قدم البنتاغون تقرير عن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 إلى الكونغرس مؤخرًا، واصفاً الصين بأنها "أهم منافس استراتيجي لأمريكا"، ورؤية روسيا على أنها "تهديد خطير"، ما يكشف عن عقلية الحرب الباردة القوية بين السطور.
لا تزال أذهان بعض السياسيين الأمريكيين عالقة في العصر القديم من التفكير في الحرب الباردة والألعاب الصفرية على الرغم من انتهاء الحرب الباردة لأكثر من 30 عامًا. خاصة في السنوات العشر الماضية، حيث تتمسك الولايات المتحدة بعقلية الحرب الباردة، وتخلق باستمرار أعداء وهميين وتثير المواجهة الجماعية، من أجل الحفاظ على موقعها المهيمن، وإن استراتيجية آسيا والمحيط الهادئ التي أنشأتها وعززتها الحكومات المتعاقبة بشق الأنفس هي مثال قوي --—من استراتيجية "العودة إلى آسيا والمحيط الهادئ" واستراتيجية "إعادة التوازن لآسيا والمحيط الهادئ" لإدارة أوباما، إلى صياغة إدارة ترامب "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ"، وبعد ذلك تثري وتعزز إدارة بايدن "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ" وإعادة إطلاق "دبلوماسية القيم"، ولم تتخلَّ الولايات المتحدة أبدًا عن طموحها للاستفادة من المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، وضعت الولايات المتحدة أنظارها مرة أخرى على آسيا. عملت الولايات المتحدة على كسب اليابان وكوريا الجنوبية وحلفاء شرق آسيا الآخرين لزيادة العقوبات على روسيا، والضغط على الهند وتركيا والآسيان وغيرها "لتحيز أحد الجانبين"، ومطالبة قطر بفرض عقوبات على صناعة النفط والغاز الروسية ... لقد استنفدت الولايات المتحدة كل الوسائل وحاولت استخدام عقلية الحرب الباردة لإجبار الدول الآسيوية التي كانت بعيدة عن ساحة المعركة في أوروبا، على الانضمام إلى "الجبهة المعادية لروسيا" للولايات المتحدة والحلفاء الغربيين.
وبالعودة إلى الجذور، فإن جذور الأزمة الأوكرانية تكمن في عقلية الحرب الباردة وسياسات القوة. وكنتيجة للحرب الباردة، أصر الناتو تحت قيادة الولايات المتحدة على دفع ما يسمى بخط دفاع "الأمن الجماعي" إلى حدود روسيا وأوكرانيا لأكثر من 20 عامًا بعد عام 1999، مما دفع روسيا إلى الزاوية خطوة بخطوة، وأدى في النهاية إلى الحرب. واليوم، تمتد الآثار السلبية للأزمة الأوكرانية إلى آسيا. وقد غرست الولايات المتحدة بالقوة عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن في المنطقة وأحدثت موجات، ولم يتردد بعض حلفائها الآسيويين في ربط أنفسهم بـ "عربة الحرب" الولايات المتحدة واتباع الأخيرة في شن عقوبات ضد روسيا، مما يزيد الوضع المتوتر بالفعل.
ومع ذلك، فإن موقف الغالبية العظمى من الدول الآسيوية ثابت وحازم: منافسة القوى العظمى ليست موضوع العصر، واللعبة الصفرية ليست الخيار الصحيح. وتتمسك الصين بموقفها اتجاه العقوبات التي تراها ليست حلاً أساسيًا وفعالًا للمشكلة. وتترد الهند في الوقوف في صف الغرب لإدانة أو معاقبة روسيا، بينما تشتري الكثير من النفط الروسي. وتلتزم قطر بموقف محايد وتقول إن تجارة الطاقة الدولية هي حاجة أساسية لبلد ولا علاقة لها بالسياسة الدولية. كما تتخذ الغالبية العظمى من دول الآسيان مثل تايلاند وإندونيسيا موقفًا محايدًا بشكل عام، خوفاً من الانجرار إلى أزمة أوكرانيا. ولم تختف ذكرى المعاناة من الحرب الباردة بالنسبة للعديد من البلدان الآسيوية، وينبغي الاعتزاز بحالة السلام والاستقرار التي تم تحقيقها بشق الأنفس في المنطقة. كما توفر الأزمة الأوكرانية الحالية مرآة تحث الدول الآسيوية على التفكير في كيفية تجنب تكرار الأزمة الأوكرانية.
تعتبر آسيا واحدة من أكثر المناطق ديناميكية وإمكانات في العالم اليوم. وقد بات السلام والاستقرار في آسيا أكثر أهمية في الوقت الذي يتأخر فيه الوباء العالمي بشكل متكرر، واحتمالات تعافي الاقتصاد العالمي غير مؤكدة، وظهور الحروب في أوروبا من جديد. هل هو بناء أسرة آسيوية منفتحة وشاملة ومربحة للجانبين معًا، أم ينتهجون عقلية الحرب الباردة وينخرطون في مواجهة المعسكرات؟ الجواب واضح: عودة ظهور عقلية الحرب الباردة غير مسموح به في آسيا، وهو الخيار الصحيح للدفاع عن مفهوم الأمن الآسيوي المتمثل في الأمن المشترك والأمن الشامل والأمن التعاوني والأمن المستدام.