مسقط 30 مايو 2018 / في ليلة توافق النصف من رمضان من كل عام، يحتفل الأطفال في سلطنة عمان بعادة "القرنقشوه" حيث يخرجون الى الشوارع والحارات يطرقون الأبواب مرددين الأغنية الشهيرة "قرانقشوه يا ناس.. أعطونا شوية حلوات".
وتجمع عشرات الأطفال من البنين والبنات ممن تتراوح أعمارهم ما بين سنتين وحتى 12 عاما في بهو أحد المراكز التجارية الضخمة بالعاصمة مسقط، وقد علق كثير منهم في وسطه حقائب قماشية وهم يغنون ويرقصون احتفالا بهذه العادة السنوية المتوارثة منذ القدم.
وحضر الاحتفال الذي نظمته بلدية مسقط مساء اليوم، أكثر من 200 طفل وأسرهم وشهد العديد من الفقرات والفعاليات، بدءا من التلوين على الوجوه الى الغناء والموسيقى وتوزيع الهدايا وإقامة العديد من المسابقات.
والقرنقشوه تعني العطية أو الهدية وهي مأخوذة من الكلمة الدارجة عمانيا "قرقش" أو "اعطيني".
وقال الطفل حمد نبيل الهادي (8 سنوات) "فرحت كثيرا بالاحتفال بالقرنقشوه فنحن نغني ونلعب ونأخذ هدايا متنوعة".
وأضاف حمد لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أحضرتني والدتي أنا وأختي لكي نحتفل بالقرنقشوه .. رسموا لي على وجهي (شخصية) سبايدر مان وأنا طلبت منهم رسمه حينما سألوني عن الرسم الذي أريده".
وقالت والدة حمد انها حرصت على أن يحضر ابنها الاحتفال لانه "يمثل واحدة من العادات القديمة التي كبرنا عليها.. وأشعر أنه سيكون سعيدا ويمضي وقتا جميلا".
وتقام احتفالات "قرنقشوه" في جميع ولايات السلطنة وتتفاوت الجهات المنظمة لها ما بين الولايات والبلديات المختلفة والمراكز التجارية والبنوك والمدارس وجمعيات المرأة العمانية.
كما تتفاوت البرامج والفعاليات التي تقام والهدايا التي تعطى للأطفال بحسب الجهة المنظمة ومدى انفاقها.
وما زالت تقام بعض الاحتفالات بالطريقة التقليدية بين الحواري والشوارع الضيقة في القرى العمانية البعيدة عن مسقط.
وتحرص جوخة السناني وهي أم لثلاثة أطفال على حضور أولادها هذه المناسبة كل عام "حتى يكبروا على العادات العمانية القديمة ويتذكرون ذلك حينما يكبرون".
وتتذكر السيدة أجواء تلك الاحتفالات مع والديها عندما كانت صغيرة، وتقول "مازالت هذه العادات والمناسبات تمثل معان مهمة وذكريات جميلة في حياتنا".
وحرصت جوخة ان يرتدي أولادها (ولد وبنتان) الملابس العمانية التقليدية التي قامتها بتفصيلها لهم خصيصا قبل أسبوعين.
وقالت الأم "سعد الأولاد كثيرا بالاحتفال وزادت فرحتي ان ابني شارك في المسابقات وفاز بهدية عبارة عن سيارة تعمل بالريموت".
وشهد الحفل تقديم العديد من الفقرات المتنوعة ما بين المسابقات والغناء والانشاد والشعر وغيرها.
وقال عاصم الرئيسي منظم الحفل فنيا وموسيقيا انه يحرص على تقديم الأغاني الخاصة بـ"القرنقشوه" وهي أغان تراثية محفوظة ولكن في بعض الأحيان يضيف إليها تنويعات موسيقية تتناسب مع برامج المسابقات التي أضيفت للاحتفال.
وأضاف الرئيسي أنه ينظم مثل هذه الحفلات سنويا ولديه الرصيد الكافي من الأسطوانات الغنائية (سي دي) لها، غير أنه يعد كل عام أغنيات وموسيقى حديثة وقد عمل على ذلك منذ أسبوعين حتى يكون الاحتفال هذا العام مختلفا.
وقال إبراهيم الحسني من بلدية مسقط منظمة الاحتفال "في السابق لم يكن الاحتفال هكذا بل كان بالطريقة التقليدية بمعنى انه يقام في الحواري والشوارع في القرى والمدن ويدور الأطفال على المنازل بينما الآن فهو يقام في المجمعات التجارية وفي المدارس والأماكن العامة".
واكد الحسني ان البلدية ومنذ عدة سنوات، تحرص على الاحتفال بـ"القرنقشوه" في اطار الحرص على العادات العُمانية القديمة وتأصيلها في مخيلة الأجيال الجديدة ومن ثم عدم نسيانها واندثارها.
وقال أستاذ التاريخ العُماني بجامعة السلطان قابوس الدكتور محمد المقدم ان "القرانقشوه عادة عمانية قديمة متوارثة، ومع مرور السنوات أصبحت تمثل عيدا للأطفال حيث يستعدون لها منذ بداية رمضان بالملابس الجديدة".
وأشار المقدم الى ان الأمر الجيد في هذه العادة الاجتماعية انها ترسم البسمة على وجوه الأطفال، فالكبار ينتظرونهم وعندما يطرقون أبوابهم يستقبلوهم بالحلويات والنقود والهدايا.
وأشار الى ان القرنقشوه ليس عادة عمانية فحسب بل هو عادة خليجية في كل دول مجلس التعاون الخليجي، وان كان يختلف اسمها من بلد لآخر.
فقرنقشوه هو اسمها في عمان، بينما في بلدان اخرى مثل الكويت تسمى القريقيعان، وفي دول أخرى تسمى قرنقعوة وقرقاعون أو كركيعان.
وأوضح المقدم ان القرنقشوه يمثل نوعا من التواصل الاجتماعي والعطاء بين الأطفال والأسر علاوة على انه يظل في ذاكرة الطفل كنوع من الذكريات والعادات القديمة التي تربطه بالوطن وتمثل جزءا من ذاكرته التاريخية.