بقلم: عباس جواد كديمي
إحياء لذكرى انتصار الشعب الصيني في مقاومته للعدوان الياباني، وتزامنا مع احتفالات العالم بالذكرى الـ70 لنهاية الحرب العالمية الثانية واندحار الفاشية، جرى في العاصمة الصينية بكين يوم الخميس الثالث من سبتمبر الماضي، استعراض كبير للقوات المسلحة الصينية بمختلف صنوفها، وكذلك الأسلحة بمختلف أنواعها، لاسيما الجوهرية المتطورة، بمشاركة نخبة قوات من بلدان عديدة بالعالم. إنه استعراض كبير هو الأول من نوعه في الصين بهذا الحجم الهائل من النجاح، والاهتمام العالمي، وهو الـ15 في سلسلة الاستعراضات العسكرية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وأثار مشاعر جياشة من الفرح والابتهاج في عموم البلاد، وفي أرجاء أخرى إقليميا ودوليا. الاستعراض استغرق أقل من ساعتين، ولكن تأثيره الاجتماعي والعالمي كان هائلا فيما يتعلق باستذكار التاريخ، وتجديد العزم على الطريق التنموي الذي سارت عليه الصين خلال العقود الثلاثة الماضية. إنه نتاج لجهود مشتركة من القوات المسلحة والشعب الصيني.
رسالة الصين الصريحة عبر هذا الاستعراض هي تأكيد العزم على الحفاظ على سلام العالم واستقراره وتنميته عبر قوة جبارة متطورة قادرة على كبح وردع أية مغامرة طائشة تحاول إعادة مآسي ذلك التاريخ العدواني الفاشي البغيض. الأمة الصينية عانت الأمرّين في تاريخها الحديث، وأقول الحديث لأن مآسي العدوان والغزو وويلات الحرب العالمية الثانية، ليست بعيدة جدا عن الذاكرة! وعوامل المرارة هذه من الأسباب الرئيسية لسعي الصين الجاد لإنهاض الأمة والبلاد.
رغم التضحيات والمآسي والدمار، ثم الإسهامات السخية بمختلف أنواعها، ورغم تفاعلات الصين مع قوى العالم التي نهضت قبل 70 عاما لمحاربة الفاشية والقضاء عليها، تم عن عمد تجاهل جبهة الحرب التي خاضتها الصين أبكر من غيرها، وتجاهل كل ما قدمته الصين من تضحيات وإسهامات. وسبب التجاهل هو أن القوى الغربية منذ ذلك الحين، لا تريد الاعتراف بمساهمات الغير، ولأن صوت الصين، ذلك البلد الآسيوي الفقير، كان ضعيفا لا يجاري تلك الماكينات الإعلامية التي تروّج لما تريد، وتتجاهل ما لا تريد، حسب رغبة المتنفذين، واتجاهات سياساتهم. وهذه حقيقة مُرّة كانت تنغص حياة الصينيين الذين ظلوا يشعرون بالظلم والغبن، وبضرورة النهوض لنزع ثوب الاستكانة المريضة. وأدركوا حقيقة أن ذلك لن يتحقق إلا بالقوة المدافعة الرادعة.
خلال أكثر من ثلاثين سنة مضت، اختطت الصين لنفسها طريقا تنمويا قائما على السلام، بعيدا عن المواجهة، وتمكنت فعلا من الوقوف على قدميها بشكل راسخ، وبنت أرضية صلبة لنهوض وتنمية شاملة للبلاد، وسارت بخطى ثابتة لتحقيق معجزة تنموية انعكست آثارها على معظم أوجه الحياة في البلاد. الصين تدرك بوعي أن المسيرة التنموية تحتاج لظروف سلمية مؤاتية داخليا وخارجيا، وهذا ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال خطابه قبيل بدء الاستعراض، مؤكدا من جديد أن السلام ممزوج بلحم ودم وعظم الصينيين، وأن الصين لن تسعى أبدا لهيمنة أو توسع. فالقوة لا تعني أبدا الهيمنة.
القوة الشاملة للصين تعززت، وهي الآن ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وتأثيرها متزايد على كافة الأصعدة.
استعراض قوة متطورة، وليس استعراض عضلات
إذا اختارت الصين طريق السلام لجهودها ومسيرتها التنموية فهذا لا يعني أنها تبقى ضعيفة، فالضعيف لن يحصل على سلام. والسلمية والتعاون والتواضع هي سمات مميزة للشعب الصيني الذي ظل يركز خلال العقود الثلاثة الماضية على تحقيق تنمية ترفع مستوى حياة المواطن، وتخليص الملايين من الفقر، وتعزيز التعاون الإقليمي بما يخدم التنمية المشتركة. هدف الصين من هذا العرض العسكري ليس استعراض عضلات، بل تذكير الناس بضرورة اتخاذ التاريخ كمرآة في طريق السير نحو المستقبل، وأن القوة مع الحق هما الضمان القوي لكبح النزعات العدوانية. لا يمكن نكران حقيقة أن ما جرى عرضه خلال الاستعراض يبرز القوة المتنامية للقوات المسلحة الصينية، وهو ما ركزت عليه الدوائر المعنية في دول العالم، وتناولته وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها. القوى الكبرى بالعالم تسعى بكل تأكيد لمعرفة إمكانيات الصين العسكرية، والصين أضحت واضحة شفافة بهذا المجال، ولا داعي لإخفاء شيء. ولكن القضية الأهم يجب أن تتركز على العقيدة العسكرية الصينية وهي دفاعية محضة، وتاريخ الصين الحديث خير شاهد على ذلك، حيث لم تتورط الصين بأية حرب مع دولة أخرى. إنها حقيقة لو تم إدراكها بوعي من الآخرين، ممن يختلقون القلق غير المبرر، فستساهم كثيرا في تهيئة الأجواء لسلام حقيقي واستقرار دائم في المنطقة والعالم. الصين الواثقة من نفسها غنية بالتجربة السلمية، وتعرف جيدا كيف تتعامل مع القلق غير المبرر للآخرين، ممن يصفون هذا الاستعراض بأنه استعراض عضلات. المصالح المشروعة للجميع لا يمكن حمايتها بتضخيم الشكوك، أو بالسعي لكسب القطعة الأكبر من الكعكة، بل بالاعتراف بمصالح الآخرين واحترامها. لقد أتيحت لي الفرصة لأكون في ميدان السلام السماوي (تيان آن مَن)، وأرى بعيني تلك القوات الرائعة التنظيم والتنسيق والعُدة والعدد، وأيقنت أن تضامن هذا الشعب هو المفتاح الأساسي لقوته، والقوات المسلحة المقتدرة تبشر بالخير والإمكانيات لهذا البلد، وفي الوقت نفسه رجوت رجاء صادقا أن تزول الشكوك والتوجسات بين دول العالم، لاسيما القوى الكبرى، كالصين والولايات المتحدة مثلا، لتعملا سوية على معالجة المشاكل التي يواجهها العالم، ومنه منطقتنا العربية المُبتلاة حاليا بويلات الإرهاب والحروب والقتل والتدمير والتهجير، وطافت في مخيلتي صور لأطفال سوريا والعراق واليمن وليبيا وهم مشتتون في بقاع الأرض بحثا عن حياة، ورسخت في يقيني حقيقة أن الاستقلالية والتضامن هما المفتاح الأساسي للبناء.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn