قصة الابتكار في الصين:الابتكار يدفع قطارات الصين نحو الخارج

دانغ شياو فيّْ

على سكة حديدية عرضها متر واحد فقط بمدينة كوالالمبور عاصمة ماليزيا، يسير القطار بسرعة 160 كيلومترا في الساعة. يظن بعض الناس أن هذه السرعة عادية في ظل التطور السريع للقطارات الفائقة السرعة التي تصل سرعتها إلى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة. ولكن، ما قد لا يعرفه كثيرون أن هذه السرعة هي الأعلى حتى الآن على السكك الحديدية الضيقة.

من المعروف أن عرض الخطوط الحديدية القياسية هو 453ر1 متر، بينما عرض الخطوط الحديدية الضيقة متر واحد فقط، ومعظم خطوط السكك الحديدية في ماليزيا عرضها متر. الخطوط الحديدية الضيقة تتطلب تكنولوجيا حديثة للحفاظ على سلاسة وأمان سير القطارات.

تشو آن ده، وهو من مبدعي هذا القطار، يشغل حاليا منصب مدير قسم بحث وتطوير القطار الفائق السرعة في شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو، (CRRC Zhuzhou Locomotive Co., Ltd)، وجُل همه أن يصل القطار الفائق السرعة إلى المحطة الأخيرة بشكل آمن وسريع. السيد تشو يؤمن بأن الابتكار لا نهاية له.

الحلم حقيقة

في شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو ولد أسرع قطار في العالم يعمل على السكك الحديدية الضيقة. المختبر الذي يعمل فيه تشو آن ده شاهد على جهوده.

في عام 1958، تم إنتاج أول قاطرة كهربائية صينية باسم "شاوشان" في مصنع تشوتشو للقاطرات (شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو حاليا). وقد ظل هذا الإنجاز التكنولوجي حديث وسائل الإعلام في السنوات اللاحقة. عندما ولد تشو آن ده في سبعينيات القرن الماضي بمقاطعة هونان، كانت قصة "شاوشان" شائعة، فراوده حلم المشاركة في تطوير القاطرات الكهربائية.

بعد تخرجه في جامعة جياوتونغ بجنوب غربي الصين عام 2000، التحق تشو آن ده بمصنع تشوتشو للقاطرات الكهربائية، وانخرط في أعمال القاطرات الكهربائية وقاطرات السكك الحديدية بين المدن والقطارات الفائقة السرعة والقطار المغناطيسي وغيرها من القطارات ذات التكنولوجيا الجديدة. بدأ عمله في المصنع بتقديم الخدمات التقنية بعد البيع لخط قوانغتشو- شنتشن الحديدي، وكسب كنزا من التجارب في بحث وتطوير القطارات الفائقة السرعة.

بعد طرح فكرة "تجمعات المدن" و"خطة تطوير نقل الركاب في المدن" في الصين، وجه تشو آن ده اهتمامه إلى بحث القطارات الفائقة السرعة بين المدن، مما أرسى أساسا لإنتاج أسرع قطار في العالم يعمل على السكك الحديدية الضيقة، أي التي عرضها متر. قال تشو آن ده: "القطارات الفائقة السرعة التي تعمل على السكك الحديدية بين المدن تختلف عن القطارات الفائقة السرعة العادية، إذ أن القطارات بين المدن تُستخدم كالحافلات بين مدن، فتكون المسافة بين المحطات قصيرة بينما عدد الركاب كبيرا."

بعد سنوات من الاستكشاف والابتكار، أصبح حلم تشو آن ده حقيقة، حيث وقعت شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو اتفاقية قيمتها أربعة مليارات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات) مع ماليزيا لتصدير قطارات فائقة السرعة بين المدن. كانت هذه أول مرة يتم تصدير القطارات الكهربائية الفائقة السرعة الصينية إلى الخارج، وشملت الاتفاقية 38 قطارا فائق السرعة تعمل على السكك الحديدية الضيقة.

ما إن تم تنفيذ الاتفاقية الأولى في عام 2013، حتى وقعت ماليزيا مع شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو اتفاقية ثانية بشأن القطارات الفائقة السرعة. استفاد تشو آن ده وزملاؤه من خبرات بحث وتصميم القطارات الفائقة السرعة بين المدن، وصمموا أخيرا أسرع قطار في العالم يعمل على السكك الحديدية الضيقة.

التغلب على الصعوبات

قال تشو آن ده إن بحث وتطوير القطار الفائق السرعة للعمل على السكك الحديدية الضيقة في ماليزيا واجه معضلة حقيقية، فقد طلب الجانب الماليزي أن تكون درجة الحرارة داخل عربات القطار عشرين درجة مئوية في ظل درجة حرارة الجو العالية في المنطقة، التي تتجاوز خمسا وثلاثين درجة مئوية مع رطوبة شديدة، وهذا هو المطلب الأعلى في أنظمة تكييف عربات القطارات.

لمواجهة هذا التحدي، بذل تشو آن ده وزملاؤه جهودا جمة في بحث وتطوير التكنولوجيا الحديثة لرفع قدرات التبريد وإزالة الرطوبة وصرف الماء الناتج عن مكيفات الهواء في القطارات.

إضافة إلى ذلك، عدد ركاب هذا الخط الحديدي كبير، يصل إلى ألف ومائتي راكب في ست عربات لكل قطار، بينما يكون الفاصل الزمني بين كل قطارين من خمس دقائق إلى ربع ساعة، فاستخدم فريق تشو آن ده تكنولوجيا بوجي (Bogie) الحديثة للسكك الحديدية الضيقة لتحقيق توقف القطار خلال دقيقة ونصف في مسافة كيلومتر، وتعد هذه التكنولوجيا جديدة في العالم. قال تشو آن ده: بالمقارنة مع القطارات القديمة، قطاراتنا تملك قدرة الكبح والتوقف المتفوقة لتقديم بيئة مريحة.

أضاف تشو آن ده أن القطارات الفائقة السرعة على الخطوط الحديدية الضيقة في ماليزيا صنعت بسبيكة ألومنيوم خفيفة، وسرعة الانطلاق من 0 كيلومتر وصولا إلى 160 كيلومترا في الساعة تستغرق دقيقتين. وعلاوة على ذلك، القطارات مزودة بنظام الإنذار ونظام مراقبة الأحوال خارج القطارات لتقديم مزيد من الضمان خلال سيرها.

إضافة إلى التكنولوجيا الحديثة، القطارات الفائقة السرعة على الخطوط الحديدية الضيقة في ماليزيا تهتم بالخصائص الماليزية، حيث يوجد في كل قطار عربة مخصصة للنساء ومكان للصلاة.

قال تشو آن ده: "الابتكار التكنولوجي أهم سبب لنجاحنا في ماليزيا"، مشيرا إلى أن الابتكار التكنولوجي يشبه نظام تكون الدم عند البشر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون نظام تكون الدم. لم يكن ممكنا تحقيق هذا النجاح بين شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو وماليزيا من دون الابتكار.

نحو الخارج

عندما وصل تشو آن ده إلى ماليزيا، واجه سؤالا صعبا من المحليين: "الصين متخلفة، أليس كذلك؟ لماذا تبيع القطارات لنا؟" منذ ذلك الوقت، أدرك أن هناك طريقا طويلا أمام المؤسسات الصينية لتتجه إلى الخارج.

قال تشو آن ده: "في البداية، حدثت مشكلة صغيرة أثناء التشغيل التجريبي للقطارات، فشعر الماليزيون بالقلق من تكنولوجيا المنتجات الصينية." ومازال تشو آن ده يتذكر شكوك الماليزيين في جودة القطارات الصينية عندما ظهر تشويش على الإشارة.

من أجل حل المشاكل التكنولوجية، ذهب تشو آن ده مع المهندسين إلى موقع العمل لفحص خطوط الإمداد بالكهرباء فاكتشفوا أن السبب الرئيسي للتشويش على الإشارة هو بعض كابلات الكهرباء البالية. أصلح تشو آن ده وزملاؤه كل كابلات الكهرباء فاختفى التشويش وبدأت القطارات تسير بشكل طبيعي، ونالت المنتجات الصينية ثقة الطرف الماليزي.

الثقة تدفع التعاون، فشركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو لها حاليا ثلاثة فروع في ماليزيا، و90% من الموظفين في هذه الفروع ماليزيون.

إضافة إلى ماليزيا، حصلت شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو على طلبات توريد قاطرات وعربات مترو وقطارات الفائقة السرعة من أكثر من عشر دول، منها سنغافورة وتركيا والهند وجنوب أفريقيا ومقدونيا وأثيوبيا، بقيمة إجمالية تتجاوز ثلاثين مليار يوان. وحاليا، تصدر منتجات شركة الصين المحدودة لخطوط السكك الحديدية في تشوتشو إلى 101 دولة ومنطقة في ست قارات، ولا شك أن هذا النجاح تحقق بفضل الابتكار.