الخرطوم 14 أبريل 2025 (شينخوا) في الذكري الثانية لاندلاع الصراع المسلح بالسودان، وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر النزاع في السودان بأنه "أزمة حماية كبرى".
وقال دانيال أومالي، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) "يعد هذا أحد النزاعات المستمرة التي نشهد فيها أعلى مستويات انتهاك لحقوق الإنسان الدولية بشكل عام".
وأضاف "فيما يتعلق بتطبيق اتفاقيات جنيف في السودان، فليس سرا أننا نرى أن ما يحدث هو أزمة حماية كبرى، مما يعني أن القواعد المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، لم تُحترم في كثير من الأحيان".
وتابع "وهذا في جوهره هو سبب ما نشهده اليوم، فإذا كان أطفال ونساء ورجال السودان اليوم يعانون من النزوح، والعنف الجنسي، والاختفاء، وفقدان الممتلكات، وفقدان سبل العيش، فإن هذا في نهاية المطاف هو نتيجة لعدم احترام القانون الدولي الإنساني".
واعتبر رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان حالات النزوح القسري، والاختفاء، والإعدام خارج إطار القانون، أو العنف الجنسي، دليلا علي أن النزاع قد أصبح "أزمة حماية".
وأعرب أومالي عن القلق إزاء ما يجري في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بغربي السودان.
وقال "إننا نشعر بقلق بالغ، ولا سيما تجاه الأحداث المأساوية التي وردتنا خلال عطلة نهاية الأسبوع، والتي أسفرت عن تضرر المدنيين بشكل مباشر جراء القتال، كما طالت تبعاتها المنظمات الإنسانية والعاملين في هذا المجال".
وأضاف "لقد أحزننا بشدة خبر مقتل تسعة من زملائنا في منظمة الإغاثة الدولية، وهذا أمر لا يجب أن يحدث أبدا، فالقانون الدولي الإنساني واضح جدا في هذا الشأن، ويحظر استهداف العاملين في المجال الإنساني أو تعريضهم للخطر".
ودعا أومالي طرفي النزاع في السودان إلى الالتزام بأحكام القانون الدولي الإنساني، والإيفاء بالتعهد الصريح الذي قطعه الطرفان المتحاربان على نفسيهما عند توقيع إعلان جدة في مايو 2023.
وقال "إن إعلان جدة ليس إعلانا سياسيا، بل إعلانا إنسانيا خالصا هدفه الأساسي هو حماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية ومع ذلك، فإن ما رأيناه على الأرض يظهر ضعفا كبيرا في الالتزام بهذا الإعلان، بل تجاهلا واسعا لما تم الاتفاق عليه من قِبل الطرفين".
وبموجب إعلان جدة، اتفق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أن مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية، والالتزام بضمان حماية المدنيين السودانيين في جميع الأوقات، والسماح بمرور آمن للمدنيين في السودان لمغادرة مناطق الأعمال العدائية، والامتناع عن تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، وإجلاء الجرحى والمرضى دون تمييز والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بذلك.
كما أبدى الطرفان التزامهما بالخطوط الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين.
وانتقد رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان ما أسماه (التصاعد المقلق في استهداف البنى التحتية الحيوية)، وقال " إن استهداف البني التحتية، لا سيما تلك المرتبطة باستمرارية الخدمات الأساسية، كالمستشفيات، والكهرباء، والمياه، يعد انتهاكا واضحا لأحكام القانون الدولي الإنساني".
وأضاف " نسعى للتوصل إلى اتفاق عام يعترف فيه بوجود مرافق وخدمات حيوية يجب أن تحظى بالحماية، مثل شبكات المياه، والكهرباء، والمنشآت الصحية، بل وحتى خدمات الاتصالات والإنترنت، لما لها من دور أساسي في إبقاء العائلات على اتصال وتيسير وصولها إلى المعلومات الإنسانية".
وأقر رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان بالصعوبات التي تواجه المنظمات الإنسانية، فيما يتصل بالوصول إلى السكان المحتاجين.
وقال " نقر بأنه في أوقات ومناسبات معينة، كان من الصعب على عدد من المنظمات الإنسانية الوصول إلى السكان المحتاجين".
وأضاف أن السودان لايزال غارقا في صراع يشمل العديد من خطوط المواجهة، فهو ليس صراعا مستقرا، بل يعني أن الوضع يتغير كثيرا من حين لآخر، لذا، لم يكن من السهل علينا دائما الوصول إلى المحتاجين، ولكن الكثير من ذلك مرتبط أيضا بديناميكيات الصراع".
وتابع " هناك أيضا قيود لوجستية، وقيود أخرى قد تكون مرتبطة بعوامل موسمية، مثل موسم الأمطار، وغيرها من التحديات".
وأشار أومالي إلى أن شركاء العمل الإنساني بالسودان يواجهون مخاطر متزايدة.
وقال "نعلم أنه من المستحيل العمل في بيئة خالية تماما من المخاطر، ولكننا نسعى جاهدين لتقليل مستوى التعرض لها قدر الإمكان، ففي العامين الماضيين، واجهنا عددا من الحوادث المؤلمة، من بينها حادثتان فقدنا فيهما أربعة من زملائنا، وأصيب تسعة آخرون".
وشدد رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان علي صعوبة تقديم إحصاءات دقيقة، بشأن ضحايا النزاع المسلح في السودان.
وقال لـ ((شينخوا)) "من الصعب جدا في نزاع بحجم ونطاق ما يجري في السودان أن نقدم إحصاءات دقيقة، أعتقد أن ما نشعر به هو أن أي إحصائية ستكون على الأرجح أقل من الواقع الحقيقي على الأرض".
وأعلن عن توثيق اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال العام الماضي ما يقارب 8000 حالة اختفاء لمدنيين.
وقال "نؤكد أن هذا الرقم لا يعكس الحجم الحقيقي للواقع، ومن الجدير بالذكر أننا شهدنا زيادة تقارب 70% في عدد الطلبات التي تفيد بعمليات اختفاء لمدنيين بين عامي 2023 و2024، وهو مؤشر مقلق على تفاقم الأزمة".
وفيما يتعلق بالوفيات والإصابات، قال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان "خلال العام الماضي فقط، ومن خلال استجابتنا المباشرة، فإن عدد الجرحى المصابين بالأسلحة الذين تلقوا العلاج من خلال دعمنا، سواء عبر توفير المستلزمات الطبية أو المساهمة في تغطية التكاليف العلاجية وغيرها، قد بلغ قرابة 50 ألف شخص".
وأضاف "أن هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة، لأن هناك الكثير من الأشخاص لم يتمكنوا أصلا من الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج".
وأوضح رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان "أن أبرز أنشطة المنظمة تتمثل في حماية حياة وكرامة الأشخاص المتأثرين بالنزاع المسلح، ودعم المرافق الطبية لتقديم الرعاية للجرحى المصابين بالأسلحة، ودعم النازحين داخليا عند انتقالهم من مناطق سكنهم إلى أماكن النزوح، والعمل علي توفير الخدمات الأساسية كالمياه".
وقال "هناك العديد من القصص المشجعة والمؤثرة، لقد تمكنا في وقت مبكر جدا من استقبال عدد من المقاتلين الذين تم تسليمهم لنا، ومن أكثر العمليات التي تركت أثرا إنسانيا عميقا، تلك التي تمكنا خلالها من إجلاء عدد من الأطفال الصغار والرضع الأيتام من دار أيتام تقع في منطقة من الخرطوم تأثرت بشدة نتيجة القتال العنيف".
وأشار إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل علي إعادة لم شمل الأسر، موضحا أن "أول ما يطلبه المتأثرون بالنزاع هو الاتصال بعائلاتهم، هذه الحاجة إنسانية أساسية، وقد لمسناها في العديد من الحالات".
وأضاف "العام الماضي فقط، تعاملنا مع ما يقارب 400 ألف حالة من هذا النوع، وأجرينا العديد من المكالمات الهاتفية التي ساعدت على لم الشمل بين العائلات، وكان لذلك أكبر الأثر على الصحة النفسية للمتأثرين".
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت 29683 قتيلا وفقا لموقع ((ACLED))، وهي منظمة عالمية غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة.
ووفقا لإحصائية صادرة عن منظمة الهجرة الدولية في 29 أكتوبر الماضي، فإن العدد الإجمالي للفارين بسبب الحرب في السودان بلغ أكثر من 14 مليون شخص.
وبحسب الإحصائية، هناك 11 مليون شخص نازح داخل البلاد، و3.1 مليون شخص عبروا الحدود إلى دول مجاورة.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن لدى السودان أعلى معدل نزوح داخلي في العالم.