مقال خاص: ظاهرة الصعود الصيني.. دور المعرفة في تحقيق التنمية (2)

الصين وإنتاج المعرفة:

لقد صار إنتاج المعرفة واستغلالها واستخدامها مصدراً أساسياً للتنمية، وباتت المعرفة رأس المال الذي يقوم على الأفكار التي تعظم العوائد الاقتصادية. بالنسبة لنموذج التنمية التي حققتها الصين، نجد أنها تمثل تجربة ذات مسارات مرحلية بدأت بتطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادي والانفتاح في العام 1978 على يد دنغ شياو بينغ الأب المؤسس لسياسة الانفتاح، والذي دعا لأن تكون الاشتراكية الصينية أداة لتطوير وتنمية قوى الإنتاج، وحفز الصينيين على اكتساب وتعلم التكنولوجيا والاطلاع على تجارب الإدارة المتقدمة للدول المتطورة.

وعلى إثر ذلك بدأت الصين بفتح بعض المناطق لجذب الاستثمارات الخارجية بهدف تطوير التصنيع والتصدير، فبرزت العديد من المناطق الاقتصادية في البلاد، والتي وفرت فرصاً تجارية برسوم تفضيلية أغرت أصحاب رأس المال خاصة من هونغ كونغ المجاورة للدخول في قطاع التصنيع. وهكذا وبفضل هذه السياسة الاصلاحية والانفتاح، انتعشت حركة التصنيع وتضخمت الصادرات بشكل كبير. وهذا الأمر ينطوي على تكريس المعرفة والابتكار لبداية المراحل الأولى من التحولات التالية التي شهدتها الصين.

إن سياسة الاصلاح الاقتصادي والانفتاح التي انتهجتها الصين كانت ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية، جرى تطبيقها بطرق تتناسب مع الظروف والأوضاع السائدة في البلاد، ولذلك نجد أن الصينيون يطلقون على تجربتهم توصيف " التنمية ذات الخصائص الصينية". على أساس أنها نابعة من فكر ورؤية وطنية خالصة راعت الخصوصية المجتمعية والثقافية السائدة في البلاد.

يمكن القول إن تجربة التنمية في الصين تمضي تدريجياً ومن دون أن تُحدث اشكالات كبيرة في التركيبة الاجتماعية القائمة ومنظومة القيم ذات الأوجه المختلفة التي تسود المجتمع. ومن المعروف أن الانخراط في التنمية دائماً ما تصحبه عمليات تحول عميقة قد تؤدي إلى اختلالات تؤثر سلباً على استقرار المجتمع.