في خضم كل الأخبار الواردة من واشنطن حول العلاقات الصينية ـ الأمريكية، يزداد الانطباع بأن بعض السياسيين في الولايات المتحدة ما زالوا يعيشون في عالم وهمي من الهيمنة والسيطرة. يتحدثون باستمرار عن القوة والنفوذ، لكنهم يتجاهلون بشكل انتقائي التحولات الحقيقية في التوازن العالمي.
الصين الحقيقية ليست غامضة ولا تشكل تهديدا، وبالتأكيد ليست مُتبعة لنصٍّ كتبه شخصٌ آخر. المطلوب هو إزالة الفلاتر الأيديولوجية لبعض السياسيين الأمريكيين، ورؤية الصين على حقيقتها، ورؤية شعبها يشقّ طريقًا صينيًا فريدًا نحو التحديث. حينها فقط يُمكن للمرء أن يُدرك حقًا معنى القوة في عالم اليوم.
لعقود، تعاملت الولايات المتحدة مع الدول الأخرى من موقع قوة، وسواءً مع حلفائها أو ما تعتبره منافسين لها، لطالما فضلت قياس الآخرين وفقًا لقواعد وضعتها هي وحدها، وإخفاء قوتها خلف ستار القيم، واستخدام العقوبات غطاءً لغياب المساواة الحقيقية في المفاوضات.
إن هذا الجمود في الهيمنة جعل من الصعب على واشنطن بشكل متزايد رؤية العالم اليوم بوضوح ودقة. وإن محاولة فهم العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين من خلال عدسة التنافس بين القوة الغربية في القرن التاسع عشر، أشبه بمحاولة تشغيل قطار فائق السرعة بمحرك عربة تجرها الخيول ــ فمن المؤكد أنه سينحرف عن مساره.
في واقع الأمر، إن استراتيجية واشنطن تجاه الصين هي تجسيد للتناقض النفسي المحيط بالقوة. من ناحية، تواصل الولايات المتحدة استخدام عصا القوة بشكل مستمر، ومن ناحية أخرى، تزعم أن قوتها لم تعد كما كانت في السابق، وأنها بحاجة الى أن تعيد مجدها وتكون "عظيمة مرة أخرى". نتيجةً لذلك، تُسيطر على واشنطن الآن حالةٌ من القلق العميق إزاء تراجع هيمنتها. وبات الأمر أشبه بلاعب كرة سلة يُصرّ على لعب دور الحكم والمنافس في آنٍ واحد، لكن مع انحراف اللعبة بشكل متزايد عن مسارها، يتوقف عن محاولة الدفاع عن القواعد، وبدلًا من ذلك، يسارع إلى السيطرة على الكرة.
عندما قال يانغ جيه تشي، كبير الدبلوماسيين الصينيين آنذاك، في ألاسكا، إن الولايات المتحدة لا تملك المؤهلات اللازمة للقول إنها تريد التحدث إلى الصين من موقع قوة، كشف بذلك عن جوهر التوازن المتغير للقوى في السياسة الدولية، لم يكن ذلك انفجاراً عاطفياً، بل كان بياناً للواقع الموضوعي.
إن مستقبل العلاقات الصينية ـ الأميركية لا يتوقف على ما إذا كانت واشنطن قادرة على الحفاظ على موقف "الأخ الأكبر"، بل على ما إذا كانت قادرة على تعلم كيفية النظر إلى هذه الحضارة القديمة، التي أعادت تشكيل العولمة على مدى السنوات الأربعين الماضية، على قدم المساواة.
ويكمن مفتاح حل المأزق في العلاقات الصينية ـ الأمريكية في عملية العولمة نفسها: فالقوتان العظميان متشابكتان بعمق بالفعل. ولن يؤدي "الانفصال" القسري إلا إلى استنزاف الطرفين بلا نهاية. ويعد الحوار المتكافئ السبيل الوحيد للمضي قدمًا. و"الاحترام المتبادل" ليس شعارًا دبلوماسيًا، بل قاعدة أساسية للبقاء، يجب على كلا البلدين الالتزام بها.
لقد أصبح موقف الصين تجاه الولايات المتحدة واضحًا تمامًا: رسم الخطوط الحمراء ووضع القواعد -هكذا يتفاعل الكبار. إذا لم تُغيّر الولايات المتحدة عقليتها، واستمرت في التعامل مع الصين من موقع قوة، ساعيةً لفرض إرادتها بالقوة، فإن التوترات في العلاقات الصينية ـ الأمريكية ستزداد عمقًا.
في نهاية المطاف، العلاقات بين الدول كالعلاقات بين الشعوب. لا يُمكن الاعتماد دائمًا على القوة الوهمية لحل المشاكل، بل يتطلب الأمر تفاهمًا حقيقيًا وحوارًا متكافئًا لإيجاد أرضية مشتركة.