قام عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ومملكة البحرين، وتركيا، وإيران، خلال الفترة من 24 مارس حتى 30 من الشهر نفسه، بناء على دعوات من قبل نظرائه في تلك الدول.
يعتقد ليو تشونغ مين، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن التحليل الذي قدمه الراي العام الغربي للعالم بشأن زيارة وانغ يي الى منطقة الشرق الأوسط من منظور جيوسياسي، وأنها لعبة بين الصين وأمريكا في الشرق الأوسط، خاصة، التكهنات بل والاتهامات بشأن التوقيع على خطة التعاون الشاملة بين الصين وإيران، هو نابع بلا شك من سوء فهم الدبلوماسية الصينية في منطقة الشرق الأوسط.
ليس للصين عبء تاريخي جيوسياسي في الشرق الأوسط
تاريخيًا، لم تشارك الصين مطلقًا في المعارك الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وفي العصر الحديث، تعاني الصين مثلها مثل شعوب الشرق الأوسط من عدوان وسيطرة الاستعمار والإمبريالية، وللجانبين تجارب تاريخية مماثلة. وفي الأزمنة المعاصرة، تدعم الصين حركات التحرر الوطني في دول الشرق الأوسط، وشاركت في رعاية المؤتمر الآسيوي الأفريقي وحركة عدم الانحياز، وحماية المصالح المشتركة للعالم الثالث. كما طورت الصين ودول الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، علاقات ودية شاملة، مع تعميق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاقتصادي والتجاري، واتخاذ موقف بناء للمشاركة في التسوية السياسية للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط، ولعب دور بناء في إقناع المحادثات وتعزيز السلام.
لذلك، فإن الصين لا تتحمل عبئًا تاريخيًا من الناحية الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مقارنة بالإرث التاريخي المعقد الذي خلفه استعمار القوى الغربية والإمبريالية في المنطقة. ويعود سبب عدم تمكن القوى الغربية اليوم من التمسك بموقف عادل في شؤون الشرق الأوسط إلى انعدام الأخلاق في سياستها الخارجية كما أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعدم قدرتها على التخلص من العبء الجيوسياسي الذي خلفه التاريخ. وإن المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وحتى إيران هو في الأساس الأعباء الجيوسياسية.
الصين لا تشارك في اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط
هناك ألعاب جيوسياسية معقدة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، لكن الصين لم ولن تشارك فيها أبدًا.
الاولى، اللعبة بين القوى العالمية للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، جوهرها هو الصراع على القيادة العالمية والقوة المهيمنة في الشرق الأوسط. والصين لم ولن تتدخل على هذا المستوى في مواجهة جيوسياسية مع أي دولة رئيسية في الشرق الأوسط على العكس من ذلك، تحافظ الصين بنشاط على قيادة الأمم المتحدة والآليات المتعددة الأطراف الأخرى في شؤون الشرق الأوسط، والتواصل مع الجهات ذات العلاقة، والتنسيق والتشاور، والإصرار على الحفاظ على الإنصاف والعدالة الدوليين، والعمل بنشاط على تعزيز التسوية السياسية للقضايا الساخنة.
في الوقت الحاضر، تزعم بعض الآراء العامة في الغرب أن رحلة وزير الخارجية وانغ يي إلى الشرق الأوسط تهدف الى استخدام منطقة الشرق الاوسط كساحة لـ "تحدي الولايات المتحدة"، ومن الواضح أن هذا تشويه لدبلوماسية الصين في الشرق الأوسط. والصين لا تنوي مواجهة الولايات المتحدة لا على المستوى العالمي، ولا تحديها في منطقة الشرق الأوسط. على العكس من ذلك، تعاونت الصين بشكل مكثف مع الولايات المتحدة في الماضي في القضايا الساخنة مثل مكافحة الإرهاب والأمن البحري في الشرق الأوسط، وأنشأت آلية تشاور صينية أمريكية بشأن شؤون الشرق الأوسط. وفي المستقبل، ترغب الصين في الحفاظ على الاتصالات والمشاورات مع الولايات المتحدة بشأن شؤون الشرق الأوسط.
الثانية، لعبة القوى الإقليمية المتأثرة بتدخل وتأثير القوى الخارجية. إن جوهر تراجع قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة على شؤون الشرق الأوسط، وتحولها إلى تلاعب سياسي، واستمرار اللعبة الجيوسياسية بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط في التعمق، هو تراكب التناقضات المتعددة مثل تناقض التنافس على الهيمنة الإقليمية، التناقضات العرقية والدينية، وتناقض التنافس بين وكلاء القوى الكبرى داخل المنطقة وخارجها.
لكن الصين لم تشارك قط في اللعبة الجيوسياسية للقوى الإقليمية، وتحافظ الصين ودول منطقة الشرق الأوسط على العلاقات الودية والتعاونية، وقد ثبت ذلك بالحقائق. وإن توقيع اتفاقية تعاون شاملة بين الصين وإيران هذه المرة يهدف إلى تعميق التبادلات والتعاون الاقتصادي والثقافي، ولا يستهدف الدول الأخرى. ولدى الصين والمملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل سلسلة من ترتيبات تعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، ولا نستبعد توقيع اتفاقيات تعاون مماثلة مع دول في مناطق أخرى في الوقت المناسب.
الثالثة، لعبة بين القوى داخل وخارج المنطقة حول القضايا الإقليمية الساخنة، مثل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، القضية النووية الإيرانية، الأزمة السورية، قضية اليمن، وغيرها من القضايا التقليدية والناشئة الساخنة. وفي هذه القضايا، لم تكن الصين قط مع فصيل ضد فصيل آخر، ولكن لنبدأ من حيثيات المشكلة لتعزيز التسوية السياسية للقضايا الساخنة، واستكشاف حلول للقضايا الساخنة ذات الخصائص الصينية، وإفساح المجال للدور البناء لدولة كبرى مسؤولة.
أخيرًا، اللعبة الجيوسياسية المحيطة بالشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، وخاصة الانتقال والتنمية لدول الشرق الأوسط منذ "الربيع العربي". وهناك بعض الدول داخل وخارج المنطقة تحاول التدخل في عملية التحول والتنمية لدول الشرق الأوسط، وتتسلل بطريقة مضيئة أو مظلمة، وممارسة السيطرة وحتى التدخل العسكري المباشر.
وفي هذا الصدد، دعمت الصين دائمًا دول الشرق الأوسط في استكشاف مسارات التنمية المستقلة، وعززت التبادلات مع دول الشرق الأوسط بشأن تجربة الحكم، وقدمت المساعدة والدعم في حدود قدرتها، لذلك حازت على الاعتراف العام من دول الشرق الأوسط. وقد ظهر هذا بشكل خاص منذ "الربيع العربي".
تعزيز السلام والتنمية الأمنية في الشرق الأوسط
الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط لم تتغير بزيارة وزير الخارجية وانغ يي إلى دول المنطقة الست التي بالغ فيها الرأي العام الغربي. والصين ليس لديها مصلحة ذاتية سرّية في الشرق الأوسط، وتهدف زيارة وزير الخارجية وانغ يي للشرق الأوسط هو إجراء اتصالات استراتيجية متعمقة مع دول الشرق الأوسط، وتعزيز تنفيذ التوافق المهم الذي تم التوصل إليه بين الرئيس شي جين بينغ وقادة مختلف البلدان ، وتعزيز الالتحام بين استراتيجية الصين لبناء نمط تنمية جديد واستراتيجيات التنمية الرئيسية لمختلف البلدان، ودعم دول المنطقة في مكافحة الوباء وتحقيق الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي والتنمية، وتعزيز البناء المشترك عالي الجودة لـ "الحزام والطريق"، ومناقشة المنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين وفي الوقت نفسه، تم تبادل وجهات النظر حول الشؤون الإقليمية وخاصة القضايا الساخنة، والمساهمة بالحكمة الصينية في الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط.
باختصار، تهدف دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط إلى تعزيز السلام الإقليمي، والتنمية والأمن، ولا توجد أهداف جيوسياسية. وأوضحت الصين بالفعل مكانتها في دبلوماسية الشرق الأوسط: "كوننا من بناء السلام في الشرق الأوسط، ومروجين للتنمية والتصنيع في الشرق الأوسط، وأنصار الاستقرار في الشرق الأوسط، وشريك في الشرق الأوسط يمزج بين القلب والعقل."