أكد السفير المصري لدى الصين السيد أسامة المجدوب أنه في إطار سعي مصر والصين الحثيث إلى إنجاز المهمة التاريخية العظيمة المتمثلة في تحقيق النهضة الوطنية لكلا البلدين، فإن ثمة توافقاً موضوعياً ومنطقياً تزامن بين مبادرة الحزام والطريق الصينية وخطة التنمية المستدامة المصرية مع ارتكاز المبادرة على مد الجسور والمواصلات وإنشاء الطرق والموانيئ برياً وبحرياً وانطلاق مصر في عملية إعادة بناء بنيتها التحتية بالكامل، وهو ما يؤكد توافق الرؤى ومواصلة العمل على دفع زخم التعاون بين البلدين.
وجاءت تصريحات السفير خلال مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، قال فيها إن ما تبذله مصر حالياً من جهود يخدم في الواقع مبادرة الحزام والطريق، ضارباً مثالاً على ذلك بمشروع إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الذي أوضح أنه سيسهم إسهاماً كبيراً في تعزيز إنجاح المبادرة مع قيام مصر برفع كفاءة العبور في قناة السويس بعد ازدواجها بالكامل واختصار زمن انتقال السفن عبرها،علاوة على مشروعات التطوير والتنمية الجارية في إقليم قناة السويس ومنها مشروعات لإنشاء مدن وموانئ ومحطات لوجستية ومناطق صناعية، و"من ثم يمكن القول إن الجهود المصرية تأتي مكملة لنفس المفهوم الذي تقوم عليه مبادرة الحزام والطريق".
وحول منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي المقرر عقده في بكين يومي 14 و 15 مايو الجاري ويهدف إلى استكشاف سبل معالجة المشكلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية وضخ طاقة جديدة في التنمية المترابطة، أشار المجدوب إلى أن مصر ستشارك في المنتدى بوفد كبير يضم وزراء معظمهم من المجموعة الاقتصادية وستعرض خلال هذا المنتدى الهام خططها ورؤيتها المستقبلية وما تعكف على تنفيذه حالياً من مشروعات ضخمة وما تقدمه من تسهيلات ومميزات للمستثمرين.
وفي الواقع، تعد مصر شريكاً إستراتيجياً للصين في مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 وتضم إنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 بهدف بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا عبر طريق الحرير القديم الذي لم يكن طريقاً للتجارة فحسب، وإنما طريقاً للصداقة يربط بين قلوب شعوب الدول الواقعة عليه.
وأكد المجدوب على عمق وعراقة العلاقات بين مصر والصين، قائلا إن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للصين في ديسمبر 2014 شكلت حدثاً هاماً في العلاقات المصرية - الصينية، معرباً عن يقينه بأن توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال تلك الزيارة يمثل تطوراً طبيعياً لمستقبل العلاقات بينهما استناداً إلى تاريخ طويل من العلاقات الطيبة بينهما يمتد عبر آلاف السنين واستناداً إلى أن مصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في عام 1956 إضافة إلى ما تذخر به العلاقات الثنائية من أوجه تعاون مختلفة.
وعبر عن تطلعه إلى تطورها إلى مستويات أعلى وهو يشير إلى أن مصر، التي بادرت بإنشاء حركة عدم الانحياز، توازن دوما على مر تاريخها في علاقاتها بين الدول وتربطها علاقات طيبة مع دول العالم كافة.
كما شدد السفير على أهمية التبادل المتكرر للزيارات رفيعة المستوى بين قادة البلدين في توثيق عرى العلاقات الثنائية ولا سيما مع قيام الرئيس السيسي بزيارتين أخريين للصين في سبتمبر 2015 لحضور احتفال الصين بالذكرى الـ70 لانتهاء الحرب العالمية الثانية وفي سبتمبر 2016 كضيف شرف في قمة مجموعة الـ20 بهانغتشو، وقيام الرئيس شي بزيارة تاريخية لمصر في يناير 2016 ألقى خلالها خطاباً هاماً من مقر جامعة الدول العربية.
واستطرد قائلا إنه من المتوقع أن يقوم السيسي بزيارة للصين في سبتمبر 2017 لحضور قمة بريكس بهدف التواصل وتبادل وجهات النظر والخبرات مع مجموعة من الدول المتشابهة في الظروف، ملمحاً إلى أن فكرة عقد منتدى على هامش القمة للاقتصادات النامية والناشئة تعد أمراً هاماً ولاسيما أنه سيعقد في الصين، أكبر دول نامية وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأضاف المجدوب أن حدث افتتاح مكتب لبنك مصر في مدينة قوانغتشو الصينية مؤخرا، والذي سبقه رفع مستوى مكتب البنك الأهلي المصري في شانغهاي إلى فرع في عام 2008، يدلل على تزايد الاهتمام في العلاقة بين البلدين وتنوع مجالات التعاون والحرص على إنشاء آليات مصرفية ومالية للتعاون، مشددا على أن توقيع اتفاقية تبادل العملات بين الجانبين المصري والصيني بقيمة 18 مليار يوان يعد أيضا تطويراً لشكل التعاون الثنائي وتسهيلاً لعملية التبادل التجاري ولفكرة استخدام العملات المحلية فيما بينهما. وهذه مؤشرات تؤكد أن العلاقات بين مصر والصين مرشحة لأن تنمو وتتشعب وتلج إلى فضاءات جديدة.
وفي إطار المكافحة العالمية لخطر الإرهاب، قال المجدوب إن تنسيقا منتظماً ومستمراً ومتكرراً يجرى بين مصر والصين في هذا الصدد حيث تعقد لقاءات بين الأجهزة المعنية في البلدين ويتم تبادل المعلومات والأفكار وربما التفكير في إستراتيجيات مشتركة لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه، معرباً عن اعتقاده بأنه من أهم الملفات التي تحمل تعاوناً كبيراً بين البلدين.
وبالتحول إلى الأوضاع المضطربة التي يموج بها الشرق الأوسط، أوضح السفير المصري أن مصر والصين تتفقان في المبدأ المتمثل في رفض تدخل أي قوى خارجية في شؤون الدول ورفض التدخل العسكري في حل الصراعات السياسية داخل الدول، كما تتفقان في أن المسار السلمي والتفاوضي هو الحل الوحيد لمشكلات الدول ولا سيما المتعلقة بسوريا وليبيا واليمن. كما لفت إلى حرص مصر في هذا الصدد على أمرين ألا وهما الحفاظ على الدولة الوطنية وصيانة مؤسساتها واللجوء إلي الوسائل السياسية والسلمية وإجراء حوار شامل بين جميع الأطراف للتوصل إلى حلول بأيدي أبناء كل شعب.
وثمن المجدوب موقف الصين الداعم للقضية الفلسطينية وحرصها على حفظ حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مشيرا إلى أنه يجرى التشاور والتنسيق بين مصر والصين سواء في القضية الفلسطينية أو الملف السوري وهناك تبادل مستمر بينهما لوجهات النظر وربما استطلاع لتداعيات هاتين القضيتين على الأوضاع الأمنية في البلدين والمنطقة.
وفيما يتعلق بالإصلاحات المالية والنقدية والهيكلية التي تجريا مصر حالياً في إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادي، ذكر السفير أنها في المجمل إصلاحات ضرورية وبالغة الأهمية تضع الاقتصاد المصري على المسار الصحيح، فتحرير سعر صرف العملة كان أمراً هاماً لجذب الاستثمارات والقدرة على إعادة تصدير الأرباح للخارج.
وتابع بقوله إن عدم تحرير العملة يؤدي إلى سوق سوداء وعدم تدفق الاستثمارات الخارجية إلى مصر. أما مسألة تخفيض الدعم تدريجياً في بعض الأوجه مثل الطاقة تعزز قدرة الاقتصاد على التعافي والنمو وعلى إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين، موضحاً أنه رغم صعوبة هذا الملف، لكن ما تقوم به مصر الآن هو السير في الطريق الصواب وتظهر نتائجه من خلال إعادة تدفق الاستثمارات مرة أخرى واستعادة ثقة المستثمر وجميعها أمور مفيدة وتسهم في عملية التنمية.
وأشار المجدوب إلى تنوع أوجه التعاون بين البلدين، مدللا على ذلك بالتبادل والتعاون المكثفين في المجالين الثقافي والتعليمي اللذين يرى أنهما منطقيان في ضوء التمازج بين الحضارتين المصرية والصينية منذ قديم الزمان، علاوة على التعاون الطبي والصحي وكذا الفضائي حيث تقوم الصين حالياً ببناء قمر صناعي مصري ومركز متابعة وتتبع له، مشددا على ضرورة أن يتسع التعاون بين البلدين ليشمل شتي المجالات في ضوء احتياج مصر إلى الاستثمارات والتكنولوجيا في جميع القطاعات والصين لديها إمكانية كبيرة في هذا الصدد.
وأبرز السفير أهمية تنشيط السياحة بين مصر والصين في ضوء ما يذخر به البلدان من معالم سياحية فريدة تحكي تاريخهما الممتد عبر آلاف السنين، لافتا إلى أن السفارة المصرية في الصين تسعي جاهدة إلى جذب السائحين الصينيين إلى مصر سواء من خلال التواصل مع الشركات السياحية والمواطنين في الصين لتذليل أي عقبات أو من خلال صياغة برامج سياحية معينة تستهوي السائح الصيني، حيث من المأمول جذب عدد كبير من السائحين الصينيين مستقبلاً ولاسيما أن عددهم حول العالم بلغ 120 مليون في العام الماضي.
وفيما يتعلق بالمخاوف أو القلق اللذين يساوران السائحين الصينيين إزاء الوضع الأمني في مصر بعد وقوع انفجارات مؤخرا في بعض المدن المصرية، رد السفير قائلا "لقد وقعت حوادث إرهابية في لندن وباريس ومدريد وبروكسل وكل مكان في العالم تقريبا، وأصبحت ظاهرة الإرهاب آفة عالمية تقتضي مكافحتها تضافر الجهود.
ومضي في حديثه مؤكدا أن السفارة تخاطب دوماً الرأي العام الصيني من خلال وسائل الإعلام الصينية وتطمئنه بأن الوضع الأمني في مصر مستقر وإن ما يقع من حوادث ليس سوى حوادث فردية وأن هناك تأميناً جيداً للسائحين الوافدين إلى مصر من جميع دول العالم، داعياً الصينيين إلى زيارة مصر لرؤية آثار ومعالم سياحية لن يجدوها في أي مكان في العالم.
وفي الختام ولدى سؤاله عن انطباعاته عن الصين، قال المجدوب الذي لديه خبرة في السلك الديبلوماسي تمتد إلى 36 عاما حيث سبق له العمل كسفير في السويد كما خدم في بلجيكا وكوريا الجنوبية وفنزويلا والهند، وتولي مهام منصب سفير مصر لدي الصين في سبتمبر 2016، قال إن "الصين كما تخيلتها بلد جميل وشعب طيب ونشيط ومجتهد وملتزم استطاع تحقيق الكثير من أجل تنمية بلاده وتطويرها وجعلها من أجمل أماكن العالم".