية المتقدمة، جذب انتباه العالم بسهولة، ولكن ما فعله أولئك السياسيون في واشنطن، بتشويه سمعة الآخرين في المعركة العالمية عالية المخاطر ضد الوباء، يُظهر أن الولايات المتحدة قد فشلت في الإلهام والقيادة بالطريقة التي ينبغي أن تفعلها قوة عظمى مسؤولة.
هناك حقيقة أو مبدأ في الحياة، يلخصه المثل العربي المشهور "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"، أو مبدأ مع القوة العظيمة تأتي المسؤولية العظيمة. إن مبدأ بيتر باركر هذا، لم يكن مهما ووثيق الصلة كما هو الآن في هذه اللحظة الصعبة، حيث يعاني العالم من وباء خطير بفيروس قاتل أصاب حتى الآن أكثر من 3 ملايين شخص، وأدى إلى وفاة أكثر من 200 ألف شخص حول العالم.
ينبغي على أولئك السياسيين الأمريكيين تطهير أنفسهم من تلك العقليات التي عفا عليها الزمن، والتخلي عن لعبة إلقاء اللوم على الآخرين، وعليهم الانضمام إلى بقية العالم في الجهود الرامية للقضاء على الفيروس، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. وبخلاف ذلك، فإن منبر التنمر لواشنطن لن يؤدي إلا إلى كشف الطبيعة البغيضة والمتسلطة للهيمنة الأمريكية.