الإنجاز الاقتصادى الصيني: خبرة مهمة لكل العالم
قبل كل أشكال التعاون الاقتصادية الممكنة بين مصر والصين، فإن الأخيرة تقدم لمصر وللعالم نموذجا فذا للنهوض الاقتصادى يستحق الدراسة والتأمل والاستفادة منه. فقد أنجزت الصين صعودها الاقتصادى الجبار فى مدى زمنى طويل وبالاعتماد على الذات بالأساس. وتشير بيانات البنك الدولى إلى أن الاقتصاد الصينى نما بمعدل 6٫4% سنويا فى المتوسط خلال الفترة من عام 1965 وحتى عام 1980. وقد مكنه ذلك من بناء قاعدة اقتصادية هائلة، ومستوى جيد من التعليم والتدريب لقوة العمل، ونخبة علمية حققت إنجازات مدنية وعسكرية مكنت الصين من الدخول للنادى النووى فى ستينيات القرن الماضي، ومكنتها من التحول التدريجى لقوة اقتصادية وعسكرية كبرى. وكانت البنية الاقتصادية الصينية تؤهلها لتوسيع اندماجها فى الاقتصاد العالمى وتوظيف قدرتها التنافسية العالية فى زيادة صادراتها بشكل سريع وفارق. ومنذ عام 1980 وحتى العام الحالى 2014، حققت الصين معدلا مذهلا للنمو الاقتصادى المتواصل بلغ نحو 10% سنويا فى المتوسط خلال الفترة المذكورة. وصحيح أن معدل النمو الاقتصادى الصينى قد تراجع لنحو 7,7% فى العام الماضى وسيبلغ نحو 7,4% فى العام الحالي، لكنه يبقى الأعلى عالميا بين كل الدول الكبرى.
وقد ارتبط ذلك النمو بصورة وثيقة بمعدلات ادخار واستثمار محلية بالغة الارتفاع، وعلى سبيل المثال فإن بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم(2014)، تشير إلى أن معدل الادخار المحلى الصينى بلغ نحو 51٫2% من الناتج المحلى الإجمالي، بينما يدور معدل الاستثمار فى الصين حول مستوى 45% من الناتج المحلى الإجمالى منذ سنوات طويلة. وهو ما سمح بتحقيق معدل نمو هائل من جهة، ومراكمة احتياطيات هائلة هى الأضخم عالميا لدى البنك المركزى الصيني. وتلك الاحتياطيات التى اتجهت الصين لتنويعها تشكل أداة رئيسية لدى الصين للتأثير فى مجريات الأمور فى أسواق العملات العالمية. كما أن اتجاه الصين لتسوية تبادلاتها التجارية مع العديد من البلدان بعملاتها المحلية، سوف يعزز فرص إزاحة الدولار عن موقع عملة الاحتياط الدولية ليحل محله سلة عملات أو عملة جديدة يشرف عليها صندوق النقد الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أساءت استخدام وضعية الدولار كعملة احتياط دولية بالإفراط فى الإصدار النقدى بدون غطاء ذهبى أو إنتاجى لهذا الإصدار، الأمر الذى يعنى فى النهاية أنها تحصل على سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق تحمل علامة الدولار بلا أى غطاء. وهذا النمط من استخدام وضعية الدولار كعملة احتياط دولية هو أقرب لعمليات السطو على باقى دول العالم، أو آلية لاستنزاف شعوب العالم مقابل مجرد أوراق أمريكية!!
وقد أدى النمو الاقتصادى الصينى المتركز فى قطاعى الصناعة التحويلية والخدمات المتطورة منذ 35 عاما إلى إحداث تغيير نوعى فى هيكل الاقتصاد الصيني، فبعد أن كانت حصة قطاع الزراعة من الناتج المحلى الإجمالى نحو 44% عام 1965، تراجعت إلى 32% عام 1988، قبل أن تنخفض إلى 10% من هذا الناتج عام 2010، وبالمقابل ارتفعت حصة قطاع الصناعة من 39% عام 1965، إلى 46% عام 1988، إلى 47% عام 2010. كما ارتفعت حصة قطاع الخدمات من 17% من الناتج المحلى الإجمالى عام 1965، إلى 22% عام 1988، إلى 43% عام 2010، وذلك حسب بيانات البنك الدولى فى تقريره عن التنمية فى العالم.
كما تغير هيكل الصادرات الصينية تبعا للتغير فى هيكل الناتج، فبعد أن كانت صادرات المواد الأولية والوقود والمعادن والفلزات والأغذية تشكل نحو 54% من إجمالى الصادرات الصينية عام 1965، تراجعت إلى 27% عام 1980، ثم إلى أقل من 5% عام 2010. وبالمقابل ارتفعت صادرات السلع الصناعية من 46% عام 1965، إلى 73% عام 1980، إلى 94% عام 2010، وذلك وفقا لبيانات البنك الدولي.
والحقيقة أنه بقدر ما أذهلت الصين العالم بنموها السريع وانطلاقتها الاقتصادية الجبارة، فإنها تذهلنا أيضا بنجاحاتها الكبيرة فى تخفيض أعداد الذين يعيشون فى فقر مدقع بأقل من 1٫25 دولار فى اليوم للفرد، أو بأقل من دولارين فى اليوم.
وتشير بيانات البنك الدولى إلى انخفاض أعداد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم، من 972 مليون نسمة عام 1981 إلى 395 مليون نسمة عام 2008. وأعداد من يعيشون بأقل من 1٫25 دولار فى اليوم من 835 مليون نسمة عام 1981 إلى 173 مليون نسمة عام 2008. ورغم عدم توافر بيانات دولية بشأن هذا الأمر بعد عام 2008، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد يمكن أن يكون قد انخفض إلى ما دون المائة مليون نسمة فى الوقت الراهن.
وللعلم فإن عدد الفقراء فى العالم بدون الصين، الذين يعيشون بأقل من دولار وربع فى اليوم قد ارتفع من 1103 ملايين نسمة عام 1981، إلى 1116 مليون نسمة عام 2008. كما ارتفع عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم من 1613 مليون نسمة عام 1981 إلى 2076 مليون نسمة عام 2008.
وهذه البيانات تشير بوضوح إلى تفوق الإنجاز الصينى فى مواجهة الفقر بالمقارنة مع باقى دول العالم. وقد اعتمد الإنجاز الصينى على النمو السريع والمتواصل للاقتصاد الوطنى وانتشار النتائج الإيجابية لهذا النمو فى جميع طبقات المجتمع. وإن كانت الصين تحتاج إلى تحسين توزيع الدخل بصورة جوهرية لضمان استمرار فعالية الطب المحلى الذى يعد المحفز الأول للنمو الاقتصادى والذى تزداد أهميته فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة وما ترافق معها من إجراءات حمائية.
لكن النموذج الصينى للتنمية القائمة على الاعتماد على الذات باحتشاد ادخارى واستثمارى محلي، وبانفتاح واسع النطاق على العالم بشروط معتدلة، وبمعالجات حاسمة للفقر لتنشيط الطلب المحلى، يبقى نموذجا يستحق الدراسة والاستفادة منه فى مصر وباقى دول العالم.
/موقع جريدة الاهرام المصرية /
![]() |
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn