السويداء، سوريا 18 نوفمبر 2018 / تعتصر دموع الحزن ولوعة الفراق والذكريات المغلفة بالألم، السورية فريال أبوعمار، وهي تروي قصة اختطافها مع أولادها الخمسة قرابة أربعة أشهر على يد تنظيم الدولة الاسلامية المعروف اختصارا بـ (داعش).
ومنذ تحريرها من الأسر، ترتدي الخمسينية فريال ثوبا أسودا حدادا على من فقدتهم خلال هجوم مفاجىء لداعش على قريتها بريف السويداء الشرقي في 25 يوليو الماضي، ومن بينهم زوجها وابنها.
وكانت فريال وأطفالها الخمسة من بين 30 شخصا اختطفهم مسلحو التنظيم خلال الهجوم الذي سقط فيه نحو 260 قتيلا.
"لقد عدنا سالمين من الخطف، لكن لم نجد من نحب" تقول فريال البالغة من العمر 55 عاما.
وعادت فريال قبل أيام الى قريتها "الشبكي" لتفاجأ أن عددا من أقاربها قتلوا في ذلك هجوم داعش المباغت.
وأعلنت دمشق الثامن من نوفمبر الجاري تحرير المختطفين ال 19 من النساء والاطفال بعملية عسكرية في منطقة حميمة شمال شرق تدمر الأثرية.
وروت فريال بحسرة وخوف لوكالة أنباء ((شينخوا)) كيف هجم مسلحو التنظيم على قريتها وأخذوها مع أطفالها أسرى.
وبدأت مأساة العائلة كما تقول الأم قبل فجر يوم 25 يوليو، حينما استيقظ الأهالي على صوت إطلاق نار كثيف في تلك القرية الصغيرة والملاصقة للبادية.
وعن تلك اللحظة تقول فريال "لم يتخيل أحد من الأهالي أن مسلحي تنظيم الدولة قد تسللوا إلى القرية، فقد ظن الناس أن اللصوص هم من دخلوا القرية بقصد سرقة الأغنام".
وتحكي أبو عمار كيف اقتحم مقاتلو داعش منازل القرية وقتلوا بـ"دم بارد" أشخاصا حاولوا الدفاع عن أنفسهم.
"شاهدت زوجي وابني يحملان بنادق صيد، ويجلسان أمام باب المنزل للدفاع عنا، لكن فجأة وصل مسلحو داعش وهددوا بقتلهما في حال المقاومة وطلبوا منهما ان يخرجوا كل من هو بداخل المنزل بسرعة وبعدها تم اقتيادنا إلى مكان شرق البلدة مع مجموعة أخرى من الأهالي".
"طلبوا من النساء وبعض البنات، ان يشاهدن كيف سيطلقون الرصاص على عدد من الرجال امام اعيننا" تتذكر فريال تلك اللحظة والدموع تذرف من عيناها بغزارة.
وأشارت الى أن أحد المسلحين دفعها بقوة عندما حاولت الاقتراب من زوجها وابنها قائلا "سألحقك به إن اقتربت مرة أخرى".
وبحسب أبوعمار، فقد ترك المسلحون النساء والأطفال على قيد الحياة ليتم مبادلتهم مع اسرى تنظيم داعش لدى الجيش السوري.
واقتيدت الأم وأطفالها الى بادية السويداء الشرقية، وساروا لمدة 12 ساعة، متحملين العطش والتعب إلى ان وصلوا إلى مكان بعيد في تلول الصفا.
وفقدت المرأة الخمسينية تسعة من أفراد عائلتها في القتال الذي اندلع عند دخول داعش إلى القرية، بما في ذلك زوجها وابنها.
وقالت فريال "لقد عشنا في كابوس مزعج اثناء فترة الخطف".
ومضت قائلة "مظاهر ووجوه المسلحين كانت مخيفة اعتدنا أن نشاهدها على التلفزيون، كنا نشعر بالرعب عند مشاهدتم ، لكن مصيرنا وقدرنا ان نراهم ونتعرف عليهم عن كثب".
وبالنسبة لفريال، فقد كانت فترة الخطف التي امتدت لقرابة أشهر بالنسبة لها سنوات لا تنتهي من المعاناة والخوف والتوجس.
وقضت فريال أغلب الوقت مستيقظة خوفا على اطفالها، وكانت تقول "ليتنا نموت بكرامة بدلاً من العيش في عذاب".
ولاتصدق السيدة أبو عمار حتى الآن أنها وأطفالها مازالوا على قيد الحياة وعادوا بسلام الى قريتهم.
ورغم أن إطلاق سراحهم جلب لهم بعضا من السعادة والسلامة إلى قلوبهم، إلا أن خسارة الأحباء في ذلك اليوم الحزين لا تزال أكبر من التغلب عليها.
وتتذكر فريال أبو عمار ابنها القتيل راجح وتقول "ذكراه تتعقبني في كل مكان بالمنزل..أبكي كل يوم عندما أرى كل شيء يخصه في جنبات البيت".
وتحاول المرأة التغلب على الأوقات العصيبة كما تقول بالتشبث بالأمل في مستقبل أفضل لأطفالها يجعلهم ينسون ما حدث.
ولاتزال آثار هجوم داعش ماثلة على بيت فريال، فزجاج الباب الخارجي ثقبه الرصاص وكذلك زجاج النافذة الخارجية للمنزل.
وبجوار الأم فريال، كانت تجلس الابنة ماريا (18 عاما) مع بقية اخوتها والحزن يلف وجوههم.
"كنت أعيش على الأمل خلال فترة الاسر لدى تنظيم داعش وكنت اغرس في نفوس اخوتي واخي الصغير الامل في قلوبهم بأنهم سيكون أحرارًا يومًا ما" تقول ماريا.
اما شقيقها رشوان (13 عاماً) الصبي الوحيد بين أبناء فريال الخمسة في الاسر، كان يشعر بالخوف على أمه وأخواته كثيرا ، خاصة وانه سمع احد مقاتلي تنظيم داعش يقول إنهم سيقتلون المخطوفين.
وقال رشوان لـ ((شينخوا)) "لقد كانت الليالي طويلة جدا عندما كنا في الخطف وزاد الجوع والعتمة من المعاناة اكثر فأكثر".
وأشار الى أن مقاتلي تنظيم داعش كانوا يسخرونه في اعمال تعبئة الماء ونقله، وغسيل بعض الاواني وضربه في حال التقصير.
وتابع الصبي يقول إن "الماء الذي كنا نشربه كان قذرا وملوثا ، وممزوجا بطعم المازوت".
ولعائلة فريال أبو عمار شاب كان يعمل في لبنان وكان هو الناجي الوحيد في ذلك اليوم، ولكن معاناة هذا الشاب لم تكن أقل من عائلته لأنه كان يتحمل لحظات طويلة من القلق وعدم اليقين بينما كانت والدته وأخوته في قبضة تنظيم داعش.
وقال نشوان أبو عمار لـ ((شينخوا)) إنه عاد إلى القرية عندما سمع الخبر وأول ما قيل له أن عائلته بأكملها قد قتلت في الهجوم.
واضاف "لقد وصلت إلى القرية في يوم تشييع قتلى الهجوم على القرية وهرعت إلى حيث كانت جثث القتلى.. بحثت، فوجدت فقط جثة والدي وأخي ولكن لم اجد جثث امي واخوتي الخمسة".
وتابع يقول "عندما عرفت أن عائلتي مختطفة لم ادخل المنزل ابدا ، لان ذكرياتهم في كل مكان".
وأضاف "بعد ان عادت اسرتي من الخطف، لا يزال شبح الذكريات يطاردنا في كل لحظة، نحاول ان ننسى ، لكن من يده بالنار ليس كمن يده في الماء".
ورغم تلك الذكرى السوداء، يأمل نشوان ان تعود الحياة من جديد لهذا المنزل المجروح والقرية التي فقدت اكثر من 65 شخصا.