اعلان تركيا في الآونة الأخيرة عن بدء تنفيذ عملية عسكرية برية ضد المقاتلين الأكراد في مدينة عفرين بشمال سوريا أطلق عليها اسم "غصن الزيتون" ضربة على ما أعلنت عليه الولايات المتحدة سابقا بشأن قرار انشاء " قوات أمن حدودية" في سوريا بالتعاون مع القوات المسلحة الكردية. وبالرغم من أن القضية الكردية طالما شكلت صداعا كبيرا لتركيا، ومع ذلك، نفذت الولايات المتحدة خطتها الخاصة دون مراعاة المصالح التركية. وفي ظل الآراء المختلفة .. أين ستذهب العلاقة بين الدولتين؟
لكل بلد اعتبارات خاصة
قال لي وي جيان نائب رئيس الجمعية الصينية والشرق الاوسط وباحث في معهد دراسات السياسة الخارجية في معهد شنغهاي للدراسات الدولية في حديثه حول الهدف من العملية العسكرية التركية في سوريا، أنه لإظهار تركيا موقفها الصعب للغاية وعدم التنازل عنه في قضية القوات المسلحة الكردية في سوريا، كما أن تحركها الفوري بعد اعلان الولايات المتحدة القرار ذات الصلة، هو من اجل تحذير الاخيرة فيما يتعلق بالقضية الكردية.
بعد بدء العملية العسكرية التركية، كان موقف الولايات المتحدة ضبط النفس نسبيا. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز في مؤتمر صحفي عقد يوم 22 يناير، أن الولايات المتحدة تحث تركيا على ضبط النفس في تحركاتها العسكرية وكلامها في سوريا، وطالبت تركيا بضمان أن تكون عملياتها محدودة في النطاق والمدة وتجنب سقوط ضحايا مدنيين. وصرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أن مخاوف تركيا الأمنية في شمال سوريا معقولة.
لماذا اتخذت الولايات المتحدة قرار دعم الاكراد السوريين مادام أنها تعلم بأنه يغضب تركيا؟ يعتقد لي وي جيان أن قضية دعم الولايات المتحدة لأكراد سوريا جاء بذريعة ضرب العناصر المتبقية من تنظيم " الدولة الاسلامية"، خلفه هدف أكثر اهمية. " عندما دخلت القضية السورية جولة جديدة من المفاوضات فيما يتعلق بالعملية السياسية المستقبلية في سوريا، واعادة الاعمار وغيرها من القضايا الاخرى، بات جميع الاطراف يرغبون في أن يكون لهم متحدث باسمهم للمساعدة على ضمان مكان أكثر مركزية." أشار لي وي جيان الى أن المعارضة السورية الحالية، والاكراد، بما في ذلك القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة ما هي إلا قطع شطرنج ورقائق تستخدمها الولايات المتحدة لمواجهة روسيا وغيرها من الدول الاخرى في القضية السورية.
الابتعاد لا الكسر
الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا حول القضية الكردية المسلحة في سوريا أثار العديد من التكهنات والقلق بشأن العلاقات بين البلدين. لكن، في البيان العام لا يزال البلدان العضوان في حلف الناتو يحتفظان ماء الوجه ببعضهما البعض. وبالإضافة الى الولايات المتحدة التي تدعي أنها تتفهم المخاوف التركية، أكد مسؤولون اتراك للعالم الخارجي ايضا، أن مسؤولين أمريكيين أكدوا لتركيا بعدم وجود قوات امريكية في منطقة عفرين، ومن المستحيل ان تكون هناك مواجهة مباشرة بين البلدين في المنطقة. كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنّ بلاده ستعمل على إنهاء عملية غصن الزيتون في مدينة عفرين السورية، في أقرب وقت.
ويعتقد لى وى جيان أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا شهدت تراجعا تدريجيا في السنوات القليلة الماضية. مضيفا:" أن قضية القوات المسلحة الكردية في سوريا تتعلق بالمصالح التركية الاساسية، لذلك، تصر تركيا على هذه المصالح بقوة حتى ولو تدهورت علاقاتها بين الولايات المتحدة. بالإضافة الى ذلك، حولت تركيا مركز سياستها الخارجية الى الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة، ومن أجل تعزيز نفوذها في المنطقة، بات موقف تركيا حول القدس وغيرها من القضايا في الشرق الاوسط لا تتفق مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، ليس من مصلحة تركيا أن تفكر في تمزيق علاقاتها تماما مع الولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، يتطلب على الولايات المتحدة ان تنظر الى الوضع من الزاوية الجيوسياسية ايضا. نقلت صحيفة “هآرتس" الاسرائيلية عن محللين قولهم:" إذا كان من الضروري على الولايات المتحدة اتخاذ القرار بين تركيا والاكراد، سوف تختار تركيا ـ والاكراد فهموا هذا ايضا." " إن المصالح السياسية والاقتصادية تتطلب أن تحافظ الولايات المتحدة على علاقاتها الجيدة مع تركيا، خاصة وأن الاخيرة لديها تعاون مع روسيا وإيران."
" قد يؤدي محاولة الولايات المتحدة منافسة تركيا الى توجه الأخيرة نحو روسيا أكبر منافس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط." أشار لي وي جيان الى:" بالإضافة الى ذلك، تشمل القضية الكردية كل من سوريا والعراق وإيران أيضا، ومن المرجح أن تتحد هذه البلدان وتواصل تغيير موقفها من سوريا في حال استمرار الولايات المتحدة في دعمها للقوات الكردية. وبمجرد حدوث ذلك، ستكون الولايات المتحدة الأكثر عزلة في قضية الشرق الأوسط."