الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

تعليق: لا فائز في الحروب التجارية، والحمائية ليست المخرج

أعلنت الحكومة الأمريكية في 2 إبريل الجاري، بالتوقيت المحلي، عن "تعريفة أساسية دنيا" إضافية بنسبة 10% على جميع الشركاء التجاريين، وتعريفات أعلى على بعض البلدان. وإن ما يسمى "التعريفة المتبادلة" غير المبررة، هي سياسة حمائية تجارية أحادية بحتة، والتي أثارت على الفور معارضة قوية في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ولن تؤدي هذه الخطوة إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى تقويض النظام التجاري المتعدد الأطراف بشكل خطير، وتؤثر على سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، وتؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية الدولية والتفتت الاقتصادي العالمي.

وقد كان رد فعل السوق عنيفًا، حيث انخفضت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية بعد ساعات التداول في نيويورك. ورفعت مجموعة غولدمان ساكس احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة خلال الـ 12 شهرًا القادمة من 20٪ إلى 35٪، معتقدة أن التعريفات الجمركية المرتفعة يمكن أن تعيق النمو الاقتصادي وتدفع التضخم وتزيد البطالة. وحذر الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة من أن "التعريفات الجمركية المتبادلة" ستسبب "أضرارا بالغة" لسلسلة توريد التجزئة، مما يدفع الأسر الأمريكية إلى تحمل أسعار أعلى للسلع الأساسية ويزيد من تآكل القوة الشرائية للأسر الأمريكية.

هناك فوائض وعجز في التجارة، لكن الأمر لا يتعلق بمن يستفيد وبمن يخسر، هذه حقيقة بسيطة. وإن التجارة الدولية الحديثة هي في الأساس تعاون متبادل المنفعة يقوم على المزايا النسبية، وليس لعبة محصلتها صِفر. كما أن العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية نموذجية للغاية. عندما أقامت الصين والولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية في عام 1979، كان حجم التجارة بين البلدين أقل من 2.5 مليار دولار أمريكي. وفي عام 2024، تجاوزت 688 مليار دولار أمريكي، محققا نموا بنسبة 3.7% في ظل تأثير السياسات الأحادية الجانب للولايات المتحدة. وهذا بالكامل نتيجة لتفعيل السوق، ويعكس الطبيعة المتكاملة والتكاملية للغاية للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين ـــ ـــ توفر الصناعة التحويلية في الصين للمستهلكين الأمريكيين منتجات فعالة من حيث التكلفة، وتخلق عددًا كبيرًا من فرص العمل في صناعات النقل والجملة والتجزئة والتجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة. ولم تسعى الصين أبدًا عمدًا إلى تحقيق فائض، ولقد حققت الولايات المتحدة أرباحا ضخمة من التجارة الصينية الأمريكية، ولو أن صادرات الشركات الأمريكية في الصين تم حسابها كفائض الصين، بالإضافة إلى الفائض الضخم الأمريكي في تجارة الخدمات.

إن السير مع الصين يعني السير مع الفرص. ويظهر "تقرير مسح بيئة الأعمال في الصين" الذي أصدرته مؤخرا غرفة التجارة الأمريكية في الصين، أن 48% من الشركات التي شملتها الدراسة تدرج الصين كواحدة من أفضل ثلاث وجهات استثمارية في العالم، وتتوقع 53% من الشركات التي شملتها الدراسة زيادة الاستثمار في الصين في عام 2025. وقال سين سدين، رئيس مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، إن الصين اصبحت ثاني أكبر سوق استهلاكي في العالم، مما يوفر فرصًا تجارية واسعة جدًا للشركات متعددة الجنسيات للاستثمار وبدء الأعمال التجارية. وهناك إجماع واسع النطاق بين دوائر الأعمال في البلدين على تعزيز الاستقرار والتنمية طويلة المدى للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية. كما أن تعزيز الحوار والتواصل، وإدارة الخلافات بشكل صحيح، واستكشاف إمكانات التعاون الاقتصادي والتجاري هي الاستراتيجيات طويلة المدى للتنمية المستمرة للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية.

إن التعافي الاقتصادي العالمي الحالي يتسم بالبطء، ويتعين على الدول الكبرى أن تتحمل المزيد من المسؤولية. وإن التفاعل الإيجابي واتجاه التنمية في العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية ـ الأمريكية يرتبط بالرخاء والاستقرار العالميين، وله تأثير عميق على النمط الاقتصادي العالمي. لقد أثبت التاريخ والواقع أن إيجاد أرضية مشتركة بين الصين والولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، وإن فوائد التعاون بين الصين والولايات المتحدة يتم تقاسمها على مستوى العالم، ويمكن للأسواق المفتوحة والتجارة السلسة أن تعزز التشغيل المستقر لسلاسل الصناعة والتوريد العالمية. بالطبع سيكون هناك منافسة في التعاون، وإن الصين لا تتجنب المنافسة أبدا أو تخاف منها، لكن المنافسة يجب أن تستند إلى القواعد الاقتصادية والتجارية الدولية. ولا يوجد فائز في الحروب التجارية، والحمائية ليست المخرج. وقد كان هذا هو الحال في عام 2018، والآن بعد أن أساءت الولايات المتحدة استخدام "التعريفات الجمركية المتبادلة"، فإنها سترتكب نفس الخطأ مرة أخرى، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إغراق الولايات المتحدة في حلقة مفرغة من التدمير الذاتي.

إن اقتصادات جميع دول العالم متبادلة ومترابطة. والصين تحتاج إلى الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تحتاج إلى الصين. ويتعين على الجانبين تعزيز الاتصالات، وفتح قنوات الحوار، واتباع قوانين السوق، والاشتراك في حماية النظام الاقتصادي والتجاري الدولي القائم على المنافسة العادلة، وضخ اليقين الذي تشتد الحاجة إليه في الاقتصاد العالمي.

صور ساخنة