اتخذت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، إجراءات دبلوماسية عديدة أطلقت إشارات على التحولات الدبلوماسية والتغيرات الهادئة للوضع في الشرق الأوسط. وذكرت وسائل إعلام بريطانية، في 3 مايو الجاري، أن وفداً سعودياً زار سوريا والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد، بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين المتوقفة منذ نحوز 10 سنوات. كما دُعي أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني لزيارة المملكة العربية السعودية في 10 مايو الجاري، وأجرى محادثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمناقشة العلاقات الثنائية والشؤون الإقليمية. وفي اليوم ذاته، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن إيران والسعودية أجريا محادثات قبل أيام، وأن العلاقات الإيرانية السعودية وصلت عند المنعطف. وفي 11 مايو، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو المملكة العربية السعودية وتبادل وجهات النظر مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول العلاقات التركية السعودية والشؤون الإقليمية. وتظهر مجموعات التفاعلات الثنائية المذكورة أعلاه أن العلاقات السعودية ـ الإيرانية، والسعودية ـ القطرية، والسعودية ـ التركية، والسعودية ـ السورية كلها تخطو خطوات كبيرة نحو الليونة.
ويعتقد نيو سونغ، الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية في تعليق نشره في صحيفة " الدفاع الوطني" الصينية، أن التحسن للعلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول رئيسية في الشرق الأوسط بشكل لافت مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعديل حكومة بايدن لسياسة الشرق الأوسط بعد أن تولت السلطة، ويأتي استجابة للمملكة العربية للتغيرات في البيئة السياسية الدولية والإقليمية.
إن الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأكثر نفوذاً خارج الحدود الإقليمية في الشرق الأوسط، فإن تأثيرات تعديلها الاستراتيجي العالمي والتغييرات اللاحقة في سياسة الشرق الأوسط من الصعب الاستهانة بها. وسواء كانت دول في وسط آسيان تابعة للولايات المتحدة أو دولًا معادية، فإنهم سيتخذون الإجراءات المناسبة ردًا على التغييرات في موقف الولايات المتحدة. فبعد وصول بايدن إلى السلطة، بُذلت جهود لتعديل سياسة الحكومة السابقة في الشرق الأوسط والتي كانت منحازة للغاية للحلفاء ومارست ضغوطًا شديدة على إيران. وقد أدى تعليق الولايات المتحدة بعض اتفاقات شراء الاسلحة مع السعودية والامارات، وإصدار تحقيقاً في حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وشرع في فرض عقوبات على السعودية، والإعلان عن انتهاء دعم السعودية في حرب اليمن، وإبطال هوية "المنظمة الإرهابية" للقوات المسلحة الحوثية في اليمن، إلى التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فجأة.
استمرت الصراعات والاضطرابات في الشرق الأوسط منذ اندلاع "الربيع العربي". وقد تسببت الأساليب والسياسات الدبلوماسية "الراديكالية" نسبيًا في غرق المملكة العربية السعودية بشكل أعمق في الأزمات الإقليمية، واستهلاك قدر كبير من الموارد الوطنية، الذي يعارض احتياجات المملكة العربية السعودية الفعلية للتنمية والتحول الوطني. كما أن منطقة الشرق الأوسط طالما سئمت من التغييرات السياسية التي تميزت بها "الربيع العربي"، بالإضافة الى التأثيرات الهائلة من جراء وباء كوفيد-19، ما جعل السعي لتحقيق الاستقرار وتهدئة الاوضاع إجماعًا في المملكة العربية السعودية ودول الشرق الأوسط الرئيسية الأخرى. وتحت ضغط إدارة بايدن، وجدت المملكة العربية السعودية استراتيجية تحسين العلاقات مع الدول الرئيسية في المنطقة الحل الأمثل.
وبمنطقة الشرق الأوسط العديد من التناقضات البنيوية في الجغرافيا السياسية والاقتصاد والدين، فقد أدت لعبة المعسكرات بين السعودية وسوريا وإيران وتركيا وقطر إلى الإضرار بمصالح جميع الدول. ويعتقد نيو سونغ أن المملكة العربية السعودية والدول ذات الصلة تميل إلى المصالحة، الأمر الذي سيساعد في تهدئة القضايا الساخنة في الشرق الأوسط. وأن الخطوة السعودية الأخيرة ستعمل على تحسين البيئة الأمنية في منطقة الخليج، وبالتالي تخفيف حدة المواجهة بين المعسكرين الرئيسيين في المنطقة، الأمر الذي يصب في مصلحة دول المنطقة. كما أن انتقال بلدان المنطقة من المواجهة إلى التنازل عن التعاون في قضايا النقاط الساخنة الإقليمية يفضي إلى تشكيل آلية تعاون إقليمي جديدة. ومع ذلك، فإن التناقضات العميقة الجذور في الشرق الأوسط، إلى جانب المشاركة العميقة للولايات المتحدة كممثل للقوى خارج الحدود الإقليمية جعلت الصراعات بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط دورية، والتحسين المؤقت للعلاقة لا يعني حل التناقض الأساسي.