اقتصادا مصر والصين وفرص هائلة لتطوير العلاقات
رغم أهمية العلاقات السياسية والثقافية بين مصر والصين، إلا أن العلاقات الاقتصادية بينهما تحمل آفاقا هائلة للتطور ومصالح كبرى للشعبين والدولتين على ضوء توافق وتكامل الإمكانات الاقتصادية بينهما. ولإدراك هذا التوافق لابد من الإشارة سريعا إلى واقع الاقتصادين المصرى والصينى ومدى توافق إمكاناتهما فى الوقت الراهن.
وبالنسبة للاقتصاد المصرى بلغ الناتج المحلى الإجمالى نحو 2033 مليار جنيه مصرى (295 مليار دولار) عام 2013/2014، وتشير التقديرات إلى أنه سيبلغ نحو 2403 مليارات جنيه (335 مليار دولار) فى العام المالى 2014/2015.
أما الناتج القومى المصرى فتشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم إلى أنه بلغ 240 مليار دولار عام 2012. وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 2980 دولارا. ونظرا لأن الجنيه المصرى مقدر بأقل من قيمته الحقيقية كثيرا، فإن البنك الدولى يشير إلى أن قيمة الناتج القومى المصرى المقدر بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه، بلغت نحو 521 مليار دولار عام 2012. وبلغ متوسط نصيب الفرد من هذا الناتج نحو 6450 دولارا. ومن المتوقع أن يكون الناتج القومى المصرى المقدر بهذه الطريقة (تعادل القوى الشرائية) قد بلغ قرابة 600 مليار دولار فى العام الحالى 2014.
وفضلا عن هذا الناتج فإن هناك قطاعا غير رسمى كبيرا للغاية، وتجرى محاولات لاستيعابه فى الاقتصاد الرسمى وحساب ناتجه. وعندما يحدث ذلك فإنه سيشكل إضافة كبيرة للناتج القومى الإجمالى لمصر.
وبالمقابل تشير بيانات البنك الدولى إلى أن قيمة الناتج القومى الإجمالى للصين قد بلغت نحو 7731 مليار دولار عام 2012. أى نحو 32 مثل الناتج القومى المصرى المحسوب بنفس الطريقة. وبلغ متوسط نصيب الفرد فى الصين من الناتج القومى نحو 5720 دولارا، أى قرابة ضعف نظيره فى مصر.
وبلغت قيمة ذلك الناتج محسوبا بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين اليوان والدولار نحو 12205 مليارات دولار، أى نحو 23 مثل الناتج القومى المصرى المحسوب بنفس الطريقة. وبلغ متوسط نصيب الفرد منه 9040 دولارا أى نحو 1٫4 مرة قدر نظيره فى مصر. وتجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلى الإجمالى الصينى بلغ 355 مليار دولار فقط عام 1990، أى أنه أصبح فى عام 2012 قرابة 22 مثل قيمته عام 1990، سواء بسبب النمو السريع لذلك الناتج بنسبة 10% فى المتوسط خلال تلك الفترة، أو بسبب صعود سعر صرف اليوان الصينى وما ترتب عليه من زيادة كبيرة فى قيمة الناتج المحلى الإجمالى للصين مقدرا بالدولار.
ومنذ عشرة أعوام مضت قمت بإعداد دراسة عن التغيرات المستقبلية فى تراتب القوى الاقتصادية العالمية بناء على قيمة الناتج ومتوسط معدل النمو المتوقع. وكانت النتيجة أن قيمة الناتج المحلى الإجمالى للصين ستتجاوز قيمة نظيره الأمريكى على أقصى تقدير فى عام 2022 لتصبح الصين أكبر اقتصادات العالم حجما. وها هى تقديرات مجلة الإيكونوميست البريطانية تذهب إلى أن هذا الأمر سيحدث عام 2017.
وتسهم الصين فى الوقت الراهن بنحو 15٫4% من الناتج العالمي، مقارنة بنحو 19٫3% للولايات المتحدة. كما أنها تتصدر دول العالم المصدرة للسلع بحصة بلغت 10٫5% من الصادرات العالمية، مقارنة بنحو 9% للولايات المتحدة، حيث تفوقت الصين على الولايات المتحدة فى هذا المجال منذ أربعة أعوام. كما أن الصادرات الصينية عالية التقنية بلغت نحو 406 مليارات دولار شكلت نحو 25٫8% من إجمالى الصادرات العالمية عالية التقنية عام 2010، مقارنة بنحو 146 مليار دولار صادرات أمريكية عالية التقنية، شكلت 9٫3% من الصادرات العالمية عالية التقنية فى العام نفسه.
وتضم السوق المصرية نحو 88 مليون مستهلك هم عدد السكان داخل مصر حاليا، فضلا عن أكثر من 8 ملايين مصرى يعملون ويعيشون خارج مصر. كما ترتبط مصر باتفاقيات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبى والبلدان العربية، وبلدان شرق وجنوب إفريقيا، فضلا عن العديد من اتفاقيات تحرير التجارة مع العديد من الدول الأخرى بصورة فردية. وهذا يعنى أن أى شركة تعمل فى مصر تستطيع الحصول على الخامات والسلع الأولية والوسيطة من تلك الدول بدون جمارك، أو برسوم جمركية محدودة يجرى تخفيضها باتجاه إلغائها كليا تدريجيا. كما أن إنتاج أى شركة موجودة فى مصر يستطيع دخول كل تلك الأسواق بدون رسوم جمركية، إذا استوفى النسبة المطلوبة للمكون المصري.
وتملك مصر موقعا جغرافيا مميزا بصورة استثنائية حيث تتوسط قارات العالم القديم. وهذا الموقع يتمتع بميزة هائلة كموقع لأى استثمارات أجنبية تتوطن فى مصر. فنفقات النقل والتأمين للتجارة مع مختلف أسواق العالم تكون منخفضة كثيرا عن النفقات المناظرة لمنتجات الاستثمارات المتوطنة فى بلدان أخرى. وعلى سبيل المثال لو أقامت شركة صينية مصنعا للسيارات فى الصين وأرادت الحصول على مواد خام أو سلع وسيطة أو تصدير إنتاجها لمصر وأوروبا والمنطقة العربية وإفريقيا وشرق الولايات أمريكا الشمالية، فإنها ستتحمل نفقات كبيرة للنقل والتأمين من الصين إلى تلك المناطق. أما لو أقامت المصنع فى مصر ، فإنها ستستفيد بالانخفاض الكبير فى نفقات النقل والتأمين عند نقل منتجاتها إلى الأسواق المذكورة القريبة للغاية من مصر. كما ستستفيد من رخص أجور العمالة المصرية. كما ستستفيد من الدخول الحر لتلك الأسواق التى ترتبط مصر معها باتفاقيات تجارة حرة.
وضمن التوافق الاقتصادى بين مصر والصين فى مجال الاستثمارات المباشرة، أن مصر دولة مستوردة لخدمات رأس المال، بينما أصبحت الصين من كبار مصدرى تلك الخدمات. ووفقا لتقرير الاستثمار العالمى الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» (UNCTAD) بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى مصر نحو 5٫6 مليار دولار عام 2013. ويشير نفس التقرير، إلى أن قيمة الاستثمارات المباشرة المتدفقة من الصين إلى مختلف بلدان العالم قد بلغت نحو 101 مليار دولار فى العام نفسه. وتعتبر الاستثمارات الصينية فى مصر محدودة للغاية ولا تعبر عن الإمكانات المالية للصين، ولا عن فرص الاستثمار المتاحة فى مصر. وتأتى الصين فى المرتبة الـ 15 بين الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى مصر، بينما تأتى بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فى مقدمة قائمة أهم الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى مصر.
وترتيبا على الميزات الخاصة ـ التى ينطوى عليها ضخ استثمارات صينية إلى مصر، فإن أحد أهم مجالات تطوير العلاقات الاقتصادية المصرية-الصينية هو زيادة تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة إلى مصر لمصلحة الطرفين. وتوجد فرص استثمارية هائلة فى صناعات الأسمدة الفوسفاتية فى ظل امتلاك مصر لاحتياطى عملاق من خام الفوسفات من منطقة العوينات حتى ساحل البحر الأحمر. وتوجد فرص مناظرة فى صناعة الأسمنت وأسمدة اليوريا وبودرة التلك والحجر الجيرى والجبس والكوارتز والرخام والبازلت والذهب وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. كما تملك مصر احتياطيا ضخما من الرمل الزجاجى بالذات فى جنوب غرب سيناء والذى يشكل قاعدة عملاقة لتطوير صناعة الزجاج والمرايا. كما توجد فرص استثمارية مجزية للغاية فى تصنيع السلع الزراعية وبالذات مركزات العصائر وحفظ وتعليب الخضر والفاكهة. كما توجد فرص استثمارية كبيرة فى الاستزراع السمكى فى البحار، وما يترتب عليه من صناعات تجهيز وتعليب الأسماك. كما توجد فرص متميزة فى صناعة السيارات التى تتجه مصر لتطويرها بصورة حاسمة بالمشاركة مع الشركات الدولية المعنية بسوق السيارات المصرى الذى يستهلك نحو ربع مليون سيارة سنويا، والمعنية بالاستثمار فى مصر فى هذا القطاع للتصدير للأسواق العربية والأوروبية والإفريقية. كما توجد فرص استثمارية متميزة فى صناعة وصيانة السفن فى مصر، التى يمر منها فى قناة السويس أكثر من 18 ألف سفينة، تحمل نحو عشر التجارة العالمية. ومع التفريعة الجديدة لقناة السويس فإن حصتها من عبور التجارة الدولية سوف يتزايد تدريجيا ليتضاعف خلال عدة أعوام.
كذلك فإن مصر لديها فرصة متميزة فى صناعات تكرير البترول وتصنيع البتروكيماويات خاصة وأنها قريبة من أكبر خزانات الاحتياطى النفطى العالمى فى منطقة الخليج العربى وليبيا، وقريبة فى نفس الوقت من أكبر أسواق استهلاك المنتجات النفطية فى أوروبا وفى مصر نفسها. وتستورد مصر فى الوقت الحالى المنتجات النفطية بسبب عجز معامل تكرير النفط المصرية عن تلبية الطلب المحلى على تلك المنتجات.
وفيما يتعلق بالتجارة السلعية بين مصر والصين، فإن صادرات مصر للصين بلغت نحو 488 مليون دولار عام 2013/2014. وجاءت الصين فى المرتبة العاشرة بين أهم الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية. وقد سبقتها كل من إيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، والهند، وفرنسا، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وكوريا الجنوبية. وتتركز صادرات مصر للصين فى مواد البناء والكيماويات والأسمدة والجلود.
وبالمقابل، بلغت قيمة واردات مصر من الصين فى العام المالى 2013/2014 نحو 4986 مليون دولار. وتعتبر الصين ثالث أكبر دولة موردة للسلع إلى مصر بعد الإمارات(6,4 مليار دولار)، والمملكة العربية السعودية (5,8 مليار دولار).
وتعانى مصر عجزا تجاريا كبيرا بلغ 4498 مليون دولار فى تجارتها مع الصين، وهو جزء مهم من العجز التجارى المصرى الكبير مع العالم والذى بلغ 33٫7 مليار دولار عام 2013/2014. ومثلما يحتاج الميزان التجارى المصرى مع العالم للإصلاح لمعالجة العجز الكبير الذى يعانى منه، فإن الميزان التجارى المصرى مع الصين يحتاج للإصلاح أيضا.
وعلى صعيد آخر تحولت الصين إلى أكبر دولة مستوردة لخدمات السياحة فى العالم. وقد ارتفع الإنفاق السياحى الصينى فى الخارج عشر مرات منذ عام 2000 ليبلغ نحو 128٫6 مليار دولار عام 2013، وهو ما يعادل نحو 10٫7% من إجمالى الإنفاق العالمى على السياحة فى العام نفسه. وبالمقابل تعتبر مصر دولة مصدرة كبيرة لخدمات السياحة بكل أنواعها. لكن تدفق السياح الصينيين لمصر محدود للغاية بالمقارنة لتدفقهم لكل دول العالم. ورغم أن بعد المسافة الجغرافية بين مصر والصين يشكل معوقا لتوسع حركة السياحة بين البلدين، إلا أن إمكانيات تطور تلك السياحة تبقى أعلى كثيرا من الوضع القائم حاليا. وعلى سبيل المثال يلجأ بعض السياح الروس والألمان والإيطاليين إلى شراء شقق فندقية فى مصر بالذات فى منطقة البحر الأحمر. ويقضى كبار السن ممن خرجوا للمعاش فترات طويلة فى تلك الشقق التى اشتروها. كما يتم استخدامها من قبل عائلاتهم. كما أن إدارات القرى السياحية التى توجد بها تلك الشقق الفندقية تقوم بتأجيرها لحسابهم فى باقى أيام السنة بحيث تتحول لمصدر للدخل لهم. وهذا النموذج قابل للتكرار مع السياح الصينيين بالذات كبار السن وعائلاتهم.
ورغم التأثيرات السلبية التى تعرض لها قطاع السياحة فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، إلى أن عدد السياح الذين تدفقوا إلى مصر بلغ 12٫2 مليون سائح عام 2012/2013، وبلغ عدد الليالى السياحية التى قضاها السياح فى مصر نحو 142 مليون ليلة سياحية فى العام المذكور. وهذا القطاع سيتعافى بشكل سريع خاصة فى ظل وجود بنية أساسية سياحية متطورة وقادرة على استيعاب أعداد كبيرة من السياح.
وكل ما سبق يشير إلى إمكانيات كبيرة لتطوير العلاقات الاقتصادية الشاملة بين مصر والصين فى مجالات التجارة السلعية والاستثمارات والتجارة الخدمية وفى مقدمتها السياحة.
![]() | ![]() |
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn