عُقدت الدورة الأولى من مؤتمر السلام بين الصين والقرن الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤخرا. ويعد المؤتمر خطوة مهمة بالنسبة للصين ومختلف دول القرن الأفريقي للارتقاء بالمقترح الصيني المتعلق بـ " مبادرة التنمية السلمية في القرن الأفريقي". وتوصل الاجتماع إلى توافق هام حول تعزيز السلام والتنمية والحوكمة في المنطقة، الشيء الذي وجد تثمينا واسعا من دول المنطقة، ومثل مرة أخرى شهادة على مساهمة الصين الإيجابية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في إفريقيا.
ويتمتع القرن الأفريقي بموقع استراتيجي هام وإمكانات تنموية هائلة. لكن المنطقة عاشت خلال السنوات الأخيرة، عدة قضايا ساخنة، واندلاع صراعات ومواجهات، مما أحدث تهديدا خطيرا للسلام والاستقرار الإقليميين.
وتتوافق دول القرن الأفريقي بشكل عام مع سياسات الصين الودية تجاه إفريقيا، وتتطلع إلى أن تلعب الصين دورًا أكبر في السلام والتنمية الإقليميين. ولمواجهة التحديات الثلاثية للأمن والتنمية والحوكمة في القرن الإفريقي، طرحت الصين في يناير من العام الجاري "مفهوم التنمية السلمية في القرن الأفريقي". حيث أكّدت على أن دول المنطقة هي من ستقود مبادرة السلام وتعمل على تعزيزها، وتعهدت بالاحترام الكامل لاستقلالية دول المنطقة، وتوفير منصة جديدة لمختلف دول المنطقة من أجل الحوار والتفاوض، وحل النزاعات الإقليمية بالشكل المناسب.
لكن المبادرة الصينية وجدت كالعادة هجوما من بعض وسائل الإعلام الغربية، التي اتهمت الصين بالرغبة في السيطرة على المنطقة والتنافس مع القوى الكبرى الأخرى. وفي هذا الصدد، أشار مقال نشر في صحيفة "ستاندارد" الكينية، للباحث كافينز أدهيل، إلى أن مبادرة الصين حول التنمية السلمية في القرن الأفريقي، تتماشى إلى حد كبير مع رغبة دول المنطقة في تحويل القرن الأفريقي إلى منطقة مستقرة وسلمية، تحقق التنمية المستدامة. مشيرا إلى أن الصين لا تطرح أي شروط سياسية على الدول المعنية. ومعتبرا أن الموقف الصيني يقف على طرف النقيض من سياسات التدخل التي تنتهجها الدول الغربية في القرن الأفريقي.
وفي ذات السياق، نشرت مجلة "ديبلومات" الأمريكية مقالاً، أشار إلى أن الغرب يعاني من "وصمة تاريخية" بسبب الاستعمار في أفريقيا، ويتعامل مع الأفارقة بدبلوماسية الوصاية الأبوية، ويحاول "تغيير" أفريقيا من خلال نموذج تنموي نيوليبرالي. بينما تبدو الصين على استعداد للاستماع إلى مطالب إفريقيا والتركيز على أولويات الحكومات المحلية والاستجابة لمشاغلها الاقتصادية والمالية والتجارية.
وقد نادت الصين دائما بأن إفريقيا للأفارقة، وأن للأفارقة القول الفصل في شؤونهم. وعلى هذا الأساس، تهدف "مبادرة التنمية السلمية في القرن الأفريقي" إلى دعم دول المنطقة على التخلص من تبعات الصراع الجيوسياسي بين الدول الكبرى، واتباع طريق الوحدة ورفع القدرات الذاتية.
وتؤكد الصين على أن إفريقيا يجب أن تكون أرضا للتعاون الدولي، لا مسرحا للصراع بين القوى الكبرى. وتعمل على استكشاف سبل المشاركة البناءة في شؤون السلام والأمن في أفريقيا، على أساس الاحترام الكامل لإرادة الأفارقة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بالمعايير الأساسية للعلاقات الدولية. واعتماد المنتديات والاجتماعات المشتركة لتعميق التبادل والحوار الثنائي في مجال السلام والأمن بين الصين وأفريقيا؛ ودعم الدول الأفريقية في تعزيز قدرات الدفاعية والعسكري من خلال التدريبات المشتركة والزيارات المتبادلة للقوات والسفن وغيرها من الإجراءات؛ إلى جانب دعم بلدان منطقة الساحل وخليج عدن وخليج غينيا وغيرها من المناطق للحفاظ على الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
وفي نفس الإتجاه، ستعمل الصين على تقديم المساعدة للدول الإفريقية في إطار البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، ومهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ومكافحة القرصنة والإرهاب وتدريب العسكريين. إضافة إلى دعم آليات الأمم المتحدة في لعب دورها المهم في الحفاظ على السلام والاستقرار في إفريقيا. حيث تعد الصين أكثر أعضاء مجلس الأمن إرسالا لقوات حفظ السلام إلى أفريقيا. كما ترغب الصين في تعزيز التعاون القنصلي والتعاون بين وكالات إنفاذ القانون، والتنسيق المشترك في مكافحة الجرائم العابرة للحدود.
ولم تتوقف الصين خلال السنوات الأخيرة عن بذل الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الصيني الإفريقي، والمشاركة في تخطيط شؤون السلام والأمن في أفريقيا. حيث تم طرح "خطة التعاون الصيني الإفريقي في السلام والأمن" في إطار "خطط التعاون الصينية الأفريقية العشر" التي توصلت إليها قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2015. وتضمين “الإجراء التنفيذي للسلام والأمن " في خطة "الإجراءات الثمانية الكبرى"، التي وافق عليها المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2018. ومن بين "المشاريع التسعة" التي وافق عليها المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2021، تم تبني "مشروع السلام والأمن". حيث ركزت جميع هذه الاقتراحات والمبادرات على الوضع الحقيقي لأفريقيا والاحتياجات الحقيقية للأفارقة.
وستواصل الصين وأفريقيا دعم روح الصداقة والتعاون بينهما، على أسس "الصداقة المخلصة، والمعاملة المتساوية، والمنفعة المتبادلة والإنجازات المربحة للجميع، والتنمية المشتركة، والعدالة، والتكيف مع التغيّرات والانفتاح والتسامح ". ولا شك في أن "مبادرة التنمية السلمية للقرن الإفريقي"، ستمثل قوة جديدة في قاطرة التعاون الصيني الأفريقي، من أجل تأسيس مجتمع المصير المشترك بين الجانبين.