قرر مدير إحدى شركات صناعة الأثاث المنزلي بمدينة ونتشو من مقاطعة تشوجيانغ، تعليق أعمال شركته بعدما إنخفضت الطلبات نتيجة لتراجع التجارة الخارجية. وحينما علم تشانغ بووه، وهو صاحب شركة ببكين، إتصل برئيس الشركة المفلسة.
"لقد كان تعاوننا ناجحا"، يقول تشانغ بووه، "بعد التزويد بأجهزتنا الذكية، صعد سعر الأفرشة من 300 يوان إلى 3000 يوان. "
تعكس قصة تشانغ بووه وضع الإقتصادي الصيني الحالي: التجزؤ المستمر للقطاعات الإقتصادية في الصين، وتقلص بعض القطاعات التقليدية، في المقابل ينهض الإقتصاد الجديد. وتنتقل الصين تدريجيا من الإقتصاد القائم على رأس المالي إلى الإقتصاد المدفوع من الإبتكار.
القطاعات القديمة توفر فرصا جديدة
يرى أستاذ الإقتصاد والمالية بالمعهد الصيني الأوروبي للصناعة والتجارة، شي شياو نيان، إن التحول الهيكلي للشركات لايعني تغيير القطاع، بل إن القطاعات التقليدية يمكنها أن تخلق فرصا مبتكرة جديدة، ولا تزال تتمتع بآفاق واسعة.
شهدت صناعة الحديد والصلب تراجعا نتيجة لتراجع أسعار السلع الأساسية خلال السنوات الأخيرة، حيث منيت مجموعة جيوقانغ في 2015 بخسائر ناهزت 1 مليار يوان، هي الأكبر في الصين.
في هذا السياق، يشير رئيس مجلس إدارة مجموعة جيوقانغ، تشن تشون مينغ إلى ضرورة الإبتكار ودفع الإصلاح الشامل، وإلى نجاح مجموعته في تحقيق معجزة في أعمالها من خلال الإبتكار في الإدارة والتقنية والسلع.
حققت مجموعة جيوقانغ خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الحالي أرباحا إجمالية بـ 2.13 مليار يوان، وزيادة سنوية بـ 7.05 مليار يوان، ومثل الإبتكار التقني الأكثر إسهاما في تحقيق الأرباح، حيث تمكنت المجموعة من إبتكار 25 منتجا جديدا خلال العام الحالي فقط، وبلغت كمية الإنتاج 79 ألف طن، ووصلت فاعلية الإبتكار في السلع الجديدة 526.3 ألف يوان، مايمثل 27.7% من إجمالي القيمة المضافة.
نشر مكتب الإحصاء الوطني الصيني في 19 أكتوبر الماضي، تقريرا حول آداء الإقتصاد الصيني خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2016، وفي هذا السياق، يشير المتحدث الإعلامي بإسم مكتب الإحصاء الصيني، تشنغ لاي يون، إلى أن القطاعات الصناعية قد شهدت خلال الفصول الثلاثة الأولى تقدما سريعا، حيث نمت القيمة المضافة للتقنية العالية والقيمة المضافة لصناعة المنشآت زيادة بـ 4.6 نقطة مئوية و3.1 نقطة مئوية، كما إرتفعت حصتيهما بـ 0.6 نقطة مئوية و1.2 نقطة مئوية.
نهوض الصناعات الجديدة
بصفته مديرا عاما لشركة عاملة الطاقة الجديدة، شهد سون تشيو لين على نهوض صناعة جديدة.
تأسست شركة سون تشيو لين في عام 2009، وهي من أوائل الشركات التي عملت في تطوير أنظمة الدفع للشركات العاملة بالطاقة الجديدة، في الجانب، يقول سون، قبل 7 سنوات كانت شركته تمتلك زبونا واحدا فقط، أما الآن فقد توسعت شركته في أكثر من 50 مدينة.
حدد سون تشيو لين هدفا ببلوغ 3 مليارات يوان من المبيعات خلال 10 سنوات، هذا لا يعد رقما مبالغا فيه، فقد أظهر التقرير الإحصائي الصادر عن مكتب الإحصاء الصيني، في 19 أكتوبر الماضي، أن مبيعات السيارات العاملة بالطاقة الجديدة قد نمت بـ 83.7% خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2016. كما حافظت السلع الجديدة المرتبطة بالطاقة الجديدة والإنترنت والحوسبة السحابية على نمو مستقر.
يعتقد نائب رئيس لجنة الحزب بالمعهد الصيني للإدارة والنائب الدائم لمدير المعهد، ما جيان تانغ، إن قدرة الإقتصاد الصيني على مواجهة البيئة الداخلية والخارجية المعقدة، وتحقيق نسبة نمو بـ 6.7% ، تعود أساسا إلى نهوض القطاعات الصناعية الجديدة. حيث سرّع الإقتصاد الصيني عملية إنتقاله من الصادرات والإستثمار بإتجاه المعرفة والإبتكار.
من جهة أخرى، أظهر أحدث تقرير مالي لمجموعة علي بابا، نمو إيرادات المجموعة بـ 55% خلال الفصول الأولى من العام الحالي، حيث بلغت 34.292 مليار يوان، خاصة أعمال الحوسبة السحابية التي حققت نموا بـ 130% على أساس سنوي.
وقد أعلنت مجموعة علي بابا من مقرها القائم في مدينة هانغتشو مؤخرا، عن مخططا "جنونيا"، يهدف إلى إنشاء مركز للصناعة الذكية في هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2200 سنة، حيث سيتم إدخال مجالات المواصلات والطاقة والتزويد بالمياه وغيرها من قطاعات البنية التحتية بالكامل إلى المجال الرقمي. وفي التجربة الابتدائية في حي سياوشان لهانغتشو، يمكن رفع سرعة السيارات بـ 11% على الأقل من خلال التحكم الذكي في إشارات المرور. وتشرف على إنجاز هذا المشروع منصة الحوسبة السحابية لشركة علي بابا.
وكان رئيس المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية، فرانسيس قلوري، قد أشار في وقت سابق إلى أهمية الإستثمار الإبتكاري في تحفيز النمو الإقتصادي طويل المدى، وفي ظل الوضع الحالي، يعد إستكشاف نقاط نمو جديدة وإستغلال الفرص التي يجلبها الإبتكار العالمي الشغل الشاغل لأصحاب المصالح.
تفعيل دور كلتا اليدين
للتأقلم مع وضع الخدمات الجديد والإقتصاد الجديد، تشهد مختلف أنظمة الإدارات الحكومية سلسلة من الإصلاحات، من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية. وفي الحقيقة، قامت الحكومة الصينية بعدة محاولات في مختلف المجالات، سعيا لإيجاد نقاط نمو جديدة. وخاصة إستراتيجية "صنع في الصين 2025"، وبرنامج "إنترنت +"، اللذين يمثلان ثورة في مجال التكنولوجيا والصناعة، وإستراتيجية رئيسية لدعم تنمية الإقتصاد الجديد وإستكشاف قوى نمو جديدة.
طبعا، يطرح الإقتصاد الجديد مطالب أعلى تجاه مستوى الرقابة الحكومية. في هذا السياق، يرى أستاذ الإقتصاد بالمعهد الوطني للإدارة، ما تسياو بين، أن الإدارة الفوقية التي كانت تمارسها الحكومة على الإقتصاد يجب أن تتحول إلى إدارة متناسقة بين الحكومة والسوق والمنظمات الإجتماعية. من جهة أخرى، يرى قاو هونغ بينغ، أن تعزيز إنفتاح وتنوع الإقتصاد الجديد يحتاج إلى نظام إدارة ورقابة شفافا وأكثر إنفتاح. وهذا النظام يجب أن تشارك فيه الحكومة والمؤسسات والمستهلكين في إطار مشاركة وإدارة مشتركة.