غزة 19 نوفمبر 2012 /بدأ سكان قطاع غزة يجرون استعدادات كبيرة لتفادي أي أزمات في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ عملية برية في القطاع بعد أن اصبح التوصل لاتفاق تهدئة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والدولة العبرية متعثرا.
فالأخبار التي تتوارد لسكان غزة من إسرائيل بأن العملية العسكرية ستتوسع وقد تصل إلى مرحلة الاجتياح البري لوقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، ادى الى دب الرعب في قلوب الكثيرين خصوصا سكان المناطق الحدودية الذين ذاقوا ويلات المعارك البرية في الحروب السابقة.
وفي حال وقع هجوم من هذا النوع قد يقتل مئات المدنيين، مثل الذي حدث في عملية الرصاص المصبوب التي شنتها اسرائيل اواخر عام 2008 وأوائل يناير 2009 لوقف اطلاق الصواريخ، والتي ادت الى مقتل 1400 فلسطيني و13 اسرائيليا والحاق دمار شديد بالأراضي والبيوت السكنية .
ويعتصر مشهد النزوح مجددا قلب العجوز الستينية أم سهيل من منزلها على أطراف بلدة بيت لاهيا شمال غزة بالألم، غير أن دوي الانفجارات ومخاوف حلول الأسوأ لم يترك لها خيارا.
حينها سارعت هذه السيدة إلى ترك أمتعتها لترافق عائلتها المكونة من تسعة أفراد باتجاه منزل أحد أقاربها في وسط غزة، حيث البحث عن مكان أقل خطورة يبدو مهمة شاقة لسكان القطاع الذي يتعرض لهجوم عسكري إسرائيلي منذ6 أيام. "هروب من خطر موت متربص، لكنه هروب في طريق ألغام" قالت أم سهيل وهي تمسك بيديها اليابستين حفيدتها الطفلة البالغة 3سنوات وتحاول إثنائها عن البكاء المستمر من شدة الخوف مما يجرى حولها.
وبدأت إسرائيل عملية (عماد السماء) العسكرية على قطاع غزة الأربعاء الماضي بشن مئات الغارات الجوية على مناطق متفرقة في القطاع الذي يشهد نزوحا متصاعدا لعائلات من منازلها خشية أن تكون الهدف التالي.
وأعاد المشهد ذكريات سيئة لم تمسح بعد من ذاكرة أم سهيل عندما دفعتها عملية (الرصاص المصبوب) العسكرية إلى مغادرة منزلها وعادت إليه بعد 22 يوما من الحرب لتجده أنقاض.
وتقول: "لم اتوقع أن يتكرر بي الحال بهذا السرعة (..) لو كان بيدي فربما اختار أن اموت في منزلي هذه المرة في حال استهدافه ، لكن صرخات أطفالها كانت أشد أن تحتمل هذا الخيار الصعب.
فعلى مدار أول يومين من التوتر الحاصل دب الرعب قلوب عائلة أم سهيل وجيرانها من شدة دوي الانفجارات في محيط منطقة سكانهم في بلدة بيت لاهيا التي تبعد على مقربة من السياج الفاصل مع إسرائيل.
واستهدفت سلسلة الغارات الإسرائيلية أكثر من ألف هدف بين مراكز أمنية ومواقع تدريب للجماعات المسلحة، لكنها طالت كذلك عشرات المنازل السكنية حتى ندر وجود منطقة في القطاع الذي لا تتعدي مساحته 360 كلم خارج دائرة الاستهداف.
وقتل نحو مائة فلسطيني حتى الآن جراء الغارات الإسرائيلية نشرت رائحة البارود والنار في كل مكان من القطاع الساحلي.
وبدا أبو إياد أبو شباك ساخطا وهو يحاول دون جدوى تهدئة أطفاله الذين يدخلون في موجة بكاء مع كل صاروخ تطلقه الطائرات الإسرائيلية لتهتز الأرض تحت منزل أحد أصدقائه في غزة قاصدا البحث عن المزيد من الأمان.
ويقطن أبو شباك في عزبة عبد ربه شمال القطاع وكان أخلى منزله عند صباح اليوم الثاني من الهجوم الإسرائيلي.
يقول وهو يتابع أخر التطورات الميدانية عبر الراديو " الليلة الأولى للهجوم كانت مرعبة خاصة في منطقتنا الحدودية، ألح أولادي لترك المنزل سريعا فوافقت لكن أنظر إنهم يبكون هنا كذلك ".
ويعد وسط مدينة غزة الأكثر حيوية في القطاع الساحلي المكتظ بالسكان، الوجهة الأولى للنازحين هربا من ويلات الغارات المتتابعة لكن المنطقة المحصورة تتعرض هي الأخرى لعشرات الهجمات من سلاح الجو الإسرائيلي.
وكان أبو إياد فقد اثنين من أبنائه جاكلين (16 عاما) وإياد (15 عاما) في العام 2008 خلال عملية توغل برية للجيش الإسرائيلي، مشيرا الى ان أكبر هواجسه الآن هو النجاة بمن تبقي من أطفاله.
وتشاركه زوجته الرأي وهي ترفع كفيها للسماء من أجل الدعاء بحمايتهم.
وقالت أم اياد بنبرات متقطعة صاحبها بكاء شديد " في كل مرة نتشرد، لم نذق طعما للاستقرار حتى أطفالي في كل مرة يسألونني إن كانوا سيموتون مثل أشقائهم".
لم تجد هذه السيدة إجابة لكنها سرعان ما اندفعت تجاه أطفالها تحتضنهم بينما دوى صوت انفجار غارة جديدة في محيط المنطقة.
ولم يختلف الأمر لدى محمد الغرابلي (33 عاما) وعائلته المكونة من سبعة أفراد وقرر الرحيل مع عائلته من الجزء الشرقي من حي الزيتون المطل على السياج الفاصل مع إسرائيل إلى مكان يعتقد أنه آمن.
ويقول الغرابلي، إن الحرب البرية كابوس كبير ، فرؤية الدبابات تتقدم نحو منزلك، ومن ثم تشتبك مع المقاومين، وترى نفسك عالقا بينهم، يجعلك ترى الموت 1000 مرة في الدقيقة.
وقد يبدو المنزل الذي لجأ إليه الغرابلي آمنا بعض الشيء في حال اندلعت معركة برية كونه يقع في قلب مدينة غزة، و لكنه ليس بمأمن عن القصف الجوي الذي يطال كل مكان.
ويقول الغرابلي، لا يوجد مكان آمن، فنحن في خطر طوال الوقت، ولكن الخطر درجات، وهنا أفضل من حي الزيتون، بالرغم من شدة القصف الجوي.
وقد يكون الغرابلي وجد حلا لمشكلته الأكبر وهي الحصول على ملاذ آمن، لكن هناك مشاكل أخرى تواجهه مثل توفير الغذاء والخبز لأبنائه، في ظل أجواء الحرب.
فمنذ اندلاع العملية العسكرية أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، بما فيها محال بيع الخضروات و اللحوم، ما عدا عدد قليل فقط من المخابز ومحلات البقالة التي فتحت أبوابها على استحياء للسكان كي يشترون ما يحتاجونه من طعام في ظل هذه الظروف الصعبة.
كما أن إسرائيل أغلقت المعبر التجاري الوحيد مع غزة، والأكثر من ذلك توقف العمل في الأنفاق مع مصر والتي تعتبر المصدر الأساسي لإدخال الغذاء لغزة المحاصرة.
وفي ظل هذا الواقع يتهافت السكان على الاطمئنان على أقارب وجيران لهم تفرقوا عنهم بفعل التطورات الدامية.
فمن نزح من منزله ينشغل على من ودعه ومن أصر على البقاء يحتاج إلى الاطمئنان على من فارقه.
ولا يوجد ملاجئ محصنة في غزة أو خدمات للتحذير المسبق من الغارات كما في إسرائيل لدى سقوط الصواريخ الفلسطينية على أراضيها ما يضيف الرعب بين الآمنين في منازلهم.
ويقول محمد حمادة وهو من سكان مجمع الكرامة السكني غرب غزة إن البت في مسألة النزوح من منطقة لأخرى يعد أصعب قرار ممكن اتخاذه تحت وقع الغارات المتتالية.
فقد كان حمادة يرفض إلحاح زوجته وأطفاله بمغادرة شقتهم في أحد الأبراج إلا انه اضطر بعد ان أصيبت زوجة محمد بجروح طفيفة جراء تطاير زجاج النوافذ بفعل غارة عنيفة أصابت أرضا خالية وراء برجهم ، فقام بالانتقال لمنزل عائلته.
ويضيف :"تركنا المنزل وراء ظهورنا رغم حسرتي إن كنت سأجده على حاله عندما نعود أم سنجده تحول لأنقاض".
وداخل منزل العائلة الكبير، ينام محمد مع زوجته وأطفاله الخمسة الآن داخل غرفة صغيرة بينما تطلعاته وغيره من النازحين تتجه صوب إعلان قريب للتهدئة يمكنهم من العودة لمنزلهم والشعور بالأمان المفقود مجددا.
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn