الأستاذ الدكتور| حسن رجب
أستاذ الدراسات الصينية، عميد كلية الألسن ومدير معهد كونفوشيوس في جامعة قناة السويس.
نحتفل فى 1 أكتوبر 2020 بالذكرى 71 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية (1949) ومع صعود الحزب الشيوعى الصينى إلى السلطة تحددت أهداف الدولة الصينية طويلة المدى لتصبح دولة اشتراكية حديثة وقوية وتم بذل الجهود الجبارة نحو إعادة بناء الدولة الصينية فى أعقاب الحرب الأهلية الصينية والذى يعد إنجازًا ضخمًا من الخطوات والجهود الممزوجة بالصبر والعرق والمعاناة والألم والأمل.
فقد استغرقت جمهورية الصين الشعبية 70 عامًا فى البناء والإنجاز معتمدة على ذاتها لكى تخرج من عزلتها ولتصبح واحدة من أعظم القوى السياسية ولاعبًا بارزًا على الساحة الدولية فى العديد من القضايا الكبرى فى مجال السياسة الخارجية كما استطاعت أن تُشكل ثانى أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم.
إن معجزة الصين الاقتصادية هى قصة نجاح طويلة تروى قصة صعود أفقر دولة فى العالم فى بداية القرن الماضى "رجل آسيا المريض".
حيث تبنت الحكومة الصينية أثناء فترة الزعيم ماوتسى تونج ورئيس الوزراء تشو آن لاي النموذج الاقتصادى السوفيتى القائم على ملكية الدولة والتخطيط المركزى للاقتصاد فعانى الاقتصاد من التأثيرات المنهكة بعقود من الحرب العالمية انتهت بنهاية الحرب مع اليابان وكان الهدف الرئيسى للحكومة فى ذلك الوقت هو إعادة الاقتصاد إلى طبيعته فبدأت الحكومة الصينية فى تأميم بنك الشعب وذلك لإحكام السيطرة على التضخم عام 1951 وتوحيد النظام المالى بهدف وضع برنامج للنمو الصناعى.
وفى النصف الثانى من الخمسينيات اقتنع قادة البلاد بأن النموذج السوفيتى غير ملائم للصين بسبب عدم المرونة فى صنع القرار وعدم وجود توازن بين النمو الصناعى والنمو الزراعى.
واعتمدت الصين على الجهود الوطنية لإحداث قفزة كبرى فى الانتاج من خلال "التحديثات الاربعة" فى مجال الزراعة والصناعة والدفاع والعلوم والكنوولجيا والتى كان لها أطيب الاثر فى تجديد شباب الاقتصاد الصينى بالرغم من الآثار السلبية للثورة الثقافية على الاقتصاد.
ومع انتهاء فترة الزعيم الصينى الكبير ماوتسى تونج تحولت الصين من إقتصاد اشتراكى مخطط تسيطر عليه الدولة الى اقتصاد اشتراكى مختلط.
واستطاع الزعيم دينج شياو بنج مهندس الصين الحديثة والذى قاد الصين إلى معجزة اقتصادية حقيقية ابتدءًا من عام 1979 عبر سياسة الإصلاح والانفتاح "سياسة الباب المفتوح" ومقولته الشهيرة "قطة سوداء...قطة بيضاء..اللون لا يهم طالما يمكنها أن تمسك الفئران".
حيث التأكيد على مبدأ "لا تناقض بين الشيوعية واقتصاد السوق".
وفى بداية الألفية الجديدة جاء انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية كإنجاز آخر يعزز موقف الصين على الساحة الدولية حيث واصلت مسيرة الإصلاح الاقتصادى فى النمو والتقدم بمعدل 10% سنويا.
وفى عام 2012 مع قدوم الزعيم الصينى شى جين بينج إلى سدة الحكم والذى تعهد بإعادة بناء الشركات الحكومية للسماح بمزيد من التنافسية عبر جذب المستثمرين الأجانب الى القطاع الخاص كما أطلق مبادرة الحزام والطريق فى عام 2013 والتى يعتبرها الفرصة الذهبية لتحقيق الحلم الصينى.
وبالإرادة الصينية الصلبة التى تفل الحديد استطاعت الصين أن تقفز بنصيبها من الناتج الإجمالى العالمى بنسبة 1.8 % فى عام 1952 ليصبح الآن 16% وفى ظل ارتفاع عدد سكانها من 575 مليون عام 1952 الى مليار وربع مليار نسمة عام 2018 بزيادة قدرها 140% خلال 66 عامًا
كما تمكنت الصين بإرادتها التى لا تُهزم بالانتصار على مشاكلها وتملكها بحكمة وحنكة من الانفتاح على العالم عبر مبادرة الحزام والطريق التى جاءت كنتيجة طبيعية لسياسة الاصلاح والإنفتاح التى انتهجتها منذ عام 1978 وفى ظل رغبة الصين بالمشاركة فى تشكيل نظام عالمى جديد يقوم على مبادئ السلام والمساواة والعيش المشترك.
وقامت الصين فى السنوات الثلاثة السابقة برفع نسبة الإنفاق على البحث والاستثمار فى التكنولوجيا بنسبة 70% فى مجال تقنيات الذكاء الاصطناعى والروبوتات ومراكز المعلومات الضخمة لتطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة التى تعمل بالطاقة المتجددة.
وتنتج الصين أغلب المنتجات الموجودة فى الأسواق الدولية من لعب الأطفال حتى الأجهزة الكهربائية والسيارات بل والأسلحة المتقدمة التى تحمل شعار "صنع فى الصين" حيث أصبحت القيمة المضافة للصناعة فى الصين هى الأكبر فى العالم وقد وصلت إلى 27% عام 2017 وذلك وفقا لتقرير البنك الدولى. إضافة إلى تأكد البنك الدولى أن بكين على طريق القضاء على الفقر فى عام 2020.
ويتمثل الاعجاز الصينى فى أن الصين هى المصدر الأكبر لحوالى 33 دولة وأكبر مصدر لواردات 65 دولة وتهيمن على مجال التجارة العالمية حيث أصبحت ثانى أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأصبح الإقتصاد الصينى هو الأسرع نموًا على مستوى العالم على مدار ثلاثة عقود وتعمل الصين على أن تحتل عرش الاقتصاد العالمى بعد 10 سنوات خلال الاحتفال بالذكرى الثمانين على تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وتأكدت المقولة الشهيرة "اذا عطست الصين أصيب الاقتصاد العالمى بالزكام" وهذا ما تبلور حين ظهر فيروس كورونا ليبرهن على صحة هذه المقولة فقد ارتبك الاقتصاد العالمى مع بداية هذا العام عندما توقفت عجلة الانتاج فى الصين وأغلقت كل المصانع كإجراء وقائى لمنع انتشار فيروس كوفيد – 19"كورونا".
وبالرغم من الحرب التجارية التى تدور رحاها حاليًا بين الصين وأمريكا والتى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بهدف وقف جماح العملاق الصينى إلا أننى أعتقد بأن الضرر سوف يعود على الاقتصاد الأمريكى المُهدد بالعجز التجارى ووفقًا لتقارير البنك الدولى مؤخرًا فإن الصين -شئنا أم أبينا - فى طريقها لإزاحة الولايات المتحدة الأميريكية عن عرش الإقتصاد العالمى بحلول عام 2030.