بكين 29 سبتمبر 2018 / لقد شهدت طاولة مستديرة كبيرة مصممة خصيصا في قاعة الشعب الكبرى في بكين مشهدا نادرا في تاريخ الدبلوماسية الدولية يوم 4 سبتمبر، حينما كان يجلس حولها قادة 45 دولة أفريقية، من بينهم 40 رئيس دولة، رفقة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
لقد كان المشهد وصفا حيّا لمفهوم "مجتمع مصير مشترك بين الصين وأفريقيا"، وهو جزء لا يتجزأ من الرؤية الرئيسية لبناء "مجتمع مصير مشترك للبشرية"؛ فيما يُعرف على نطاق واسع باسم (دبلوماسية شي).
إن هذا التجمع والمساعي الدبلوماسية الأخرى التي قام بها شي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بما في ذلك جولاته إلى الشرق الأوسط وأفريقيا والشرق الأقصى الروسي، أظهرا مجددا أن "دبلوماسية شي" تحظى بقبول واستحسان في جميع أنحاء العالم.
عالم مترابط
وقال شي خلال منتدى أعمال البريكس الذي انعقد في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا يوم 25 يوليو "لقد وصل المجتمع الدولي إلى مفترق طرق جديد؛ ونحن نواجه خيارا بين التعاون والمواجهة، وبين سياسة الانفتاح والانغلاق، وبين منهج المنفعة المتبادلة ومنهج استغلال الجيران."
وأوضح الرئيس الصيني أن الأحادية والحمائية آخذتان في التصاعد، ويوجهان ضربة قوية للتعددية ونظام التجارة متعدد الأطراف.
وأشار خلال مراسم افتتاح قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) التي انعقدت في الأسبوع الأول من سبتمبر بقوله إن "رفاهية الشعوب في جميع الدول لم تكن أبدا مترابطة بشكل وثيق كما هي اليوم."
وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، خلال ظهوره الأول في المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي انعقد في قاعة احتفالات مزدحمة في مدينة فلاديفوستوك في الشرق الأقصى الروسي، أوضح الرئيس الصيني وجهة نظره إزاء التعاون والتنمية في شمال شرق آسيا.
ولفت بقوله إن "وجود منطقة شمال شرق آسيا متناغمة ومتحدة ومستقرة إلى جانب الثقة المتبادلة يتفق مع مصالح جميع الدول وتطلعات المجتمع الدولي. كما تعد مهمة كذلك لحماية التعددية وتعزيز نظام دولي أكثر عدالة وإنصافا."
وأبدى خبراء ومسؤولون إعجابهم بتصريحات الرئيس الصيني التي أدلى بها خلال المنتدى، حيث قالوا إن تصريحات شي تتفق مع توجه العصر ومصالح جميع الأطراف المعنية. كما تضع خارطة طريق واضحة نحو مستقبل مشرق لشمال شرق آسيا.
وقال أليكسي ماسلوف، رئيس قسم الدراسات الآسيوية في المدرسة العليا الروسية للاقتصاد في جامعة الأبحاث الوطنية، إن اقتراح شي يوضح أن الصين، من خلال رؤية عالمية، ملتزمة بالمشاورات متعددة الأطراف وتولي أهمية كبير لتعميق التعاون التجاري والاقتصادي مع الدول الإقليمية من أجل تحقيق نتائج مربحة للجميع.
مستقبل مشترك
كما حث شي خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي دول شمال شرق آسيا الست -- الصين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية واليابان ومنغوليا وروسيا وكوريا الجنوبية -- على تعزيز التعاون من أجل تعزيز السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة.
ودعاهم شي إلى الدمج بين استراتيجيات التنمية وتعزيز مواصلة السياسات وتنسيقها وتحسين ارتباطية البنية التحتية عبر الحدود وتعزيز تحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما والبناء المشترك لاقتصاد إقليمي مفتوح، فضلا عن تعزيز التعاون على المستوى المحلي من أجل مصلحة شعوب المنطقة.
وتعكس مناشدات شي المستمرة للتعاون المربح للجميع تفهمه الثاقب لتوجه العصر ومصالح جميع اللاعبين العالميين، حيث قام على أساس ذلك قبل خمس سنوات بوضع رؤيته وحلوله للتحديات التي تواجه جميع الدول الكبيرة أو الصغيرة: بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
وقال وليام جونز، رئيس مكتب مجلة ((المراجعة الاستخباراتية التنفيذية)) في واشنطن، إن اقتراح شي "محاولة .. للتغلب على الفكرة التقليدية عن الجغرافيا السياسية واستبدالها، وهي الفكرة التي تقوم على أن هناك دائما فائزون وخاسرون، والتي يسود فيها مبدأ (القوة تصنع الحق)."
وأخذ شي التعاون الصيني-الأفريقي كمثال، قائلا إن الصين تتبع منهج "اللاءات الخمس" في علاقاتها مع الدول الأفريقية: لا للتدخل في مسار التنمية الخاص بالدول؛ لا للتدخل في شؤونها الداخلية؛ لا لفرض إرادة الصين عليها؛ لا لربط مساعدتها بشروط سياسية؛ ولا للسعي نحو تحقيق مكاسب سياسية أنانية في التعاون الاستثماري والمالي.
وفي خطابه خلال قمة فوكاك، قال الرئيس الرواندي بول كاجاما، وهو أيضا الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي إن "أفريقيا ليست لعبة صفرية وإن علاقاتنا المتنامية مع الصين لا تأتي على حساب أحد. في الحقيقة، أي شخص لديه أعمال في قارتنا يتمتع بالمكاسب."
وقال رافائيل توجو، الأمين العام لحزب اليوبيل الحاكم في كينيا، إن الصين كسبت قلوب الأفارقة وعقولهم بمساعدتها للقارة من خلال تقديم قروض ومنح لتحسين البنية التحتية التي لا تزال التحدي الأكبر أمام تنمية أفريقيا."
لمحة انسانية
في ضاحية فلاديفوستوك، يشبه مركز أطفال عموم روسيا (أوشن)، قارب إبحار مصنوع من اللؤلؤ النفيس يطل على البحر البنفسجي وراء خليج آمور. لقد زار شي هذه المنشأة مرتين، كنائب للرئيس في عام 2010 وكرئيس عام 2018.
وفي أعقاب الزلزال المميت الذي ضرب محافظة ونتشوان جنوب غرب الصين في 2008 وخلف ما يقرب من 70 ألف قتيل، دعا الرئيس الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف 1500 طالب صيني للعلاج في روسيا. كما ذهب حوالي 900 منهم إلى مركز أوشن. وفي عام 2013، ذهب 259 طالبا صينيا آخر من المتضررين من الزلزال إلى المركز.
وقال شي لدى زيارته موسكو عام 2013 "رأيت بعينيَّ .. العناية الودية التي أبداها المعلمون الروس لأطفالنا."
ولدى حديثه خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي، حكى الرئيس الصيني قصة شي جون في، أحد الناجين الشباب من الزلزال، وكانت إعادة تأهيله في المركز لمدة ثلاثة أشهر بمثابة نقطة التحول في حياته، حيث وقع في حب روسيا وعلّق تفكيره بالدراسة فيها.
وقال شي إن حلم شي جون في بات حقيقة؛ حيث درس في الجامعة الفيدرالية للشرق الأقصى في روسيا، مضيفا أن ذلك كان مثالا جيدا على التبادل الودي بين الشعوب التي تعيش في المنطقة.
وهذا يجسّد اللمحة الانسانية في دبلوماسية شي. وخلال جولته الخارجية، تحدث بشكل ودي مع سكان محليين وعرف عن حياتهم. وفي خطاباته الرئيسية التي أدلى بها خلال المناسبات الدولية، يدعو شي إلى الاحترام والتفاهم على نحو متبادل بين مختلف الأمم، فضلا عن دعوته للتنمية التي تركّز على الشعوب.
وقال الرئيس شي "كما نقول نحن الصينيين في كثير من الأحيان، الحب لا يعرف حدودا."