بدأت الولايات المتحدة والناتو سحب قواتهم من أفغانستان رسمياً في 1 مايو الجاري، ومن المقرر أن يكتمل الانسحاب بحلول 11 سبتمبر. وقد شهدت أفغانستان هجمات متكررة في أنحاءها المختلفة، واستمرار تدهور الوضع الأمني في الأيام القليلة الماضية. وتشير التحاليل الى أن الحرب التي استمرت قرابة 20عامًا في أفغانستان أغرقت الولايات المتحدة وحلفائها في مستنقع عميق، كما تسببت في كوارث خطيرة للشعب الأفغاني، حيث ظل الوضع الإقليمي مضطربًا لفترة طويلة. وقد يؤدي انسحاب القوات الأجنبية إلى مزيد من عدم اليقين بشأن مستقبل أفغانستان.
تدهور الوضع الأمني في أفغانستان
هاجمت طالبان بشكل متكرر الجيش الأفغاني والشرطة والمسؤولين والوكالات الحكومية في الآونة الأخيرة. ووفقًا لشبكة أخبار الأفغان الأفغانية، شنت طالبان في نصف الشهر الماضي ، هجمات متعددة في 24 مقاطعة في أفغانستان ، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 226 من المدنيين والعسكريين. وبحسب إحصائيات "نيويورك تايمز" ، شنت طالبان هجومًا في جنوب وشمال أفغانستان بعد أن بدأت القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي الانسحاب . وأدى التدهور الأمني في افغانستان إلى مقتل ما لا يقل عن 44 مدنيا و 139 جنديا حكوميا الأسبوع الماضي ، وهو أعلى معدل وفيات في أسبوع واحد منذ أكتوبر من العام الماضي.
كما كثفت الحكومة الأفغانية هجومها على طالبان. وأصدرت وزارة الدفاع الأفغانية بيانا في الثامن من الشهر الجاري ، جاء فيه أن القوات الحكومية الأفغانية قد شنت عمليات ضد قوات طالبان في أماكن متعددة خلال الـ 24 ساعة الماضية، ما أسفر عن مقتل 250 مقاتل من طالبان وإصابة 106 .
انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بدون ترتيب موضع تساؤل على نطاق واسع
أعرب العديد من الأفغان عن قلقهم بشأن الوضع الأمني المستقبلي في البلاد في مقابلات مع وسائل الإعلام. وقال باحثون أفغان بانفعال إن القوات الأمريكية تقاتل في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عامًا، وإن انسحابها بدون ترتيب مستقبلي الآن، تاركة ورائها بلدًا مدمرًا ومعاناة، هو سلوك غير مسؤول للغاية.
وقال نائب وزير الخارجية الأفغاني السابق أحمدي، إن الشعب الأفغاني يعتز بأي جهود ساعية للسلام وتعزيز محادثات السلام، " لا أحد أكثر من الشعب الأفغاني يتطلع الى استعادة السلام والأمن والاستقرار في أفغانستان. لقد حاولت الولايات المتحدة حل المشكلة لكنها فشلت ، وإختارت المغادرة الآن."
يعتقد رحماني، رئيس مجلس النواب في الجمعية الوطنية الأفغانية، أن شروط انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان لم تنضج بعد، وأن الوضع في أفغانستان قد يتدهور أكثر بل قد يسقط في حرب أهلية.
قال تشو يونغبياو ، مدير مركز البحوث الأفغانية بجامعة لانتشو ، إن طريقة سحب القوات الأمريكية الحالية بعيدة كل البعد عن أن تكون انسحابًا مسؤولًا. وأنه من وجهة نظر الولايات المتحدة ، فإن "المسؤولية" المزعومة هي أولاً، أن تكون مسؤولة أمام الجيش الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة ، وثانياً، أمام الحلفاء ، وأخيراً أمام أفغانستان ، بما في ذلك طالبان.
وقال خالد رحمان ، مدير معهد البحوث السياسية في إسلام أباد الباكستاني ، إن الاضطرابات في أفغانستان ستؤدي على الأرجح إلى مشكلة انتشار الإرهاب. "أدت التصرفات غير المسؤولة للولايات المتحدة إلى تفاقم التهديدات الأمنية التي تواجهها الدول المجاورة، وستواجه الدول المجاورة مثل باكستان ضغوطًا هائلة على مراقبة الحدود وإعادة توطين اللاجئين وأمن مكافحة الإرهاب." وفقًا لتقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فر 2.7 مليون أفغاني إلى باكستان وإيران ودول أخرى، ونزح 2.6 مليون أفغاني آخر الى حدود يونيو 2020.
العديد من الأطراف تعمل بنشاط على تعزيز عملية التسوية السياسية
في الوقت الحاضر، يعمل المجتمع الدولي بجد لتعزيز عملية السلام في أفغانستان وحل القضية الأفغانية بالوسائل السياسية من أجل تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان في وقت مبكر. في 30 أبريل، عقد اجتماع اللجنة الرباعية بين الصين والولايات المتحدة وروسيا وباكستان بشأن أفغانستان في الدوحة، قطر. وأصدرت الرباعية بيانا مشتركا جاء فيه أن التوصل إلى تسوية سياسية من خلال المفاوضات هو السبيل الصحيح الوحيد لتحقيق سلام دائم في أفغانستان. ودعت الرباعية في الإجماع أطراف محادثات السلام الأفغانية إلى التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الأساسية في وقت مبكر ، وتعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان ، وتشكيل حكومة شاملة ، وتحقيق وقف دائم وشامل لإطلاق النار.
يعتقد أحمدي أن طالبان بحاجة إلى أن تتغير وتعرب عن استعدادها لتحقيق السلام ، فالخطوة الأولى، هي تحقيق وقف إطلاق نار شامل ودائم وإجراء مفاوضات وتسويات بين الطرفين على أساس ضمان السلام وفي إطار دستور. وقال: " الاتهامات الصادرة بين الأطراف بجرم تدمير السلام لا معنى له في الوضع الحالي. كسر السلام صعب ، لكن بناءه صعب."
ويعتقد وانغ شيدا ، نائب مدير معهد جنوب آسيا التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة ، أن المواجهة بين الحكومة الأفغانية وطالبان ستستمر على المدى المتوسط والطويل. "الحكومة الأفغانية ليس لديها أوراق مساومة في المفاوضات تقريباً. من ناحية، ترفض طالبان تشكيل حكومة ائتلافية، ومن ناحية أخرى، يصعب لطالبان احتلال بعض المدن الأساسية التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية حاليًا، وانه صعب لكلي الطرفين السيطرة بشكل كامل على الوضع في أفغانستان."
يعتقد تشو يونغ بياو، أن التنسيق بين القوى الكبرى يمكن أن يخلق بيئة دولية ومحلية أفضل لعملية السلام الأفغانية، ويجنب أفغانستان من أن تتحول إلى أرض خصبة للإرهاب الدولي والتطرف والوقوع في أزمة إنسانية أكبر.