اشتدّ مؤخرا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي تم تهميشه لمدة طويلة، وأدى الى اندلاع أخطر صراع مسلح منذ حرب غزة سنة 2014. ولا تزال التوترات متصاعدا والوضع يخرج عن السيطرة.
وأشار يوسف دينغ لونغ الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية في مقالته المنشورة في صحيفة جلوبال تايمز التابعة لصحيفة الشعب اليومية، الى ان تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي له سببان مباشران: أولاً المحاولات الاسرائيلية المتمثلة في استعمالها لوسائل قسرية لتوسيع المستوطنات اليهودية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، مما أثار مقاومة فلسطينية قوية. ثانياً خلال شهر رمضان المبارك، يحتاج المسلمون إلى زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى. ووفقًا لوضع القدس كأرض مقدسة متعددة الأديان فإن إسرائيل ملزمة بضمان حرية وصول المسلمين إليها. لكن ومع ذلك خلال هذا الشهر تبنت إسرائيل إجراءات لتقييد حركة دخول الفلسطينيين إلى القدس وحتى منعهم من الدخول إليها، مما أشعل الغضب العارم في كامل الأراضي الفلسطينية.
يعتقد دينغ لونغ أن هذا الصراع هو استمرار للغضب الفلسطيني الذي تم قمعه لفترة طويلة.
أولا، لقد تم تهميش القضية الفلسطينية وبدأ الفلسطينيون المعزولون والعاجزون القتال لوحدهم. منذ حرب غزة عام 2014، شهدت الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط تغيرات هائلة. حيث انشغلت الدول العربية بالملفات الداخلية الناجمة عن تداعيات "الربيع العربي"، كما أقامت العديد من الدول العربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بواسطة أمريكية، مما تسبب في تهميش القضية الفلسطينية ولم تعد تستقطب اهتمام الدول العربية. وبالتالي صار الفلسطينيون يدركون أكثر فأكثر بأنه يتعين عليهم الدفاع عن حقوقهم بمفردهم.
ثانيًا، الكل يظن أن الولايات المتحدة تتحيز نحو إسرائيل، مما يدفع بالفلسطينيين إلى اليأس. خلال إدارة ترامب، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للقانون الدولي وتنصّلت من التزاماتها الرئيسية المتعلقة بالحل العادل للقضية الفلسطينية وتحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وبذلك ساهمت في زرع بذور هذا الصراع الدائر الآن. لقد أضرت تصرفات الولايات المتحدة بشكل خطير بمصالح الجانب الفلسطيني وجعلت فلسطين المعزولة والضعيفة أكثر راديكالية وبالتالي تراكم القهر والغضب لدى الفلسطينيين لفترة طويلة.
في البداية، قامت إدارة الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ومن ثم اعترفت بالقدس الموحدة كلها عاصمة لإسرائيل، وبعد ذلك أقرّت بقانونية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المخالفة للقانون الدولي، وفي النهاية أطلقت "خطة السلام الجديدة في الشرق الأوسط" المعروفة باسم صفقة القرن. حيث أنه من خلال تغليف ذكي وتقليل معايير بناء الدولة الفلسطينية بشكل كبير تم تقويض المبادئ الأساسية لحل الدولتين. ليس هذا فقط وإنما قامت الولايات المتحدة أيضا بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة وأوقفت تبرعاتها لوكالة الأونروا مما أدى إلى تفاقم محنة الشعب الفلسطيني. وقبل نهاية ولايته، لم يدخر ترامب جهداً في تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، مما ساهم في ازدياد تقسيم العالم العربي وانزلاق القضية الفلسطينية في منعرج غير مسبوق.
وبعد أن تولى بايدن منصبه، ورغم أنه سحب جزءً من قرارات إدارة ترامب بشأن هذه القضية الشائكة، وبالرغم من أنه أعرب عن دعمه المستمر لحل الدولتين، إلا أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يبقى هو السياسة الوطنية الأساسية للولايات المتحدة التي لا تتغير، وهي النقطة التي لا يختلف حولها لا الحزب الجمهوري ولا الحزب الديمقراطي. وبعد اندلاع هذه الصراع الأخير، شددت إدارة بايدن على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ومنعت مجلس الأمن من إصدار أي قرار يدين إسرائيل.
ثالثًا، أصبحت عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ضحية الصراع السياسي الداخلي في الداخل الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، واستفادت القوى الراديكالية في كلا الجانبين من هذا الصراع. لقد أجرت إسرائيل أربع انتخابات عامة في غضون عامين ولم تكسر بعد الجمود السياسي. وبالتالي فإن اندلاع الصراع بين فلسطين وإسرائيل في هذا الوقت سيساهم في رفع صوت الفصيل اليميني الإسرائيلي الذي يدعو إلى اتخاذ موقف متشدد أكثر ضد الفلسطينيين. كما ستدخل فلسطين أيضًا في أول انتخابات عامة منذ 15 عامًا، ومن الواضح أن الصراع سيفضي إلى انتخاب راديكاليين أيضا. ومع ذلك الفصائل السياسية هي التي ستحقق مصالحها الذاتية وستضحي بمستقبل السلام بين الجانبين وفي النهاية كلا الشعبين هما اللذان سيدفعان الثمن.
مع التصعيد الحاد لهذا النزاع الدائر الآن، هددت إسرائيل بإرسال قوات برية إلى غزة، مما ينذر بخروج الوضع عن السيطرة. والشيء الأكثر خطورة هو أنه بالمقارنة مع الجولات الماضية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الوساطة الدولية تكاد تكون غائبة بشكل أساسي هذه المرة. وبالتالي سيزيد تفاقم هذا الصراع من نسف الثقة بين إسرائيل والجانب الفلسطيني ويجعل آفاق عملية السلام وحل الدولتين مقعدة أكثر. مع تلاشي دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتسريع انتشارها في منطقة المحيط الهندي والهادئ، فإن الولايات المتحدة ملزمة بتقليل دورها في عملية إحلال السلام في الشرق الأوسط مما سيتسبب في تجاهل العالم للقضية الفلسطينية أكثر فأكثر. كما أن لامبالاة الدول العربية بالقضية الفلسطينية صارت شيئا عاديا، وصارت القضية الفلسطينية قضية الشعب الفلسطيني وحده. إن التفوق العسكري لا يمكن أن يضمن أمن إسرائيل وإذا لم يتم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فلن تتمتع إسرائيل بالأمن والسلام.
ويظن دينغ لونغ إن الصراع الحالي يظهر أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية لا تزال قضية جوهرية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وهي شوكة تخز خاصرة المنطقة في كل مرة. كما أنها تشكل تهديدا مستمرا لاستقرار وأمن فلسطين وإسرائيل والشرق الأوسط كله، بالإضافة إلى أنها أصبحت مرتعا خصبا لظهور القوى المتطرفة وتحريكها. لقد أثبت التاريخ أن الحلقة العنيفة من الانتقام المتبادل لن تؤدي إلا إلى زيادة صعوبة حل النزاع، وجعل عملية تحقيق السلام بعيدة المنال في المستقبل. إن الانحراف عن مسار حل الدولتين وعن المسار الصحيح للتفاوض لحل المشكلة لن يؤدي إلا إلى خسارة مزدوجة أو حتى خسارة متعددة. قد يظل الالتزام باتجاه "حل الدولتين" صعبًا لتحقيق السلام على المدى القصير، ولكن على الأقل يمكن أن يمنع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الانزلاق إلى الهاوية ويضع الأساس للسلام في المستقبل.