الأخبار الأخيرة

قصة الابتكار في الصين:مهندس جسور من الطراز العالمي (2)

/مصدر: الصين اليوم/  15:07, November 12, 2016

    اطبع
قصة الابتكار في الصين:مهندس جسور من الطراز العالمي

             تشو لين

سيتم الربط بين مدينة شانغهاي ومدينة نانتونغ في مقاطعة جيانغسو بجسر مدعوم بالكوابل، للطريق السريع والسكك الحديدية، طوله 1092 مترا، لتستغرق الرحلة بين المدينتين اللتين تبلغ المسافة بينهما 130 كيلومترا، ساعة واحدة فقط. الجسر الذي يحمل اسم "هوتونغ" تم التخطيط له في عام 2003، وبدأت أعماله الإنشائية في عام 2014 وسوف ينجز في عام 2019.

هذا الجسر حلم عمره ست عشرة سنة لقاو تسونغ يوي، كبير مهندسي في الشركة الصينية لتصميم وإنشاء جسور السكك الحديدية، الذي قال إن حياته مربوطة بعشرين جسرا.

تحدي الصعوبات

 قيل بين أوساط بناء الجسور إنه قبل سبعينيات القرن العشرين كانت الدول الغربية في صدارة العالم، وفي التسعينيات احتلت اليابان الصدارة، أما في القرن العشرين فالصين في المقدمة. معيار تقنية وقدرة بناء الجسور هو طول البناء الرئيسي، فكلما زاد طول الجسر زادت صعوبات البناء. المعيار الآخر هو مستوى الابتكار.

في المنتدى الدولي لتكنولوجيا بناء الجسور الذي استضافته مدينة ووهان الصينية عام 2012، أعلن قاو تسونغ يوي بحماسة أن جسر هوتونغ سوف يشيد بطريقة جسر الطرق- السكك الحديدية المثبت بكابلات فولاذية (rail-cum-road cable-stayed steel bridge) بطول 1092 مترا، ليسجل رقما قياسيا عالميا ويكون أول جسر من نوعه في العالم طوله أكثر من ألف متر.

يبلغ ارتفاع البرج الرئيسي لجسر هوتونغ 325 مترا، وهو أعلى برج رئيسي لجسر من هذا النوع في العالم؛ ويبلغ طوله 1092 مترا وهذا رقم قياسي لطول جسور السكك الحديدية في العالم؛ وتبلغ كمية الفولاذ المستخدم فيه 480 ألف طن، أي 12 ضعف الكمية المستخدمة في بناء استاد "عش الطيور"؛ ويبلغ حجم الأسمنت اللازم لبنائه 3ر2 مليون متر مكعب، أي ثمانية أضعاف الكمية المستخدمة في بناء المسرح الوطني الكبير. يتميز هذا الجسر بقدرته على مقاومة الأعاصير من المستوى الرابع عشر والزلازل بقدرة 8 درجات بمقياس رختر، واصطدام سفينة حمولتها مائة ألف طن. الدعامتان رقم 28 و29 جزء هام من البرج الرئيسي للجسر، وارتفاع مربع الصلب بالدعامة رقم 29، يبلغ 56 مترا ووزنه الإجمالي يتجاوز 15000 طن، ليحطم الرقم القياسي العالمي مرة أخرى.

هذا الجسر، بحجمه الكبير وصعوبات بنائه الهائلة والأرقام القياسية التي يسجلها، يعتبر أعلى مستوى لبناء الجسور في الصين والعالم.

في عام 2003، بدأ قاو تسونغ يوي الاستعداد لتصميم جسر هوتونغ، وزار موقع بنائه وتنقل بين شانغهاي ونانتونغ مرات. قال: "تفقدت بضعة عشر موقعا ودرست خمسة مواقع خاصة. اختيار الموقع هو المهمة الأصعب." وأضاف: "اختيار موقع بناء الجسر أمر في غاية الأهمية، ويتطلب التفكير في عوامل كثيرة، منها ضمان التدفق السلس لممر نهر اليانغتسي، والخصائص الجيولوجية والهيدرولوجية للمكان، والسيطرة على الفيضانات، ونقاط الترابط بين الطرق العامة والسكك الحديدية وأراضي البناء المحيطة بها. وعندما تكون المنطقة التي بها الموقع ذات اقتصاد متطور تصبح القيود أكثر. نظرا للفوائد الاقتصادية، يجمع جسر هوتونغ بين مزايا السكك الحديدية بين المدن والطرق السريعة. بناء هذا الجسر يوفر عشرة مليارات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات)."

رغم التحديات الكثيرة، يبدو أن قاو تسونغ يوي لديه طريقته الخاصة في مواجهة التحديات. قال: "العالِم يمكنه الخطأ في التجربة، ولكن المهندس لا يسمح له بالفشل إطلاقا. جودة وسلامة المشروع هما الأهم، ولا مجال لوجود خطأ ولو بسيط." قال ليو هان شون، رئيس أكاديمية التصميم الأولى التابعة للشركة الصينية المحدودة لتصميم وبناء جسور السكك الحديدية: " يتمتع قاو تسونغ يوي بثقة كبيرة دائما، سواء كان المشروع كبيرا أو صغيرا."

نجاح قاو تسونغ يوي لا ينفصل عن مهارته المهنية الفائقة وموقفه الصارم في أعماله. لقد كان قاو، باعتباره مصمما رئيسيا على المستوى الوطني، المسؤول الفني عن تصميم أول دفعة من جسور السكك الحديدية العالية السرعة عبر نهر اليانغتسي والنهر الأصفر، وأحد المصممين الرئيسيين لجسر خليج هانغتشو وجسر بحر الصين الشرقي، فضلا عن كونه خبيرا في تصميم الجسور الكبيرة الحجم.

في بداية عام 2014، نجحت تقنية لبناء الجسر المدعوم بالكوابل، للطريق والسكك الحديدية، ابتكرها قاو تسونغ يوي، وفازت بالجائزة الوطنية الصينية للتقدم العلمي والتكنولوجي.

المثابرة على الابتكار

التقنية الجديدة طبقت في جسر تيانشينغ تشو للطرق- السكك الحديدية بمدينة ووهان، هذا الجسر يعتبر علامة فارقة في حياة قاو تسونغ يوي.

جسر الطرق- السكك الحديدية، الذي تسير السيارات بطابقه العلوي بينما تسير القطارات بطابقه السفلي، يكون أكثر تعقيدا في البناء من جسور الطرق العادية. وزن القطار الواحد يساوي وزن طريق من ثماني حارات. في البداية، كان جسر تيانشينغ تشو به سكة حديدية ذات مسار مزدوج، زادت إلى ثلاثة مسارات ثم أربعة مسارات، إضافة إلى مسار مزدوج لسكة حديدية عالية السرعة. الوزن الإجمالي للسكة الحديدية ذات الأربعة مسارات مع الطريق المكون من ست حارات يساوي وزن طريق مكون من أربع وثلاثين حارة.

قال قاو إن سر نجاح جسر تيانشينغ تشو هو الابتكار، لكن طريق تحقيق الابتكار يواجه دائما بالشكوك.

كان جسر تيانشينغ تشو هو الأطول في العالم بين جسور الطرق- السكك الحديدية، وأول جسر طريق- سكة حديدية في العالم به أربع مسارات، منها مسار مزدوج لقطار عالي السرعة، ويحمل أول سكة حديدية عالية السرعة تمر فوق نهر اليانغتسي.

زيادة الوزن تفرض تحديا آخر، فلا بد أن ترتفع عارضة الجسر كلها وأن يزيد حجم المكونات بما يتناسب مع حمولة جسر مثبت بأسلاك فولاذية مع دعامتي كابلين، الأمر الذي يزيد كمية العمل كثيرا.

طرح قاو تسونغ يوي وفريقه مشروع "طريقة الإنشاء لجسور الطرق- السكك الحديدية المثبتة بكابلات فولاذية من دعامات رئيسية ثلاثية وكابل"، أي إضافة دعامة كابل واحد وجملون رئيسي واحد لتعزيز صلابة الجسر وقدرة الحمل.

وقد طرح خبراء تساؤلات حول هذا المشروع، لأسباب وجيهة، منها أن المشروع ليس له مثيل في العالم، كما أن إضافة دعامة كابلية واحدة سوف تتطلب بنية أكثر تعقيدا وتزيد صعوبات الحساب والتحليل؛ فضلا عن أن كثيرا من نقاط الالتحام في العملية أمر تكتنفه مخاطر كثيرة.

الصعوبة الأولى كانت تحليل وحساب ضغط الجسر. سوف تمر السيارات والشاحنات وقطار عالي السرعة فوق جسر تيانشينغ تشو، ولذا طور قاو تسونغ يوي وفريقه برنامج تصميم الجسور ثلاثية الأبعاد، وقاموا بتحليل البيانات من خلال محاكاة حركة المرور. وبعد ستة أشهر من التجارب والحسابات، حصل الفريق على نتيجة غير متوقعة: الجملون الرئيسي الأوسط يحمل نفس الوزن مقارنة مع الجملون الجانبي، والفجوة لا تزيد عن 10%. هذه النتيجة أحدثت هزة وكانت دعما قويا للمشروع.

صعوبات التنفيذ الكبيرة كانت مصدر قلق للخبراء، رغم أن نظرية المشروع معقولة. بذل قاو وفريقه جهودهم للتغلب على الصعوبات فطوروا رافعة يمكنها حمل 700 طن، ويتم رفع الجملونات في نقاط عديدة، ونجحوا في تجميع الدعامات.

مقارنة مع مشروع قديم للجسر، المشروع الجديد يوفر 3330 طنا من الفولاذ، ويقلل ارتفاع الطريق والسكة الحديدية مترا واحد، ويخفض ارتفاع وطول الجسور المتصلة، ويوفر 111 مليون يوان من التكلفة.

قال قاو تسونغ يوي إن أصوات التساؤل والإنكار لم تكن قليلة في البداية. لكن الابتكار وُلد خلال مسيرة التغلب على الصعوبات. الابتكار هدفه تلبية متطلبات المشروعات فقط.

الابتكار المستقل

قال قاو تسونغ يوي إن الابتكار مفهوم خالد، يختلف جوهره باختلاف العصور. خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، عندما شيد جسر اليانغتسي- ووهان، استعانت الصين بخبير من الاتحاد السوفيتي السابق، وتفقد الرئيس الراحل ماو تسي تونغ الجسر ثلاث مرات، وسأل العاملين المحليين هل تفهمون؟ وهل تتعلمون؟" اليوم، تتقدم تكنولوجيا بناء الجسور الصينية تقدما كبيرا، على أساس ضمان السلامة والجودة وتوفير التكاليف، وتهتم بقوة التحمل، وانخفاض الكربون، ودعم المواد الصديقة للبيئة، والمعلوماتية.

نظام برمجيات الهيكل المثبت بأسلاك فولاذية الذي طوره قاو تسونغ يوي في تسعينيات القرن العشرين، يُستخدم حتى اليوم، ويتطور باستمرار: من حساب الجسر الصغير إلى حساب الجسر الكبير، من الحساب السهل إلى الحساب المعقد، من التحليل الثابت إلى التحليل الديناميكي.

جسر نهر مينجيانغ، في تشينغ تشو بمدينة فوتشو، الذي صممه قاو تسونغ يوي في عام 1998، ويبلغ طوله الرئيسي 605 أمتار، يحتل المركز الأول بين الجسور من نوعه. وبجانب ذلك، طور قاو برنامج حساب جديدا مع زملائه بعد جهود استمرت سنة كاملة، وحسابات هذا البرنامج تساعد في توفير 20% من كمية الفولاذ و30 مليون يوان من التكلفة.

في عام 2001، عندما صُمم جسر بحر الصين الشرقي، وهو أول جسر عبر البحر في الصين، واجه مشكلة جديدة: التآكل بسبب ماء البحر، والتعرض لعواصف قوية لمدة ستة أشهر كل سنة. من أجل حل تلك المشاكل، اقترح قاو أن يتم على الأرض التصنيع المسبق للركيزة الخرسانية التي تغطي سبعين مترا بين ركيزتي الجسر الرئيسيتين، ثم نقلها بعبّارة خاصة إلى البحر. وهكذا كان قاو سباقا في وضع مفهوم التصنيع المسبق والسلامة في إنشاء الجسور. اكتمل بناء جسر بحر الصين الشرقي بطول 5ر32 كيلومترا، خلال أربع سنوات، مما أدهش الخبراء الآخرين كثيرا.

مع دخول القرن الجديد، وتطور القطارات الفائقة السرعة في الصين، يركز قاو تسونغ يوي اهتمامه على الجسور الطويلة التي تحمل السكك الحديدية عالية السرعة. صمم جسر تيانشينغ تشو في مدينة ووهان وجسر النهر الأصفر في مدينة تشنغتشو. جسر تيانشينغ تشو، الذي يبلغ طوله 504 أمتار، فاز بجائزة جورج ريتشاردسون في الدورة السابعة والعشرين للمؤتمر الدولي للجسور.

خلال مسيرته المهنية، حققت إبداعاته إنجازات كثيرة، فقد فاز بأكثر من عشرين جائزة وطنية ودولية: فاز بجائزة جورج ريتشاردسون مرتين، والجائزة الوطنية للتقدم العلمي والتكنولوجي ست مرات، والجائزة الذهبية الوطنية لتصميم المشروعات الممتازة، وجائزة تشان تيان يو لتكنولوجيا السكك الحديدية؛ فضلا عن أن لديه 12 براءة اختراع، ونشر أكثر من 30 رسالة بحثية، وأنجز 24 عملا رئيسيا، ووصل بمشروعاته إلى المملكة المغربية، حيث صمم جسر الملك محمد السادس.

قال قاو تسونغ يوي الذي ولد في عام 1964، إنه يريد أن يبني ثلاثة جسور عبر خليج تشيونغتشو وخليج بحر بوهاي ومضيق تايوان، ويدفع جسور الصين نحو العالم، ويشارك بفعالية في بناء "الحزام والطريق"، ويحقق التنافس مع الدول المتطورة في مجالات التصميم والتنفيذ والإبداع والدراسة والاستشارة وغيرها. 


【1】【2】【3】【4】【5】【6】

صور ساخنة

أخبار ساخنة

روابط ذات العلاقة

arabic.people.cn@facebook arabic.people.cn@twitter
×