تعليق: الاتفاق النووي الإيراني يؤكد التركيز الاستراتيجي الأمريكي شرقا

إن توصل إيران ومجموعة الدول الست بعد مفاوضات مطولة إلى أول اتفاق تاريخي لاحتواء البرنامج النووي الإيراني يوم 24 نوفمبر الجاري في جنيف خبر سار أكيد. حيث أن طبيعة القضية النووية الإيرانية دائما ما كانت مرتبطة بالولايات المتحدة وإيران، وكانت الولايات المتحدة المناقض الرئيسي في المفاوضات، لكن على ما يبدوا أن موقف الولايات المتحدة ذات الصلة أصبح مرنا نوعا ما هذه المرة. وذكرت الولايات المتحدة أن الحد من العقوبات على إيران مقابل تخفيض إيران لبرنامجها النووي والحد من العودة إلى أنشطة تخصيب اليورانيوم.

تعتبر إيران اكبر منافس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ زمن طويل، وإن إضعاف إيران باستخدام القضية النووية نقطة انطلاق أولى لكبح إيران. حيث أن الولايات المتحدة لم تريد حقا حل القضية النووية الإيرانية سابقا. ففي عام 2010، وافقت إيران على تبادل الوقود النووي في الخارج بوساطة تركية برازيلية، لكن الولايات المتحدة غضت الطرف واستمرت في فرض العقوبات على إيران. وإن هيمنة الولايات المتحدة وإيران على اللعبة حاليا، وموافقة الولايات المتحدة على المقترحات الإيرانية أمر غير طبيعي.

إلا أن هذه الخطوة ترتبط بسلسلة من التحركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث ليس من الصعب اكتشاف أن الولايات المتحدة قد غيرت موقفها كون أنها شهدت انخفاضا واضحا في نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. وتحت هذه الخلفية، بدأ باراك اوباما التنفيذ على نحو متزايد " مبدأ نيكسون" في منطقة الشرق الأوسط لتسريع الانكماش الاستراتيجي. حيث وضع اوباما مباشرة بعد تولي منصبه خطة سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان تحت التنفيذ. وعلى الرغم من أن الربيع العربي وفر للولايات المتحدة فرصة العودة إلى منطقة الشرق الأوسط، لكنها لم تتوقف في المنطقة أيضا. وفي عام 2011، قام الناتو بعمليات عسكرية في ليبيا بقيادة بريطانيا وفرنسا دون الولايات المتحدة. وفي الحرب الأهلية التي تشهد تسخينا في سوريا، تقف الولايات المتحدة مقصرة في جهود الدعم، في حين أن تركيا والسعودية وحلفاء إقليميين آخرين يبذلون كل جهودهم لدعم المعارضة السورية. كما أن اوباما اعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد تجاوزا لجميع الخطوط الحمراء، في حين قبل برنامج " الأسلحة الكيميائية مقابل السلام" في روسيا. أما بالنسبة للقضية النووية الإيرانية، لم يستخدم اوباما الضجة الكبيرة في كثير من الأحيان، لكنه استمر في المحادثات والعقوبات معا، واستمر في استخدام الطرق الأقل جهد للحد من فتيل الأزمة النووية.

إن تفكير الولايات المتحدة في إعادة تنفيذ " مبادئ نيكسون" في منطقة الشرق الأوسط، يرجع إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت قوتها الصلبة والناعمة خلال ما يقرب من 10 سنوات من تواجدها في المنطقة. ولكن إذا نظرنا بعمق، فإننا نلاحظ أن هناك اعتبارات أعمق في انكماش الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، باختصار، التركيز الاستراتيجي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. حيث أن التركيز الاستراتيجي الأمريكي شرقا هو التحول في التركيز الجيوستراتيجي أيضا، ولكن أيضا التغيير في الأولوية الأمنية. حيث أن أولوية الولايات المتحدة في الماضي كانت مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية، لكنها تحولت على نحو متزايد إلى صعود الدول العظمى، كما تحولت أولوية الأمن غير التقليدي بشكل متزايد إلى الأولوية الأمنية التقليدية.

إن الارتفاع السريع في القوة الوطنية الصينية أصبح الزناد لينطلق التغيير في إستراتيجية الولايات المتحدة. ووفقا لتوقعات احد الخبراء الأمريكيين، فإنه بحلول عام 2030 تقريبا، سوف تصبح الهيمنة الاقتصادية الصينية في الاقتصاد العالمي مماثلة للولايات المتحدة في عام 1970 والمملكة المتحدة في عام 1870. وفي هذا السياق، فإن الولايات المتحدة تتأهب للاستجابة للقضايا الرئيسية ذات الصلة بصعود الصين، و تتجاوز تدريجيا التركيز على منع انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا الأمنية غير التقليدية. كما أثبت الاتفاق النووي الإيراني هذه النقطة. مما ينبغي على الصين أن تظل يقظة جدا.

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/