شهدت بكين في 23 يوليو الجاري، توقيع الفصائل الفلسطينية "إعلان بكين" حول الوحدة الوطنية، الحدث الذي لفت اهتمام الرأي العام الدولي. حيث وقّع ممثلو 14 فصيلا فلسطينيا في بكين "إعلان بكين بشأن إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية"، مما يمثل وثيقة تاريخية لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية. وفي ذات اليوم، بدأ وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا زيارة إلى الصين، هي الأولى بالنسبة له منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، الشيء الذي جعل العالم يرى من بكين وميضا من الضوء يلمع في آخر النفق لقضيتين شائكتين. وعلّق بعض مستخدمي الإنترنت في الصدد، قائلين بأن الصين تعمل جاهدة لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الوضع العالمي "المهشّم". فيما رأى آخرون، بأن جهود السلام الصينية، تأتي في إطار تنفيذ مبادرتها بشأن الأمن العالمي.
ينطوي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والخلافات الفلسطينية الداخلية على خلفيات ومصالح بالغة التعقيد، الشيء الذي يجعل من طريق المصالحة طويلا ومتعرّجا. وإزاء ذلك، ينظر الرأي العام الدولي إلى حوار الفصائل الفلسطينية في بكين من أجل المصالحة بتفاؤل حذر.
مثّل خبر التوقيع على "إعلان بكين"، مفاجئة للرأي الدولي. وفي هذا السياق، قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إن إعلان بكين "يذهب أبعد" من أي اتفاق آخر تم التوصل إليه خلال السنوات الأخيرة. وإن مشهد توقيع ممثلي الفصائل الأربعة عشر على الإعلان يمثل لحظة مهمة وتاريخية في قضية التحرر الوطني الفلسطيني، ويبعث الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني الذي يعاني.
ويشكل "إعلان بكين" خطوة مهمة نحو حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. كما يعد وثيقة المصالحة الفلسطينية الأولى التي تُرعى خارج الدول العربية. في هذا الصدد، قال مصطفى البرغوثي إن سبب اختيار بكين لرعاية الحوار الفلسطيني، يعود إلى مصداقية وموثوقية الجانب الصيني. كما أشادت مختلف الفصائل الفلسطينية بالجهود الصادقة التي بذلتها الصين من أجل دعم الحق الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد الموقف الفلسطيني.
يأتي "إعلان بكين" استمرارا لجهود الوساطة التي بذلتها الصين لتحقيق المصالحة التاريخية بين إيران والمملكة العربية السعودية في العام الماضي. مما يعبر عن المسار الأمني الجديد الذي تدعو إليه الصين، والذي يقوم على الحوار بدلا من المواجهة، والشراكة بدلا من التحالفات، والربح للجانبين بدلا من المحصّلة الصفرية. وهي رؤية تطمح إلى إشاعة السلام الدائم والأمن العالمي والرخاء المشترك والانفتاح والشمول. وتقدّم طريقا آخر لحل الصراعات يعتمد على الحوار والتعاون، بعيدا عن العزلة والضغوط والعقوبات والمواجهة والتدخل والعدوان والتدمير المتبادل.
يمنح التقدم في المصالحة الفلسطينية الداخلية الأمل لحل صراع آخر بشكل نهائي. حيث يناقش وزير الخارجية الأوكراني كوليبا في زيارته إلى الصين، العلاقات الثنائية بين أوكرانيا والصين، إلى جانب مناقشة حلول إنهاء الأزمة الأوكرانية.
وقبل السفر إلى الصين، كان كوليبا قد توجّه بكلمة لمستخدمي الإنترنت الصينيين، أشار فيها إلى أمله في تحقيق "سلام حقيقي وعادل" يسمح لأوكرانيا "باستعادة الأمن والتنمية والازدهار". في الأثناء، تتشبّث الصين بدفع الحل السلمي للأزمة الأوكرانية، وتبذل جهودا هائلة في هذا الإطار.
السلام لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها، ومن المؤكد أن الصين تدرك عقبات الطريق. لكن الصين ستتحمّل مسؤوليتها طالما كان ذلك في صالح العالم والشعوب. وليس من قبيل الصدفة أن تتواجد الأطراف المعنية بأكبر صراعين عالميين في الوقت الحالي ببكين من أجل السلام. حيث يحظى موقف الصين العادل بثقة متزايدة من المجتمع الدولي، لأن القيم والمبادرات التي تطرحها من أجل السلام تتجاوز الاختلافات الجيوسياسية والأيديولوجية وتمثل القاسم المشترك بين جميع الأطراف.