الخرطوم 17 أبريل 2025 (شينخوا) يعاني الوضع الصحي في السودان من "تداعيات كارثية" وسط تحذيرات من انتشار الأمراض وتصاعد معدلات سوء التغذية مع مرور عامين على اندلاع الحرب في البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقالت وزارة الصحة السودانية في تقرير بمناسبة مرور عامين على اندلاع الصراع إن "الحرب أسفرت عن أزمة إنسانية وصحية وبات النظام الصحي بكافة لبناته أحد ضحايا الحرب، وهناك تداعيات كارثية على صحة السكان".
وأضاف التقرير الذي حصلت وكالة أنباء ((شينخوا)) على نسخة منه اليوم (الخميس) أن "النظام الصحي يواجه عدة تداعيات، أسفرت عن أزمة إنسانية وصحية ومادية غير مسبوقة على مستوى الأفراد والنظام الصحي".
وأورد التقرير إحصائيات عن تأثيرات الحرب على القطاع الصحي، إذ خرجت 70% من المستشفيات والمراكز الصحية في ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان، بالإضافة إلى الجزيرة وسنار وبعض أجزاء النيل الأزرق والنيل الأبيض عن الخدمة، فيما تعطل أكثر من 250 مستشفى في القطاعين العام والخاص.
كما أدى القتال إلى خروج أكثر من 60% من الصيدليات والمخازن عن الخدمة، إما بالنهب أو التلف.
وبسبب انقطاع خدمات صحة البيئة، تفشت الأمراض والأوبئة وازدادت حالات الإصابة بأمراض مثل الملاريا، الكوليرا وحمى الضنك، وفقا للتقرير.
كما أدت تداعيات الوضع الإنساني في البلاد إلى تدهور الوضع التغذوي، ما تسبّب في انتشار حالات سوء التغذية الحاد ولاسيما بين الأطفال دون سن الخامسة.
ووفقا للتقرير، فقد بلغ إجمالي خسائر قطاع الصحة في السودان نحو 11.04 مليار دولار أمريكي، وتشمل المباني، الأجهزة والمعدات الطبية، الأثاث الطبي، سيارات الإسعاف والمتحركات والأدوية والمستهلكات الطبية.
-- أزمات متفاقمة
وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من أن السودان يشهد تفشيا لأمراض الحصبة والكوليرا والدفتيريا، نتيجة سوء الأوضاع المعيشية وتعطل حملات التطعيم.
وقالت المنظمة في بيان بمناسبة دخول الحرب في السودان عامها الثالث، إن نحو 60% من سكان البلاد البالغ عددهم 50 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في ظل أزمات صحية متزامنة، ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية.
ونبهت منسقة الطوارئ في المنظمة مارتا كازورلا إلى أن "البلاد تشهد تفشيا لأمراض الحصبة والكوليرا والدفتيريا نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، وتعطل حملات التطعيم".
وأضافت أن "هذه الأزمات المتفاقمة لا تعكس فقط وحشية النزاع، بل تبرز أيضا العواقب الوخيمة لانهيار نظام الرعاية الصحية العامة، وفشل الإستجابة الإنسانية".
من جهتها، قالت منظمة الصحة العالمية "مرَّ عامان على اندلاع النزاع في السودان، وها هو النظام الصحي في البلاد قد وصل إلى نقطة الانهيار".
وقالت مديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط حنان بلخي وفقا لبيان صادر عن المنظمة إن "هذه الأزمة تمزق النظام الصحي في السودان، فلقد نفدت الإمدادات من المستشفيات، والعاملون الصحيون معرضون للمخاطر، والأمراض منتشرة في مناطق يمكننا بصعوبة شديدة الوصول إليها".
وأضافت أن "العاملين الصحيين الشجعان في السودان يحققون المستحيل في ظروف شبه مستحيلة ودون أن يتوفر لهم ما يحتاجونه، فهم بحاجة أولا إلى ضمان الحماية، والوصول الآمن، والأدوات اللازمة لإنقاذ الأرواح. ولكن الوقت ينفد".
-- أرقام صادمة
ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 20 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية في السودان.
ووثقت منظمة الصحة العالمية وقوع 156 هجومًا على مرافق صحية منذ أبريل 2023، أسفرت عن مقتل 318 شخصًا وإصابة 273، ما يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي.
من جانبها، أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير بمناسبة مرور عامين على الحرب في السودان، إلى أن 70% إلى 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع قد خرجت من الخدمة.
ووفقا للتقرير، فإن اثنين من كل ثلاثة مدنيين لا يحصلون على الرعاية الطبية، وان أمهات يلدن دون مساعدة متخصصة، مشيرا الى أن هناك أطفالا لا يحصلون على التطعيمات الحيوية، وأشخاصا يعانون حالات صحية تهدد حياتهم لكن يُتركون دونما علاج.
وحذر التقرير من أن "نظام الرعاية الصحية في السودان، الذي كان ضعيفا حتى قبل اندلاع النزاع، ينهار الآن، وأصبحت حياة الناس في خطر".
وتواجه المستشفيات والعيادات المتبقية، ونسبتها لا تتعدى 20%، نقصا حادا في الأدوية والمعدات والموظفين المدربين، وفقا للصليب الأحمر.
-- ضغط هائل على المستشفيات
وفي المناطق الآمنة في السودان، يعد نقص الخدمات الصحية السمة البارزة، حيث تعاني المستشفيات من ضغط هائل بسبب موجات النزوح، وتزايد أعداد طالبي العلاج، مما جعل المرافق الصحية تعمل بأكثر من سعتها.
وقالت الطبيبة تسنيم اليسع المدير الطبي لمركز النزير عيسي لغسيل الكلي بمستشفي النو في أم درمان إن الضغط العالي على المستشفيات التي تعمل في ظل الحرب، أدى إلى ضعف الخدمات المقدمة.
وأضافت الطبيبة تسنيم لوكالة انباء ((شينخوا)) أن "مستشفي النو في أم درمان يعد أحد الأمثلة للمرافق الصحية التي تواجه ما يشبه الاستنزاف، فهو المرفق الصحي الأساسي لغالبية المرضى في المناطق الآمنة في أم درمان".
وبسبب النقص الكبير في المرافق الصحية، يضطر كثير من المرضي إلى التنقل لمسافات بعيدة طلبا للخدمة الطبية، وغالبا ما يتحملون مخاطر كبيرة، للوصول إلى مستشفى.
ولم يكن سهلا على المواطن السوداني إبراهيم محمود الوصول إلى مركز النزير عيسي لغسيل الكلى في أم درمان، حيث يعاني من الفشل الكلوي ويحتاج لجلسات لغسيل الكلي.
وقال محمود لـ((شينخوا)) "وصلت إلى هنا بعد رحلة شاقة من منطقة شرق النيل، وأجريت حتى الان 12 عملية لغسيل الكلي".
وأضاف "أصبحت المرافق الصحية التي تقدم مثل هذه الخدمات قليلة للغاية، كما أن التنقل عملية خطرة في ظل الوضع الأمني، ولكن نتمني ان تتغير الأمور قريبا".
في وقت سابق، عانت عدة مناطق في السودان، ولاسيما العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، وأجزاء من إقليم كردفان، ومناطق في وسط السودان من صعوبات تلقي الخدمات الصحية وإيصال الأدوية إليها كونها كانت مناطق صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ومع صعوبة توفير الخدمات الصحية، يعاني القطاع الصحي من ندرة الأدوية وارتفاع أسعارها، ووفقا لتقارير سابقة لوزارة الصحة السودانية، فإن الحرب أجبرت أكثر من 2800 صيدلية مسجلة في العاصمة الخرطوم على إغلاق أبوابها.
كما توقفت 41 شركة أدوية وأكثر من 90% من مصانع الأدوية (وكلها في الخرطوم) عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب.
وبجانب تردي الوضع الصحي الناتج عن الحرب، فإن السودان يشهد تفشيا موسميا لعدد من الأمراض ولاسيما تلك المرتبطة بموسم الأمطار، ومنها الملاريا والكوليرا وحمي الضنك.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت 29683 قتيلا وفقا لموقع (ACLED)، وهي منظمة عالمية غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة.