ذكرت وكالة بلومبرغ مؤخرًا أن 19 شركة من أصل 20 شركة رقائق الكترونية الأسرع نموًا في العالم خلال الربع الأول من العام الحالي، جاءت من البر الرئيسي الصيني. مما يمثل طفرة في تصنيع وتزويد الرقائق الإلكترونية في البر الرئيسي الصيني.
قبل ذلك، مثّلت صناعة الرقائق الإلكترونية جوهر الحرب التجارية والتكنولوجية الأمريكية تجاه الصين.وظلت الرقائق الإلكترونية لوقت طويل تمثل عنق الزجاجة بالنسبة للصناعة الصينية. ولكن بعد بضع سنوات فقط من الحرب التجارية، أظهرت الصين قدرات عالية على امتلاك هذه التقنية بشكل مستقل.
وقد فاجأت هذه النتائج السريعة والمبهرة مؤيدي الحرب التجارية الأمريكية مع الصين، بعد أن حاولوا استخدام كل الوسائل لضرب الصناعة الصينية والإضرار بمصالح الصين. وشنّوا حربا تجارية هي الأوسع منذ ثلاثينات القرن الماضي. لكن جميع توقعاتهم بسقوط الصين سقطت في الماء. بل على النقيض من ذلك، أحدث قمع الصناعة الصينية مفعولا عكسيا، وتطورت التقنية الصينية العالية بشكل سريع.
ويرى خبراء التقنية، بأنه لاتزال هنالك فجوة بين الصين والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الأساسية. لكن في المقابل، بات لدى الصين ثقة أقوى في تجاوز الصعوبات التي تحول دون امتلاكها التكنولوجيات الفائقة ذات الأهمية البارزة بالنسبة لصناعتها.
وعلى الرغم من أن القمع الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي الذي مارسته الولايات المتحدة على الصين، قد خلق بعض الصعوبات قصيرة المدى للاقتصاد الصيني. إلا أنه أسهم في حشد القوة الروحية للشعب الصيني، وشكّل توافقًا قويًا بشأن الابتكار المستقل، وتقليل الإعتماد الخارجي في مجالات التكنولوجيا الأساسية الرئيسية. حيث نجحت الصين في امتصاص "صدمة" الحرب التجارية، وأبدت مرونة قوية في التأقلم مع الأوضاع الجديدة والإعتماد على الذات.
من ناحية أخرى، لم تحقق الولايات المتحدة هدفها الاستراتيجي بإخضاع الصين ولم تجنِ الفوائد الاقتصادية التي راودت المبادرون بالحرب التجارية. بل بدلاً من ذلك، خلقت ألما طويل المدى. حيث عانت أعنف موجة تضخم منذ أربعين سنة، وزادت كلفة حياة المواطنين. وتراجع حجم انتاج السيارات في أمريكا بـ 7 ملايين سيارة خلال عام 2021 بسبب نقص الرقائق، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بنسبة 8٪ والسيارات المستعملة بنسبة 40٪. وإذا كان من الممكن إرجاع مثل هذا الوضع إلى سببه، فإن انتهاك واشنطن للقانون والتدخل القسري في التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، يعد العامل الرئيسي.
وعلى الرغم أنه لا يزال هناك سياسيون أمريكيون يبررون الحرب التجارية مع الصين، ويزعمون نجاحهم في إقناع الأمريكيين بأن الصين "تشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة"، إلا أن صعوبات الواقع تبدد أوهام التعصب. الشيء الذي جعل هذه النخب الأمريكية المعادية للصين أكثر من سياسات المواجهة. وفي ظل هذه الخلفية، صدرت شائعات من واشنطن مؤخرًا، تقول بأن الجانب الأمريكي يفكر في إلغاء بعض التعريفات المفروضة على الصين، مما يدل على استعدادها لوقف الحرب التجارية مع الصين.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، إلا أن موقف واشنطن تجاه الصين لم يعد بعد إلى طريق العقلانية وهذا يتجسد أيضًا في انتهازية بعض السياسيين الذين يراوحون بين التعصّب والاعتدال. وبعبارة أخرى، لقد تعلمت واشنطن بعض الدروس ، لكنها ليست بالعمق الكافي لتصحيح الأمور. فقد ذكر البيت الأبيض مؤخرا، بأنه لن يرفع بعض الرسوم الجمركية الإضافية المفروضة على الصين قبل قمة مجموعة السبع التي ستعقد الأسبوع المقبل. لكن، هذا المد والجزر للإغراء الأمريكي لن يحدث الأثر النفسي المرجو لدى الجانب الصيني. ومن جانبها، ستركز الصين أوّلا في هذا الوقت على القيام بشؤونها على أحسن وجه.
يمكننا القول أنه في ظل هذه الجولة من الحرب التجارية الأمريكية مع الصين، فإن الأكثر تضررًا هو مصداقية الأعمال الأمريكية وصورة أمريكا في العالم، وخاصة في المجتمع الصيني. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد إصلاح هذه الأضرار، فعليها أن تظهر المزيد من الإخلاص وتبذل المزيد من الجهود. أما إذا اعتبرت الصين عدوا وهميا، فإن الولايات المتحدة ستكون قد اختارت الخصم الخطأ، واستخدمت الأسلوب الخطأ أيضًا.