بكين 26 يوليو 2017 /إن "الصين من الناحية الكمية تعد مساهما كبيرا في الصورة الشاملة للنمو العالمي، فالنمو القوي للاقتصاد الصيني يدفع المنطقة الآسيوية بشكل خاص والعالم أجمع بوجه عام"، هكذا جاءت تصريحات موريس أوبستفيلد كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي عقب صدور النسخة المحدثة من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي يوم الاثنين.
وفي هذا التقرير رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الصين لعامي 2017 و2018 إلى 6.7 في المائة و6.4 في المائة على التوالي، كما رفع أيضا التوقعات الاقتصادية للصين لعام 2018 بنسبة 0.2 نقطة مئوية ليصل إلى 6.4 في المائة.
وجاء هذا التعديل بعدما رفع صندوق النقد الدولي في إبريل الماضي توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 6.6 في المائة و6.2 في المائة لعامي 2017 و2018 على التوالي، وهو ارتفاع بنسبة 0.1 نقطة مئوية و0.2 نقطة مئوية عن توقعاته في يناير الماضي. وقد حددت الصين النمو المستهدف للعام بأكمله عند "حوالي 6.5 في المائة". وستضع التوقعات بتحقيق نمو قدره 6.7 في المائة، ستضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم على مستوى يعادل مستوى نموه في عام 2016.
وأشار أوبستفليد إلى أن "ما يحدث في الصين لا يبقى داخلها، وإنما يمتد إلى الاقتصاد العالمي بشكل كبير... لذا فإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للاقتصاد العالمي ألا تحقق الصين معدل نمو اقتصادي مرتفع فحسب، وإنما تحافظ أيضا على استدامة واستقرار هذا النمو دون حدوث تقلبات كبيرة".
ولا تزال الصين محركا للاقتصاد العالمي وسط تباطؤ النمو العالمي بشكل عام، وهذا لا يرجع فقط إلى أنها تسجل معدل نمو اقتصادي بشكل مستقر، بل أيضا إلى أن محركات الاقتصاد الصيني تشهد تغيرا إيجابيا حيث صار "الابتكار" قوة دافعة تقود النمو في الصين التي باتت تحتل المرتبة الثالثة في آسيا والأولى بين الدول الناشئة من حيث القدرة التنافسية الابتكارية. وحسب الإحصاءات، ارتفعت نسبة مساهمة العلوم والتكنولوجيا في نمو الاقتصاد الصيني إلى 56.2 في المائة فضلا عن مجيء الصين في الصدارة في مجالات اقتصادية جديدة مثل الدفع بواسطة الهاتف الجوال والاقتصاد التشاركي. ومن هنا، يمكن القول إن الطاقة الكبرى المتمخضة عن اقتصاد الابتكار في الصين تعطى المزيد من الدفع والثقة لنمو الاقتصاد العالمي.
وعند أخذ الاقتصاد التشاركي تحديدا مثالا على ذلك، نجد أن هذا المصطلح بدأ في الظهور في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وشكل هذا المفهوم آنذاك سبيلا جيدا لمعالجة المشكلة المشتركة التي تواجه الاقتصاد العالمي ألا وهي تحويل نمط التنمية الاقتصادية. فمنذ أمد طويل، ظل نمو الاقتصاد العالمي يتبع نمطا انتشاريا (لا يراعي البيئة) متمثلا في استهلاك الطاقة بشكل عال، وهو ما فرض ضغوطا هائلة على الموارد البيئية. أما الاقتصادي التشاركي، فهو من أفضل أنماط الاقتصاد الدائري الذي سيساعد على التخلى عن النمط الانتشاري للنمو الاقتصادي.
وفي الوقت الراهن، تساهم الصين بشكل رئيسي في الاقتصاد التشاركي. فعلى سبيل المثال، تعكس الدراجات الهوائية التشاركية التي أدرجت ضمن "الاختراعات الأربعة العظيمة للصين الجديدة" مؤخرا مع القطار فائق السرعة والدفع بواسطة الهاتف الجوال والتسوق عبر الإنترنت، تعكس النمو الاقتصادي التشاركي في الصين ومساهمتها في التنمية المستدامة. وقد أشار بحث أجراه مركز بحوث التجارة الإلكترونية الصينية مؤخرا إلى أن هناك 18.9 مليون مستخدم للدراجات الهوائية التشاركية على الصعيد الوطني حتى نهاية عام 2016، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 50 مليون حتى نهاية العام الجاري.
وأظهرت الإحصاءات أن المسافة الإجمالية التي قطعتها الدراجات الهوائية التشاركية في الصين في عام 2016 بلغت 2.5 مليار كيلومتر، وساعدت في توفير حوالي 460 مليون لتر من البنزين وتقليل انبعاث جسيمات بي أم 2.5 بمقدار 4.5 مليار ميكروغرام وخفض انبعاث كربون بمقدار 540 ألف طن. وفي الواقع، توجد الدراجات الهوائية التشاركية في بعض مناطق ومدن العالم، ولكن يصعب تعميمها بسبب عدم الملاءمة. ومن المتوقع أن تدخل الدراجات الهوائية الصينية حوالي 200 مدينة على نطاق العالم بحلول نهاية عام 2017، وبدورها ستساهم المزايا الفريدة التي تتمتع به الدراجات الهوائية التشاركية الصينية (مثل القفل الذكي، وربطها بالهاتف الجوال وتطبيقاته، والسعر المنخفض) ستساهم في الاقتصاد الأخضر والمستدام على نطاق العالم.
ولا تقتصر مساهمات الابتكار في نمو الاقتصاد الصيني على الاقتصاد التشاركي داخل البلاد فحسب، بل أصبح الابتكار نمطا جديدا للتعاون بين الصين والدول الأخرى وسمة جديدة للعلاقات الدولية، مثل التعاون الابتكاري بين الصين وألمانيا في السنوات الأخيرة، وإقامة شراكة إستراتيجية ابتكارية مع سويسرا وإقامة شراكة ابتكارية شاملة مع إسرائيل... كل ذلك يثرى محتوى النمط الجديد للعلاقات الدولية ويضخ حيوية في نمو الاقتصاد العالمي.
إن الصين،باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعد من أهم محركات نمو الاقتصاد العالمي. أما ابتكار الصين في مجال الاقتصاد، الذي يلعب دور النموذج والمرجعية، فيتيح "فرصة التنمية" التي يتطلع إليها العالم بأكمله.