القاهرة 26 فبراير 2019 /عقد قادة دول جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي على مدى يومين في منتجع شرم الشيخ المصري قمة هي الأولى من نوعها، كانت بمثابة خطوة تأسيسية في علاقاتهما لمواجهة التحديات المشتركة، وبداية جديدة لدور أوروبي أكبر في المنطقة مقابل السياسة الأمريكية المتقلبة تجاه أزمات الشرق الأوسط، بحسب خبراء عرب.
وترأس القمة العربية /الأوروبية الأولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بحضور قادة وزعماء من الجانبين، أبرزهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي.
وعُقدت القمة لمناقشة والتعامل مع التحديات الراهنة والمشتركة في المنطقتين اللتين تمثلان 12% من سكان العالم وبدء عصر جديد من التعاون والتنسيق، بحسب بيانها الختامي.
ولم تكن القمة الأولى بين الجانبين سوى خطوة في هذا الطريق الجديد للتأسيس لعمل عربي -أوروبي مشترك ومتواصل.
خطوة تأسيسية مهمة
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي، أن قمة شرم الشيخ كانت "قمة تأسيسية لعمل عربي -أوروبي مشترك ما زال في بداياته الأولى".
وقال فهمي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "هذه ليست قمة قرارات أو توصيات، وإنما بناء تراكمات وعمل متواصل".
وفي هذا الإطار كان من الطبيعي، بالنسبة لفهمي، ألا يتضمن الإعلان الختامي للقمة "آليات تنفيذ"، إذ سيخضع لعمل كثير خلال الفترة المقبلة لبلورة ما جاء فيه.
ويشير فهمي إلى أن الدبلوماسية متعددة الأطراف تختلف كثيرا عن العلاقات الثنائية، لافتا إلى أن الأولى "تعتمد على العمل التراكمي الدؤوب المتواصل".
ومن المقرر أن يعقد الطرفان العربي والأوروبي مؤتمرات قمة منتظمة بالتناوب، على أن تعقد القمة المقبلة في بروكسل عام 2022.
وفي رأي عميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة السويس الدكتور جمال سلامة، تستغرق هذه النوعيات من الدبلوماسية متعددة الأطراف وقتا من الإعداد والتأسيس وتوحيد الرؤى والمواقف.
لذلك يرى سلامة أنه من السابق لأوانه تقييم ما أسفرت عنه القمة العربية-الأوروبية الأولى، مشيرا إلى أنها مهدت الطريق بشكل جيد ووضعت أسسا للتفاهم والحوار العربي الأوروبي على أن يتم البناء عليه في المراحل اللاحقة.
واتفق القادة العرب والأوربيون في "إعلان شرم الشيخ"، الذي صدر في ختام أعمال القمة أمس الإثنين، على المزيد من تعزيز التعاون لإرساء الأمن وتسوية النزاعات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.
وأكدوا أن تعزيز التعاون الإقليمي هو مفتاح التعاطي مع التحديات المشتركة.
تحديات وقواسم مشتركة
وساهم القرب الجغرافي بين الوطن العربي وأوروبا، في خلق تحديات مشتركة للجانبين، لعل أبرزها كان مشكلتا الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وحظي الملفان باهتمام وحضور في جدول أعمال القمة.
وألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته في افتتاح القمة الضوء على القضيتين، قائلا إن "الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي ارتبطت بأواصر وعلاقات تاريخية من التعاون عبر المتوسط استندت في متانتها وقوتها إلى اعتبارات القرب الجغرافي والامتداد الثقافي والمصالح المتبادلة عبر العقود، بل والقيم المشتركة والرغبة الصادقة، التي ستظل تجمعنا سويا من أجل إحلال السلام والاستقرار، ومواجهة ما يفرضه واقع اليوم من تحديات".
وأشار السيسي إلى أنه يأتي على رأس هذه التحديات "تفاقم ظاهرة الهجرة، وتنامي خطر الإرهاب".
وبجانب هذين التحديين، برزت قضايا عودة المقاتلين الأجانب، واللاجئين، بالإضافة إلى "بؤر الصراعات في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية" بالإضافة إلى النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي أن الملفين السوري والليبي يمثلان "قاسما مشتركا" بين الجانبين.
وأوضح فهمي أنه "في الملف السوري لا شك أن الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأمريكي من سوريا شكل هاجسا للجانبين، ويمكن لأوروبا والدول العربية أن تملأ هذا الفراغ من خلال قوة أوروبية -عربية".
ويشير إلى أن الأزمة الليبية بدورها، هي محل تجاذبات كبيرة داخل أوروبا، خاصة بين إيطاليا وفرنسا، والموقف المصري والعربي من هذه الأزمة واضح ويقوم على وحدة التراب والشعب الليبي.
وأكد الجانبان خلال القمة العربية الأوروبية على أن التوصل إلى "تسويات سياسية للأزمات الإقليمية" وفقا للقانون الدولي، بما فيه القانون الإنساني الدولي "يعد مفتاح تحقيق السلام" والرخاء، الذي تطلبه وتستحقه شعوب المنطقة.
وأجرى الجانبان "مناقشات بناءة وجادة ومتعمقة" حول التطورات الأخيرة في سوريا وليبيا واليمن وحول سبل التوصل لتسويات سياسية مستدامة، وأكدا ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي واستقلال هذه الدول.
كما أكدا على الالتزام بالجهود التي تقودها الأمم المتحدة وعلى دعمنا الكامل للمبعوثين الخاصين للأمم المتحدة لسوريا واليمن والممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا.
ومع تأكيد الجانبين على الالتزام بالسعي لحل قضايا المنطقة، يرى خبراء عرب أن القمة قد تهيئ لدور أوروبي أكبر وأقوى في المنطقة.
دور أوروبي أكبر في المنطقة
وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ السياسة في الجامعة العراقية في بغداد عبد العزيز الجبوري، أن "القمة العربية الأوروبية تعد بداية جديدة لكل من العالم العربي والاتحاد الأوروبي".
وتتزايد أهمية القمة، بحسب الجبوري "إذا أخذنا بعين الاعتبار السياسة الأمريكية المتقلبة تجاه أزمات الشرق الأوسط، مما يعطي فرصة أكبر للاتحاد الأوروبي للعب دور أقوى في المنطقة".
ورأى أن الأوروبيين يريدون إرسال رسالة من خلال هذه القمة إلى الأمريكيين مفادها "أننا لن نتخلى عن مصالحنا السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط بسهولة".
وفي الإطار ذاته، اعتبر السفير عبد الحليم الفرا سفير السلطة الفلسطينية لدى الاتحاد الأوروبي، في تصريحات لـ(شينخوا) أن القمة العربية - الأوروبية تعد بداية جديدة لدور أوروبي فاعل ومؤثر بالقضية الفلسطينية.
وتقاطع السلطة الفلسطينية الإدارة الأمريكية منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها في 14 مايو الماضي.
ومنذ إعلان ترامب، يطالب الفلسطينيون بآلية دولية لرعاية مفاوضات السلام مع إسرائيل المتوقفة أصلا بين الجانبين منذ العام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية لم تفض إلى أي اتفاق.
ويرى أستاذ العلوم في جامعة بيرزيت في رام الله غسان الخطيب، أن الفلسطينيين يطمحون إلى تعزيز العلاقات العربية الأوروبية كمدخل لإحداث بعض التوازن مع الدعم الأمريكي الاستثنائي لإسرائيل.
وأكد القادة العرب والأوربيون في ختام القمة على مواقفهما المشتركة من عملية السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك بشأن وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا للقانون الدولي.
وأكدا الالتزام بالتوصل إلى حل الدولتين وفقا لكافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بوصفه السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، والذي يشمل القدس الشرقية والتوصل إلى سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف تتناول كافة قضايا الحل النهائي.
ورغم ما شكلته أول قمة للجامعة العربية والاتحاد الأوروبي من حدث رفيع غير مسبوق، ومسار جديد للتنسيق والحوار بين الجانبين، ثمة من يرى أن بعض قراراتها خاصة بشأن سوريا "غير واقعية".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي السوري حميدي العبد الله في هذا الشأن إن من يتحدثون عن حل الأزمة في سوريا وفق بيان جنيف1 للعام 2012 "ما زالوا يعيشون في الماضي، هذه أصبحت أحلام".
وأوضح "هذا الكلام غير واقعي ولا طائل منه على الإطلاق".
وكانت القمة قد قالت في بيانها الختامي إنها "تقدر أي تسوية مستدامة تتطلب عملية انتقال سياسية حقيقية وفقا لإعلان جنيف لعام 2012".